حوار مع أخصائي الطب النفسي الدكتور زياد يانس حول طرق مواجهة عتمة الشتاء

: 1/2/20, 11:47 AM
Updated: 1/2/20, 11:47 AM
حوار مع أخصائي الطب النفسي الدكتور زياد يانس حول طرق مواجهة عتمة الشتاء

الكومبس –
صحة:
الصحة النفسية قِوام أي سلوك إنساني سوي، يؤثر معدل وجودها سلباً أو
إيجاباً على اتزان الفرد العقلي والجسدي، تمنحه وفرتها سيرة اجتماعية سليمة،
تحاذيها عيشة هانئة، مديدة ومثمرة، كما يؤدي انخفاضها إلى فقدان احترامه لذاته
وعلاقاته ومقدرته على العمل في الحياة اليومية. إلا أن الأمراض المترتبة عليها وفق
بعض الثقافات، مثار حرج دائم لأصحابها أو المقربين منهم، سيما أولئك الذين يخشون إلصاق
الأخرين صفة الجنون والعته بهم، ما يدفعهم إلى إخفاء معاناتهم والانعزال بعيداً عن
المجتمع، بدلاً من البحث عن سبل العلاج لدى ذو الاختصاص من الأطباء، تاركين أنفسهم
فرائس عاجزة أمام شراسة علاتهم، التي لا تنفك تتفاقم وتلتهم ما بقي من هوياتهم وحيواتهم
تدريجياً، يوماً بعد يوم.

للحديث أكثر
حول الصحة النفسية وسبل المحافظة عليها وأهمية معالجة اعتلالاتها، تحدثت الكومبس،
مع أخصائي الطب النفسي، الدكتور/ زياد يانس، في نص الحوار التالي:

ما مفهوم الصحة النفسية؟

الصحة
النفسية تعني الشعور بالسعادة والرضا وتحقيق الذات، مع القدرة على الأداء بما
يوازي هذه الأحاسيس، تختص الصحة النفسية للإنسان بعدة وظائف، يرتبط استقرارها
طردياً مع استقرار صحتنا النفسية من عدمها، سواء في علاقتنا المباشرة مع الأخرين،
أو علاقتنا مع بيئتنا المحيطة، وهي:

أولاً:
الوظيفة العاطفية الحسية والشعورية.

ثانياً: القدرات العقلية والإدراك والمحاكمة
الذهنية.

ثالثاً: السلوك والطبيعة الإنسانية في الحياة
اليومية.

رابعاً: التواصل النفسي والروحي مع المحيط.

خامساً: المقدرة على استخدام الحواس الخمس.

تفيد إحدى
الدراسات، أن واحداً من كل أربعة أشخاص، عانى أو سيعاني اضطراباتٍ نفسية خلال
حياته، ما مدى صحة هذه المعلومة؟

أعتقد أنها صحيحة، لأن المعاناة النفسية في حد ذاتها متدرجة، تختلف باختلاف الحالة المرضية التي تصيب إحدى الوظائف سابقة الذكر، إذا نظرنا إلى عدد تلك الوظائف مجتمعة، ثم راقبنا ما يحدث عند اضطراب أحدها، سنجد أن الرقم الذي ذكرته ليس كبيراً إطلاقاً، فغياب إحدى وظائف الصحة النفسية يؤدي إلى نشوء المرض، ما يجعلنا نتصرف بطريقة لا تتناسب مع بيئتنا المحيطة، عاجزين عن قراءة الواقع، كونها ترتبط بشكل أساسي في مدى قدرتنا على التواصل الاجتماعي والذهني والنفسي، كما لا يغيب عن بالنا، أن بعض العلل يزول بسرعة، فيما يتطلب بعضها الأخر وقتاً طويلاً للشفاء، أو علاجاً مستمراً مدى الحياة، ناهيك ببعض العلل المنتكسة التي تعاود أصحابها مجدداً بعد شفائها.

لماذا يصاب
بعض الوافدين، بمشاكل نفسية داخل مجتمعاتهم الجديدة؟

أولاً: علينا
ألا ننسى أبداً، أننا لم نولد أو نترعرع هنا، إنما نشأنا ضمن بيئة وثقافة مجتمعية
ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية مختلفة.

ثانياً: اقتلاعنا من جذورنا وبيئتنا الأصلية
التي نشأنا فيها، جرَّاء هجرتنا الاضطرارية، سواء كانت نتيجة الحروب، أو المجاعات،
أو الأزمات الاقتصادية.

ثالثاً: طريق
هجرتنا الذي كان مليئاً بالكوارث، ما ساعد على تعزيز حجم مشاكلنا النفسية التي
قدمنا بها من أوطاننا.. رابعاً: افتقار بعض أبناء المجتمع المهاجر إلى القدرات
والمهارات اللازمة لاندماجه داخل المجتمع المستقبل الجديد.

وكيف السبيل
إلى تكيفهم نفسياً داخل تلك المجتمعات؟

ينبغي
دائماً على الإنسان، البحث عن المساعدة لحل مشاكله في المكان المناسب، وفق مجموعة
الأعراض النفسية التي لديه.

كيف تؤثر الأمراض
النفسية على الصحة الجسدية؟

أولاً: كلما
كانت الأمراض مزمنة ومؤثرة على الوظائف العقلية أكثر، زاد تأثيرها على الوظائف
الجسدية بشكل أكبر، فمريض الفصام مثلاً، تقل قدرته على إدراك الواقع ويعيش داخل
عالمه التخيلي الخاص، ما يؤدي إلى قلة اهتمامه بصحته الجسدية وقلة قدرة الأطباء أيضاً
على تشخيص حالته، ناهيك ببعض مرضى الفصام الذين لا يرون حاجة في الذهاب إلى الطبيب
أصلاً لاعتقادهم أن الأعراض التي يمرون بها ناجمة عن أحداث عالمهم الخاص، لا بسبب
المرض..

ثانياً:
تدفع الأمراض النفسية المصابين للإتيان بسلوكيات غير صحية، مثل عدم ممارسة
التمارين الرياضية، الامتناع عن تناول الطعام لفترات طويلة والتقليل أو الإفراط في
النوم، التي تؤدي لاحقاً إلى خطر الإصابة بالأمراض العصبية، القلبية الوعائية وداء
السكري.

ثالثاً: جميع أدوية الأمراض النفسية لها أعراض
جانبية تسبب الأمراض الاستقلابية، مثل داء السكري، تصلب الشرايين، الاحتشاء
القلبي، ارتفاع الشحوم بالدم، الإصابات الخثارية.

متى تبدأ
الاعتلالات النفسية عند الأطفال؟

تبدأ نصف أنواع
الاعتلالات النفسية، عند الأطفال في سن مبكرة جداً، يتطورون خلالها بشكل بطيء،
نفسياً وروحياً وحركياً، كما أن تطور ذكاءهم ومحاكماتهم العقلية يكون قليلاً، نذكر
منها على سبيل المثال، مرض التوحد، الذي يمكن أن تظهر أعراضه على الأطفال، قبل سن
الثالثة، مسببة عجزاً في قراءة الإشارات وتحديد السلوك بما يتناسب مع سلوك الأخرين،
أما النصف الأخر من الاعتلالات، شاملة أمراض النُفاس، فتبدو أعراضها على المراهقين
بعد سن الرابعة عشر، مؤدية إلى عجز الانفصال عن المجتمع البالغ نتيجة انعدام شعورهم
بالاطمئنان، ما يصيبهم بحالات من الاكتئاب والقلق، إلا أن أغلب اعتلالات الأطفال
غير مزمنة وقابلة للشفاء بالأدوية والعلاج التدريبي، فيما يمكن تخفيف آثار المزمنة منها مثل التوحد، عن
طريق مساعدة الطفل على التعاطي مع محيطه.

يرفض بعض
الأهالي عرض أبنائهم على أطباء نفسيين، بدعوى أن مشاكلهم ستزول تلقائياً مع مرور
الوقت، ماذا تنصحهم بهذا الخصوص؟

ليس من
السهل أبداً على الوالدين، التمييز بين نضج الأطفال ومرض نقص الأداء لديهم، مثلاً حين
يبدأ طفل ما بالذهاب إلى المدرسة، يلاحظ المعلم أنه يعاني نقصاً في التركيز أثناء
دروسه، وأداء الفروض التي تطلبها منه، غالباً سيعتقد ذاك المعلم كما الوالدين، أن المشكلة
عابرة، تزول بنضج الطفل مع مرور الأيام، بل أنه لن يستطيع أيضاً تمييز ما إذا كانت
مشكلة نقص التركيز لدى الطفل ثانوية نتيجة انشغاله بأشياء أخرى، أم أولية بسبب
سلوك مختلف ونقص تركيز ناتج عن عجزه ضبط إيقاعه مع محيطه، هنا يلزم على المعلم أو الوالدين،
اللجوء إلى مساعدة طبيب نفسي مختص، لتقييم حالته ومعرفة ما إذا كانت المشكلة
مرتبطة بنقص التركيز وفرط النشاط أم غير ذلك، بدلاً من ابقاءه دون رعاية صحية،
ليزداد مرضه تفاقماً.

يعاني بعض
الوافدين الاكتئاب نتيجة الأجواء المظلمة في السويد طوال فصل الشتاء، ماذا تنصحهم
لتجاوز هذه المشكلة؟

تؤكد جميع
الدراسات العلمية، أن النور أحد أسباب الصحة النفسية، بينما يؤدي الظلام إلى
المرض، ذلك أننا نمتلك في أجسامنا هورمونات معينة يقل إنتاجها في الظلام، على سبيل
المثال، لو وضعنا امرأة داخل كهف مظلم، مدة ثلاثة أشهر، يفقد جسدها قدرته على
تمييز الليل من النهار، فينقطع عنها الطمث، أيضاً حين نعرض شخصاً ما إلى نور الشمس
يتغير لون بشرته نتيجة إفرازها صبغ الميلانين، أما إذا جعلنا شخصاً أخر ينام طوال
النهار ويستيقظ طوال الليل، يتغير إنتاج دماغه من هورمون الميلاتونين المنظم للنوم.
كذلك الحال عندما تتعرض أدمغتنا للظلام في السويد مدة 14 ساعة متواصلة، يزداد
ارتفاع منسوب الميلاتونين بداخلها، مسبباً الاكتئاب لنا وللسويديين معاً، كما أن ارتداء الملابس
غامقة الألوان نهاراً، يسبب امتصاصاً للنور والإضاءة من حولنا ويصيبنا بالكآبة، سيما
أن بعض الثقافات ترى في ارتداء هذه الألوان دلالة على الحزن.

لذا أنصح
هؤلاء الأشخاص بتركيب إنارة جيدة داخل منازلهم، خاصة الإنارة البيضاء، كما أحثهم
على ممارسة الأنشطة الإيجابية التي تؤدي إلى ارتفاع منسوب النشاط، مثل الأنشطة
الاجتماعية، الرياضية، الذهنية والثقافية، التي تؤدي إلى تفعيل الجسد، ذهنياً
وعصبياً وعقلياً، لمقاومة حالة الاكتئاب.

ماذا تنصح
المرضى الذين يتحرجون من زيارة الطبيب النفسي، خوفاً من وصفهم بالجنون؟

إن الطب
النفسي مرتبط عند أكثر الناس بكلمة الجنون والحقيقة أنه لا فصل بين الكلمتين كلياً،
فكما أسلفت، ترتبط الصحة النفسية بعدة وظائف، ينتج عند اضطراب أحدها مرضاً نفسياً،
سواء كان اكتئاباً، أو نُفاساً، أو وسواس قهري، أو هوس اكتئابي، أو قلق وتوتر، أو أية
أعراض نفسية ناتجة عن رض نفسي يهدد الحياة. باستثناء النُفاس، الذي يعيش الإنسان
من خلاله داخل عالمه الخاص، أو مرض العته الشيخوخي (الخرف)، الناجم عن عدم قيام
القدرات العقلية بتأدية وظائفها، فإن ما نسبته 90% من المصابين بالأمراض النفسية
الأخرى، يعيشون حياة اجتماعية طبيعية، لأن تلك الأمراض قابلة للعلاج، أو وضعها تحت
السيطرة بشكل يعطي المصاب مشاعر الرضا والسعادة والمقدرة على تحقيق الذات
والفعالية في الحياة الإنسانية. لذا أنصح القادمين الجدد، عدم الخجل من زيارة
الطبيب أو الأخصائي النفسي عند التعرض لمعاناة نفسية، ذلك أن البحث عن العلاج في
مكانه الصحيح أحد ضروريات الشفاء، كوننا قدمنا من بيئة اجتماعية مختلفة، تملك
القدرة على إعادة توازننا النفسي وتخفيف معاناتها، عبر العلاقات الأسرية والصداقات
الحميمية والمؤسسات الدينية، التي منحتنا ردوداً عاطفية أشعرتنا دائماً بالمحبة
والرضا والاهتمام، الأمر الذي لم يعد متوفراً لنا في السويد بذات الكيفية، ما
جعلنا بحاجة ماسة إلى مساعدة الأخصائيين النفسيين ولو على سبيل الفضفضة. ختاماً
أقول: لا توجد مشكلة ليس لها حل، لكن لا يوجد كذلك حل لا يجلب معه كثيراً من
المشاكل، لأن تلك الحلول تنقلنا إلى مراحل جديدة في الحياة تتضمن بدورها مشاكلاً
جديدة، بغض النظر عن طبيعة مشكلتنا الأصلية وحلولها.

قسم
التحقيقات

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.