افتتاحية الكومبس

بهدوء.. لماذا “يهرب” الناس من السويد؟

: 4/26/24, 1:33 PM
Updated: 4/26/24, 1:33 PM
بهدوء.. لماذا “يهرب” الناس من السويد؟

“موسم الهجرة من الشمال”، ليس في العنوان افتئاتاً على راوية الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال”، بل تعبيراً عن واقع بدأ يعبّر عن نفسه بشكل أكثر وضوحاً، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي.

كثيرون يعبّرون عن رغبتهم الواضحة بمغادرة السويد في هجرة عكسية تبحث أحياناً عن الدفء والشمس، وأحياناً أخرى عن رغد العيش واستقرار العائلة، وثالثة عن حنين للشرق وعاداته.

لكل أسبابه الخاصة في اتخاذ قرار العيش في بلد غير البلد الذي لجأ إليه وحمل جنسيته، غير أن في الأمر أسباباً عامة يتشارك الجميع ربما في التأثر بها، وتتعلق بـ”صورة السويد”.

يرصد السويديون صورتهم خارج بلادهم بدقة، وقد خصصوا لذلك معهداً يصدر تقارير دورية عن تأثر صورة البلاد في الخارج. “السمعة أموال” كما يقول الإنجليز، وصورة بلد كالسويد يعتمد في اقتصاده على التصدير، تمثل حجر الزاوية في قدرة الشركات على تسويق نفسها ومنتجاتها، تماماً كما تؤثر على قدرة البلد في تصدير أفكاره وقيمه عن الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان.

تأثرت صورة السويد بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة، خصوصاً لدى الدول العربية والإسلامية، حرق المصحف وما تبعه من تداعيات، والحملة ضد الخدمات الاجتماعية بسبب قانون الرعاية القسرية للأطفال (LVU)، وتصريحات سياسيين من حزب SD ضد الإسلام، وأخيراً موقف الحكومة من الحرب على غزة، كل ذلك أدى إلى تدهور الصورة لدى الدول العربية والإسلامية.

لم تفزع الحكومات المتعاقبة في السنوات الأخيرة من تدهور الصورة، محتجةً ربما بتدني نسبة التبادل التجاري بين السويد والدول العربية والإسلامية، لكن السلطات بدأت مؤخراً في التنبيه من خطر ذلك على أمن البلاد.

فتح المجتمع عينه على قضية جديدة وكأنه يكرر السؤال الذي سيطر على عقول الأمريكيين في أعقاب هجمات 11 سبتمبر “لماذا يكرهوننا؟!”. وفي الإجابات تكمن شياطين التفاصيل التي قد تؤدي إلى تأزم أكبر.

تميل النخب، أو معظمها، إلى تحميل كل ذلك لـ”المعلومات المضللة” التي تنتشر عن السويد في العالمين العربي والإسلامي، ورغم واقعية ذلك فإن نسبة كل شيء إلى المعلومات المضللة تنطوي ذاتها على تبسيط مخل للأمور.

تنشغل السلطات حالياً بصورة السويد في الخارج دون أن يلتفت كثيرون إلى صورة البلاد في الداخل، خصوصاً بين المهاجرين، فهؤلاء هم الحوامل الحقيقية لصورة البلاد إلى الخارج.

ينقل المتذمرون صورة السويد كبلد عنصري غير ديمقراطي معادٍ للإسلام والأجانب، دون أن يلتفتوا بالطبع إلى تنوع البلاد وقيمها والصراع الحاصل على هذه القيم، ويركنون إلى صورة أحادية مبسطة تدعو إلى “الخلاص” من “كل هذا الشر” والعودة إلى مجتمعات شبيهة بتلك التي هربوا من بطش أنظمتها.

لا يلتفت كثيرون في المجتمع السويدي، أو على الأقل لا يظهر ذلك في النقاش العلني، إلى خطورة الصورة التي تتشكل بين المهاجرين عن البلد. بعض أحزاب اليمين سعيدة بهذه الصورة ظناً بأنها تقلل الهجرة إلى السويد وتشجع الهجرة العكسية منها. وبعض أحزاب اليسار مشغولة بالمكاسب الانتخابية من هذا الجمهور أكثر من انشغالها الحقيقي بمعالجة العوامل الحقيقية التي تجعل سويديين جدداً لا يشعرون بانتماء حقيقي لوطنهم الجديد، فيهربون مجدداً إلى مجهول آخر لعله يكون “الفردوس المثالي”.

لكل أسبابه، ولكل حريته في اختيار مكان عيشه واستقرار أطفاله، غير أن توابع الظاهرة لا تقتصر على ترك البلد بل على انقسام يتعمق داخل المجتمع دون أن يحرك أحداً ساكناً من هنا أو هناك.

الكومبس فتحت ملف “الهجرة العكسية” أملاً في تسليط الضوء وتقصي الأسباب التي تدفع أناساً لاتخاذ قرار بمغادرة البلد، والأهم من ذلك تحرّي الأسباب العميقة المؤثرة على المجتمع السويدي الذي يشكل المهاجرون جزءاً مهماً منه، شاؤوا أم أبوا، وشاء اليمين المتطرف أم أبى.

ترحب الكومبس بكل الأصوات وستكون سعيدة بسماع من اختار الهجرة من السويد أو إليها، وعرض التجارب على اختلاف أسبابها وظروفها علّها تعين على فهم المجتمع الذي ننتمي إليه ونعيش فيه.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.