أحدب بغداد في ستوكهولم: مسرحية لحكاية الظلم والقهر والاضطهاد
الكومبس – ثقافة: “أحدب بغداد” هو عنوان مسرحية من فصل واحد، قدمت من قبل فرقة مسرح (جدارا السويدية)، في عرضها الرابع، على قاعة المركز الثقافي العراقي مؤخراً، تدور أحداث هذه المسرحية، أثناء الحروب العبثية، التي مر بها العراق، وتسبب بإشعالها النظام السابق، خلال العقود الثلاثة الماضية، وعلى مدى ساعة ونصف الساعة، قدمت لنا الفرقة حكاية رجل أحدب، يعمل ويعيش في العاصمة العراقية بغداد، ومنها أتخذ لقبه (أحدب بغداد)، يمتاز هذا الأحدب بطيبة القلب، وقوة الجسد والتحمل والصبر، ويساعد الناس دائماً في حمل أغراضهم، ويكسب من عمله هذا قوت يومه، ويتميز بحسن مرهف وذكاء ملحوظ وشجاعة نادرة، إلا أنه يتعرض كل يوم لمطاردة من الصبية الصغار، في حارات وأزقة بغداد، وغالباً ما يرمونه بالحجارة، فيهرب منهم ويختبئ في مدرسة الحي، وقد تعاطفت معه إدارة المدرسة، وعينته حارساً في مدرسة الحي.
لكنه، وبالرغم من إعاقته الجسدية، لم يفلت من قبضة الجيش الشعبي آنذاك، فأمسكوا به وأرسلوه مع المتطوعين للحرب، ليقاتل في حرب لا يؤمن بها أصلاً، ويتعرض فيها دائماً للسجن والإذلال، وصادف ذات مرة فتاة غجرية، أثناء حقبة الحصار على العراق، تقاد إلى الموت بتهمة الدعارة، من قبل النظام السابق، وفي غفلة من الحراس، تسلل الأحدب إلى مكان احتجاز الفتاة، ونجح في إنقاذها من الموت، وهربها خارج بغداد.
وعندما غزا الأمريكان وحلفائهم العراق، ولاذ رموز النظام السابق بالفرار، حسب نص المسرحية، وأختبئ قادته في الجحور، حاول الأحدب بغيرته على وطنه، وحبه لأبناء بلده، وبمساعدة من صديقته الغجرية، أن يتصدى لهمجية الغزاة، بتخريب مؤسسات الدولة العراقية، وتدمير حضارة البلد، وكسر وإذلال وهدم الإنسان العراقي، لكن جنود جيش الاحتلال، لم يصبروا عليه كثيراً، فعمدوا إلى قتل الفتاة الغجرية، وأصابوه بعدة رصاصات في جسده المنهك، ليتمكنوا بعد ذلك من اعتقاله، وإيداعه في سجن أبو غريب “سيء الصيت”، وبعد فترة من الاعتقال، مات (أحدب بغداد) تحت التعذيب، شهيداً وقرباناً لبلده العراق.
أحدب بغداد، قدم لنا حكاية بغداد، حكاية الظلم والقهر والاضطهاد، إلا أنها ليست حكاية بغداد وحدها، بل هي رمز لحكايا العواصم العربية كلها، بمختلف أطيافها السياسية، ومسميات الحكم فيها، مات (أحدب بغداد) وبقيت كلماته تملأ المكان، وصدى مقولته الشهيرة يفضح المتخاذلين والجبناء: “أنا أمتلك حدبة في الظهر، لكني أستطيع أن أقول الحق، لكنكم تمتلكون حدبة في اللسان، تمنعكم عن قول الحق”.
فرقة جدارا
تأسست فرقة مسرح (جدارا السويدية)، بعد تقديم نشاطها الأول، ضمن المركز الثقافي العراقي في ستوكهولم، بمشاهد من مسرحية (كلكامش)، ضمن محاضرة للبروفسور السويدي (أولوف بيدرسون)، عن حضارة بابل العراقية، وهي من أعداد وتمثيل أعضاء الفرقة المسرحية، بتأريخ (20 / 10 / 2013)، بأسم (منتدى المسرح). ومن ثم تغيير أسمها إلى فرقة مسرح (جدارا السويدية)، قبل أن تقدم مسرحية (أحدب بغداد).
المخرج: مسرحية (أحدب بغداد)، هي من تأليف وإخراج الفنان طارق الخزاعي، وهو كاتب وممثل ومخرج مسرحي ومدرب للمبارزة، ومن النصوص المسرحية التي كتبها وقام بإخراج البعض منها: (النائب العريف حسين أرخيص، لبنان عروس تغتصب، جدارا تشرق من جديد، الباحث عن الضوء، الثائر يونس السبعاوي، أنهض أيها القرمطي هذا عصرك، وأحدب بغداد)، وكذلك المسرحية الغنائية: (هيلة والكمر)، وهي من ألحان الموسيقار (سليم سالم) وتدرب على أدائها: (كاظم الساهر ومهند محسن) عام (1986)، كما فازت مسرحيته (جدارا تشرق من جديد)، بأفضل نص وإخراج، في مهرجان البحر الأبيض المتوسط المسرحي، باسم الفرقة الملكية الأردنية عام (1997)، في مدينة (بيشيلية) جنوب إيطاليا، وفاز مسلسله الإذاعي (سمير أميس)، بالجائزة الفضية عام (2000)، في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون.
طارق الخزاعي: “المسرحية مفهوم شرقي لإنسان عربي”
يقول الكاتب والمخرج طارق الخزاعي في تقديمه لمسرحيته: إن مسرحية (أحدب بغداد) هي مفهوم شرقي لإنسان عربي، ومحاكاة وتواصل مع (أحدب نوتردام)، كونه يمثل الإنسان الغربي، وأوجه التشابه بين الأحدبين، يكمن في الظلم والقهر والاضطهاد، ومحاربة الحكام الظالمين والطغاة. وبما أن النص المسرحي، يطرح معادلة غاية في التعقيد، هي استبداد الحكام وقسوة الطغاة، ومقارعة الظلم وتحقيق العدالة، إلا أنه يقدم مشاهد غاية في الرومانسية، في حالة حب بين الأحدب والغجرية، ولا يخلو النص أيضاً من مشاهد كوميدية، إلى جانب المشاهد الدرامية في المسرحية.
وعن جمالية العرض المسرحي قال الخزاعي: اعتمدت طريقة المسرح الواقعي الملحمي، وركزت على قدرة وموهبة الممثل، بحيث استطاع أغلب الممثلين، أداء أكثر من شخصية واحدة، وبتنوع واضح في الحركة والصوت، وحاولت أن أجسد حالة العشق حد الموت، بين الأحدب والغجرية، لا حباً بالموت لوحده، بل ليكون العشق أحلى ما في الكون، وهنا تظهر جمالية العرض المسرحي، وأختتم حديثه بالقول:
“لكل منا حدبة في اللسان، لا يستطيع التخلص منها كي ينطق بالحق، لأن بعض رجال الدين والحكام، زرعوا فينا نبتة الخوف، التي أصبحت قاتاً، نتعاطاه بجبن لنخدر عقولنا، كي لا نقول كلمة (لا) بوجه السلطان”.
الممثلون: الفنان (محمد صالح خضير)، جسد شخصية الأحدب في هذا العرض، وأدى دور الشخصية السيكولوجية والبدنية، وأستطاع التلوين في الصوت والحركة، وأستخدم لغة الجسد بذكاء، إلى حد الرقص مع الغجرية، بخفة وبراعة متناهيتين، وقد منح الشخصية بعداً إنسانياً رائعاً، سواء في البعد الدرامي أو الكوميدي، وحاز على إعجاب الجمهور.
الفنان (فارس السليم)، أدى أدواراً متعددة في هذا العمل المسرحي هي: (مدير المدرسة، القائد، الضابط الأمريكي، والموظف)، وكان يمتاز بقدرة صوتية رائعة، سواء في الحوار أو الغناء، وقدم الشخصيات بشكل مقنع، وأجاد في استخدام الجسد والأطراف، ورشاقة الحركة على المسرح.
الفنانة (أية الزبيدي)، أدت دور الغجرية ببراعة، وكانت تمتاز بتلقائية عالية، وحركة رشيقة على المسرح، وإحساس بالشخصية وجمال في الأداء.
الفنانة (نور البغدادي)، تميزت بأدائها العفوي السلس، في دورين مختلفين هما: (المواطنة، والمرأة البغدادية)، وحازت على إعجاب المشاهدين.
الفنانة (أحلام القاضي)، تولت المهام الفنية في هذا العرض المسرحي، فحولت قاعة المركز الثقافي العراقي، بديكور بسيط متواضع، إلى مسرح لأحداث هذه المسرحية، وأهتمت بتصميم وتنفيذ الملابس والإكسسوارات، ونجحت في اختياراتها الموسيقية، وقد أهدى الموسيقار (سليم سالم)، ثلاثة قطع موسيقية إلى هذه المسرحية، وبما أن قاعة المركز الثقافي العراقي، هي ليست قاعة مسرح، فقد كانت الإنارة بسيطة، وتم الاعتماد على الإنارة الفيضية.
قدمت لنا مسرحية (أحدب بغداد) قسوة في ممارسة القهر، وتجلياً في السمو الإنساني، وعنفواناً في الحب، ولا ننسى أن في روح كل أنسان ثورة، فإما أن يسرقها طاغية، أو تذيبها بالعشق امرأة.
محمد المنصور