الكاتبة والإعلامية سعاد الجزائري في ستوكهولم: الرقيب والتحريم في فضاء الكاتبة
الكومبس – ثقافة: افتتحت رابطة الأنصار العراقيين في ستوكهولم وشمال السويد موسمها الثقافي الثاني لهذا العام، بأمسية للكاتبة والإعلامية العراقية سعاد الجزائري، مساء الجمعة (15 / 9 / 2017)، في منطقة (سلوسن) وسط العاصمة ستوكهولم، بحضور ملفت من الكتاب والأدباء والفنانين والمهتمين بالشأن الثقافي.
قدم الندوة سعد شاهين، باستعراض أهم المحطات المهنية والإبداعية في مسيرة الضيفة إبتداءاً من تخرجها من كلية الإدارة والاقتصاد من الجامعة المستنصرية في بغداد، وعملها في الصحافة المكتوبة، في جريدة طريق الشعب عام (1974)، مروراً برحلة الإغتراب عن العراق عام (1978)، بدأتها من صوفيا، ثم بيروت التي تعتبرها إضافة غنية في حياتها، إلى براغ التي عاشت فيها فترة إنكسار وإحباط، وصولاً إلى لندن حيث اكتشفت فيها شخصيتها التي لم تعرفها سابقاً، وأخيراً عادت إلى العراق عام (2004) وحتى عام (2012)، حيث باتت تعيش مقسمة بين لندن والعراق، وقد استهلت الجزائري حديثها عن مسيرتها المهنية، وعن سبب اختيارها الإعلام بديلاً عن تخصصها الدراسي، ثم تطرقت إلى منجزها الإبداعي في القصة والرواية، وتوقفت في حديثها عند الرقيب والتحريم في فضاء الكاتبة.
رحلة الإغتراب
عملت الجزائري وأسست صفحات للأطفال في الصحف: (طريق الشعب في بغداد، فلسطين الثورة في بيروت، والمنتدى العراقي في لندن)، وفي المجلات: (الهلال الأحمر الفلسطيني، ورسالة العراق)، كما أسست لمهرجان استمر لبضع سنوات تحت عنوان: (من الطفولة نتبدىء)، وكانت أينما تذهب تزرع صفحة للأطفال، “كنت أعتقد أنني سأستمر في عالم الأطفال، ولكن عندما بدأت أكبر وبدأت تكبر همومي، انتقلت تدريجياً من قصص الأطفال إلى القصة القصيرة، التي أصبحت هي عالمي الأخير”، وقد نشرت وطبعت لها قصص قصيرة، وصدرت لها مجموعة قصصية للأطفال عن دار شهدي في مصر، ومقالات وبحوث حول حقوق الإنسان والمرأة، وشاركت مع عدد من الكتاب في كتاب “مأزق الدستور العراقي”، الصادر عن مركز الأبحاث والدراسات، الذي يترأسه فالح عبد الجبار، وصدر لها كتيب عن الحركة النسائية بعد (2003)، وعن دار المدى صدرت مجموعتها القصصية الأولى (الهمس العالي)، وحازت احدى قصص المجموعة على الجائزة الأولى في مسابقة نازك الملائكة العربية، ضمن مهرجان بغداد عاصمة الثقافة، ولها قيد الطبع مجموعة قصصية ثانية، ورواية تتناول سيرة حياة الجيل الذي تغرب قسراً في نهاية السبعينيات، وتعمل على إصدار الجزء الرابع من كتاب الوجدان، (مذكرات الراحل عميد ومؤرخ الصحافة العراقية الدكتور فائق بطي)، وسيشارك في تأليف الكتاب نخبة من الإعلاميين والمثقفين، الذين تربطهم بالراحل علاقة فكرية أو إنسانية أو سياسية.
من المكتوب إلى المرئي
تحدثت الجزائري عن تجربتها في عالم الإعلام (المكتوب، المسموع، والمرئي)، التي تجاوزت الأربعة عقود، وأكدت أن الوعي والثقافة يشكلان عنصراً مهماً في نجاح وتميز عمل الإعلامي، وفي تعامله مع مادته ومعالجتها مهنياً، كما تحدثت عن الفروق الأساسية بين الصحافة المكتوبة والعمل التلفزيوني، الذي بدأت فيه منذ عام (1989)، عندما عملت معدة برامج تنفيذية في محطة (MBC) الفضائية، وكاتبة نص في برنامج (من سيربح المليون)، “كانت النقلة النوعية في حياتي الإعلامية، عندما انتقلت من الصحافة المكتوبة إلى الصحافة المرئية، إلى محطة (MBC) الفضائية الأولى في العالم العربي، وهي شركة سعودية بريطانية بكادر فني بريطاني، أي أنها مكان من الطراز الأول”، كما عملت لاحقاً مع شركة (ON BOARD)، لإعداد وإخراج برنامج تلفزيوني يعرض على الطائرة للخطوط الجوية السعودية والمغربية، وفي العراق عملت معدة ومخرجة لبرامج ثقافية ووثائقية مع تلفزيون الحرية، وتحدثت الجزائري عن أهم نقاط الاختلاف بين إعلام الأمس وإعلام واليوم، مؤكدة “أن المهنية في التعامل مع المادة الإعلامية، كانت أكثر التزاماً ومهنية عنها في إعلام اليوم، وأن الإعلامين في ذلك الزمان كانوا يمتلكون الحس الإعلامي، وأنهم أكثر ثقافة من الإعلامين في هذا الوقت، الذين لا يمتلكون سوى الشهادة الأكاديمية”.
التوعية في وسائل الإعلام
بعد عودتها إلى العراق عملت معدة برامج في راديو الناس، وسكرتيرة تحرير في جريدة الصباح الجديد، وترأست حملة إعلامية تهدف إلى التوعية بحقوق المرأة عبر وسائل الإعلام، “قدت حملة مع شبكة النساء العراقيات في بغداد ومنظمة تمكين المرأة في كردستان، حول كيفية الإستفادة من وسائل الإعلام في نشر خطاب المرأة، خاصة في مواجهة المد الديني المتزمت إزاء أي موضوعة تخص المرأة، وبتكليف من الأمم المتحدة مكتب (اليونيفيم) المختص بشؤون المرأة، عملت مدربة في موضوع الجندر وحرية التعبير وإجراء المقابلات الصحفية، وأيضاً مع منظمة (ARTICAL 19)، وهي منظمة معنية بالمادة (19) الخاصة بحرية التعبير والتشهير، هذه الإشكالية التي ما زالت قائمة بين الحكومة ووسائل الإعلام، وأسست مركز الإعلاميات العراقيات، لأن الإعلام في العراق أصبح مهنة من لا مهنة له، وأن البرامج الحوارية لا تمتلك أبسط قواعد الحوار، ولذلك أقمنا (13) دورة متخصصة لجيل الشباب في الحقل الإعلامي”، وإن أهم وأخر عمل لها في بغداد كان مع فضائية المدى، حيث كانت مديرة شركة المدى للإنتاج التلفزيوني، ومعدة ومخرجة لأفلام وبرامج وثائقية، عن سيرة حياة رواد عراقيين، في حقول علمية وثقافية مختلفة لصالح القناة، ومسؤولة التنسيق عن العلاقات الخارجية بين المدى ومؤسسات إعلامية دولية مثل: (BBC).
الرقابة والتحريم
تحدثت الكاتبة سعاد الجزائري عن نتاجها الأدبي في مجال القصة القصيرة، وركزت على موضوع الرقابة المجتمعية الأسرية، والرقيب الذاتي الذي يتحكم بفضاء الكاتبة، مما يؤثر على نوع وكم نتاجها، ويحد من مساحة حريتها في معالجة نصوصها أدبياً، وتطرقت إلى الصراع الذي تعيشه الكاتبة مع نصها ومفرداتها، كي تتجاوز تلك الرقابات مجتمعة، وسلطت الضوء على الفوارق بين مساحة الحرية في فضاء الكاتب مقارنة بالكاتبة، “أنا لا أمتلك ذلك الفضاء الحر الذي يمتلكه الكاتب، ولا تلك المساحة التي يتحرك بها الكاتب بحرية، فأشعر بأن موضوعي مقيد ومفرداتي مقيدة أيضاً، وهذا ما أثر عليّ ككاتبة وعلى نوع وكم الكتابة، لأن الكتابة النسوية تخضع لثلاثة أنواع من الرقابة هي: الرقابة المجتمعية، الرقابة الأسرية، والرقيب الذاتي الذي هو أقسى أنواع الرقابة، هذه الرقابات الثلاث تحد كثيراً من فضاء الحرية عند الكاتبة، ولذلك أعيش في صراع دائم لإرضاء أي من هذه الرقابات، وبين هذه وتلك يفقد النص قيمته ويضيع أحياناً”.
محمد المنصور