أمسية ثقافية في “بيت النخلة” في كوبنهاغن لسوسن قسيس
الكومبس – ثقافة: أقام نادي الكتاب والسينما في الدنمارك أمسية ثقافية حضرها نخبة من المثقفين العرب، احتفاءً بالمترجمة الفلسطينية سوسن قسيس بمناسبة صدور ترجمتها لرواية “مجرد أنثى” للروائية الدنماركية ليزا نرغورد، وقد قدم الأمسية وأدارها الناقد والروائي العراقي حسين السكاف الذي افتتح الجلسة بكلمة مقتضبة جاء فيها:
“كان لي شرف تقديم صديقتنا “المترجمة” سوسن قسيس حين احتفى نادي الكتاب والسينما بترجمتها المهمة لرواية الروائي السويدي بير أورلوف انكويست “زيارة طبيب صاحب الجلالة” وهنا أضع كلمة “مترجمة” بين قوسين، كون ضيفتنا تمتلك العديد من الاهتمامات الأدبية والفنية، ولكننا اليوم أمام مجهود كبير تلمسناه من خلال الترجمة لرواية ليزا نورغورد “مجرد أنثى”.
من خلال الترجمتين، يمكننا تلمس ذلك الهم والاهتمام الواضح الذي أبدته سوسن قسيس بكل إخلاص والذي ينصب على دراسة التاريخ الدنماركي وأهم التطورات القانونية والاجتماعية التي أوصلت هذا البلد الصغير الجميل ليكون أحد أهم عشرة بلدان في العالم… في رواية “زيارة طبيب صاحب الجلالة” وضعتنا سوسن قسيس أمام التطورات القانونية التي رفعت من مستوى البلد نحو الأفكار التنويرية والتي كانت السبب في سن الدستور الدنماركي عام 1848 … حين وضعتنا الرواية أم تفاصيل مهمة ومفصلية كونت البنية الأساس لنهوض الدنمارك إنسانياً وثقافياً واجتماعياً، والمقصود هنا النصف الأخير من القرن السادس عشر “فترة سترونزي وتفعيل الأفكار التنويرية”.”
الرواية المحتفى بها “مجرد أنثى” تندرج ضمن أدب السيرة الذاتية، ولكنها في الحقيقة سيرة ذاتية لواحد من أهم عشرة بلدان في العالم، إنها سيرة الفترة الدنماركية التي شهدت أهم التحولات الاجتماعية والارتقاء بمستوى الإنسان فكرياً وأجتماعياً وأخلاقياً، والتي تحكي لنا تاريخ الدنمارك منطلقة من “الأسرة” النواة الأولى في تأسيس المجتمع، نحو المجتمع نفسه وبمختلف زواياه وأركانه، وعلى امتداد قرن كامل، أي القرن العشرين. فالمؤلفة ليزا نورغورد التي ولدت في بداية القرن العشرين والتي ما تزال على قيد الحياة، قد أرشفت بروايتها هذه، القرن العشرين الدنماركي بأغلب وأهم تفصيلاته ومفاصله، وهذا ما يشير إلى عظيم الجهد والاصرار الذي أبدته سوسن قسيس في ترجمة هذه الرواية المهمة.
يذهب بعض المؤرخين والمتخصصين بعلم الاجتماع وحتى المتخصصين بتاريخ الفن إلى الاعتقاد بأن القرن العشرين، هو قرن التمرد بامتياز، وهذا ما توكده الحركات الفلسفية والثقافية والاجتماعية التي ظهرت خلال القرن، وعلى وجه الخصوص الربع الأول منه، ولم تكن مؤلفة وبطلة رواية “مجرد أنثى” بمعزل من تلك النزعة، حيث نراها وقد تمردت على كل ما هو سائد، فرفضت أن تكون سيدة منزل أو مربية أطفال أو حتى مديرة منزل، كانت أفكارها متجهة نحو الأدب… أرادت الصحافة وحصلت عليها لتصبح كاتبة مرموقة يحتفي بها الوسط الثقافي الدنماركي كل عام.
الواضح من خلال ما قدمته المترجمة سوسن قسيس، في الترجمتين، والمقصود هنا رواية “زيارة طبيب صاحب الجلالة” ورواية “مجرد أنثى” أن هناك مادة مهمة للمواطن الدنماركي من أصول عربية، نظراً لقيمة المادة التاريخية والأخلاقية التي تكتنزهما… وكم أتمنى أن يتم تدريس الكتابين ضمن مناهج التعليم في مدارس اللغة الخاصة بالأجانب العرب، ففي رواية “مجرد أنثى” يجد القارئ العربي وكأن الربع الأول منها يتحدث عن عالم بعيد كل البعد عند الدنمارك، وفي الوقت نفسه يجده كثير القرب من العالم العربي، استسلام المرأة للرجل… عذرية الفتاة وأهميتها المقدسة… مراقبة الأطفال الصارمة من قبل الكبار… لعب الأطفال مع من يختاره الكبار لهم، استخدام العصا في المدارس، الصراع أو المنافسة بين أبناء الريف والمدينة، وغيرها الكثير… والأهم من هذا سيجد القارئ الحلول لكل تلك الطرق البدائية في التربية وكيف تحولت فيما بعد إلى الاهتمام ببناء الانسان إنسانياً وأخلاقياً وتربوياً…
وقد شارك الروائي العراقي شاكر الأنباري في مداخلة مهمة حول الرواية المحتفى بها، مشيداً بالجهد المهم الذي بذلته المترجمة في انجاز رواية مهمة قدمتها إلى القارئ العربي بكل تفانٍ واخلاص.
وقبل ختام الأمسية أشار مقدم الأمسية إلى ذلك الأسلوب السردي الرشيق المتميز الذي تمتاز بها لغة سوسن قسيس، فلسوسن لغتها الخاصة التي تشي بخزين لغوي ومعرفي رائع ومتمكن من مفرداته، يقدم للقارئ رشاقة الجملة وسلامة اللغة بشاعرية واضحة.
وفي الختام قدم نادي الكتاب والسينما إلى السيدة سوسن قسيس، شارة النادي التكريمية مع باقة ورود وسط تصفيق واعجاب الحضور بالمنجز المحتفى به.