الكاتب محمد السعدي: الجسور مقطوعة بين الثقافة السويدية والعربية

: 3/23/16, 2:22 PM
Updated: 3/23/16, 2:22 PM
الكاتب محمد السعدي: الجسور مقطوعة بين الثقافة السويدية والعربية

الكومبس – ثقافة: محمد السعدي كاتب وروائي عراقي صدرت له العديد من الكتب الأدبية، وقد يكون كتابه “سجين الشبعة الخامسة ” هو الأبرز بين مطبوعاته المتعددة، حيث عملت وزارة الثقافة السويدية على الاهتمام بهذا الكتاب الصادر عام 2001 من خلال إعادة طبعه وتوزيعه على المكتبات العامة وكذلك على المعتقلين في السجون السويدية، وذلك لأن هذا الكتاب يوثق أحداث حقيقية مر بها الكاتب خلال فترة اعتقاله بسجن الكاظمية في بغداد نهاية ثمانينات القرن الماضي، بسبب نشاطه السياسي في ذلك الوقت.

ويرى السعدي الذي يقيم في السويد منذ سنوات عديدة في السويد أن المثقف العربي المقيم في السويد يواجه العديد من التحديات في توصيل أعماله إلى المجتمع السويدي، أبرزها استمراره في كتابة أعماله ومؤلفاته باللغة العربية مما يصعب عليه إيجاد مؤسسات تبطع هذه الأعمال وترجمتها إلى اللغة السويدية، الكومبس حاورت الكاتب والروائي محمد السعدي بمواضيع عدة وكان هذا اللقاء.

*حدثنا عن بداياتك وما هو تأثير قرية الهويدر في نشأتك الأدبية ؟

– ولدت في عائلة فقيرة وكانت والدتي مفجوعة باستشهاد أخيها الضابط الشيوعي خزعل السعدي عام 1963، وظل وشاح أمي الأسود معلقاً على مشجب طفولتي، كنت أرافقها وأنا طفل إلى مأتم الموتى في قرية الهويدر، ممسكاً بذيول عباءتها السوداء، من هنا بدأت تتشكل البدايات والبحث والثأر وغرس روح الانتقام في داخلي من القتلة والمثابرة، وعبر القلم تمكنت من التعبير والإبداع الأدبي، فالبيئة هي التي حددت مساراتي، في كل الأحوال لم تكن بمحض إرادتي واختياري، لكن لو خيروني اليوم بعد هذه التجارب المريرة والمعرفة الطويلة، فلن اختار غير الفكر الماركسي، واكتشفت بعد سنوات طويلة من النضال أن أغلب العراقيين الذين انتموا للأحزاب لم يكن عن وعي ودراية، وإنما بفعل وتأثير البيئة والعشيرة والقبيلة، ولهذا لم نتمكن من تجاوز مخلفات الماضي حيث بقيت عالقة في نمطية تفكيرنا ولا يمكن عبورها إلا بالدراسة والمعرفة والتقصي .

غادرت الهويدر منذ 33 عاماً، لكن هي لم تغادرني بقيت توشوش فيني أينما حللت ورحلت، هي التي وشوشت إبداعي ودعتني أكتب، فلا عدة للكتابة لي إلا الحنين لقرية الهويدر، ومنذ طفولتي كنت أرافق والدي إلى دكانه الصغير بين مقاهي قرية الهويدر، كنت أصغي بعينيه وأذنيه لما يدار من أحاديث في داخل دكان أبي عن البؤس والكدح والظلم السياسي والاجتماعي والجياع الحالمين بحياة الكرامة فهذا هو التاريخ دفعني أن أكتب للتعبير عنه من خلال الأدب الإنساني .

* تقيم منذ سنوات طويلة في السويد ماذا أخذت منك الغربة وماذا أضافت ؟

-أخذت مني الكثير، وأيضاً أعطتني الكثير على مستويات التجربة والاستقرار والعائلة والكتابة والأمان وحرية التعبير بحدود آليات نمط النظام الرأسمالي، في مالمو السويدية استقريت بعد معاناة طويلة وتجربة مرة بين السجن والجبل والاختفاء والبلدان، وكانت النتائج عائلة مع فلذات كبد يطيرن العقل وثمرات نضالي بيدر وسدير، هنا قرأت كثيراً وكتبت كثيراً، وخرجت حول الكثير من المواقف برؤى مختلفة وشجاعة، وما زلت أبحث في بطون التاريخ سهراناً مع كتبي ولابتوبي في عتمة الليل السويدي الهاديء، وأيضاً فقدت الكثير منذ 33 عاماً قريتي وناسها الطيبيين، أهلي ماتوا هناك بدون نظرة أخيرة للوداع أبي وأمي وثلاثة أخوة ماتوا هناك بعد احتلال العراق، لكن من يقف اليوم ويشاهد حجم الدمار والخراب، الذي لحق بأهلنا وأرضنا وتاريخنا سيعصر الألم قلبه وسيحطم الضمير كيانه وسيلعن الأمريكان وعملائهم وكل من سوق لهم ولمشروعهم من عديمي الوطنية وطائفيين ومنبوذين.

12596209_1997625997129362_1255394454_n

*أصدرت العديد من الكتب الأدبية، حدثنا عن كتاب “سجين الشعبة الخامسة” وما قصة هذا الكتاب وكيف مرت ظروف كتابته ؟

-أصدرت ثلاثة كتب في السويد، أولها كتاب الحلم والشهادة عن حياة الضابط الشيوعي خزعل السعدي والآخر رصد للحياة السياسية العراقية وما نجم عنها بعد احتلال العراق عام 2003، حرب الديمقراطية أحداث وسياسات، أما كتاب سجين الشعبة الخامسة، حكايته أكثر ألماً وخوفاص وسطوةً، بدأت به عام 1998، وكنت متردداً خائفاً من سطوة الجلاد لصرخته العالية، بإدانة أساليب التعذيب الوحشي من قبل البعثيين، صدرت الطبعة الأولى عام 2001 في السويد، ونال اهتمام المؤسسات السويدية ووزارة الثقافة مما دعموه مادياً بطبعة ثانية، واستحق مكانه في أروقة المؤسسات السويدية ورفوف المكتبات، وثمة سجناء في السويد عندما خرجوا قالوا لي قرأنا كتابك في السجن، حيث السلطات السويدية عملت على توزيعه على المعتقلين، وقد طبع بطبعة ثالثة في بغداد، كتاب الشعبة الخامسة هو سراديب الاعتقال في بناية الشعبة الخامسة في مدينة الكاظمية، إنها قصة اعتقالي عام 1987 لمدة 87 يوماً، أرويها بحرفية وأمانة تاريخية ما مررت به من أحداث في جحيم ذلك المكان المرعب والمخيف، بعد فترة في زنزانتي فقدت إنسانيتي لحجم الاهانات وأساليب التعذيب التي تعرضت لها على مدار فترة اعتقالي، إنها امتحان قاسي للمناضل في مواجهة عدوه ، كيف تراوغه إن شعرت بفسحة أمل بالإفلات من مخالب أسنانه الحادة، وكيف تموت إذا تطلب الموقف ؟ وهذا ما كنت أتمناه يومياً وأنا أشعر بالخيبة والهزيمة وحجم الذل اليومي الملقاة عليه.

في أجواء كتابته ترددت كثيراً ليس إلا شعوراً بالعار والخوف، وفي بعض تفاصيله كنت أبكي وأسأل نفسي كيف كنت أتحمل هذا الحجم من الإهانات والتعذيب، إنه شهادة تاريخية وصرخة مدوية ضد الحياة السياسية في العراق، وتحديداً عقلية البعثيين في تعاملهم مع خصومهم .

*كيف تتعاطى مع مصطلح مثقفو الداخل والخارج، هل ثمة فرق ؟

-شكراً على هذا السؤال، كنت كثير التصادم حول هذه التسمية، وأنا شخصياً لا أجد فرقاً بين هوية المثقف لأنه هو ابن بيئته، لكن المهم قيمة نتاجاته وتأثيرها في الوعي الجمعي، في مطلع التسعينيات روج كثيراً حول هذا المصطلح، في تهمة جاهزة كل مثقفي الداخل لا قيمة لهم لأنهم جزء من ماكينة البعث الإعلامية، مما وضع بيننا وبينهم فواصل في الفهم والتجاوب والتواصل. لا شك بأن مثقفي الداخل تحملوا عبئاً كبيراً من سياسات النظام تجاه الثقافة والمثقفين وهم كانوا على احتكاك دائم مع رغبات النظام في تبعيث الثقافة ولا مفر لهم من الخلاص، قد يتم المناورة بهذا الموقف أو ذاك، لكن تبقى حبيسة نفس النظام، مثقف الداخل إذا مرر حرفاً واحداً في غفلة الرقيب في نقد الدكتاتورية يساوي كتب تصدر في الخارج من حيث التعبئة والتأثير .

*البعض يقول إن هذا الزمن هو زمن الرواية، ما هو تقييمك للرواية العراقية في العقد الأخير ؟

-لايمكن الحديث عن الرواية العراقية في العقد الأخير قبل الرجوع إلى الماضي العراقي من تاريخ الرواية العراقية، في سياق ترسخها كصيغة رئيسية للتعبير والخطاب الأدبي في العراق، العراق يمتلك تاريخاً مميزاً في الكتابة السردية، والنموذج هو محمود أحمد السيد، كان كاتب قصة مميز وفي زمن مازالت الكتابة السردية في العراق محدودة، والرواية العراقية لا تقل شأناً عن الشعر في احتلالها مساحات واسعة من ابداعات واهتمامات العراقيين، والأمثلة عندنا كثيرة من مبدعي العراق في كتابة الرواية من أحمد خلف وغائب طعمة فرمان ولطيفة الدليمي وفؤاد التكرلي ، وفي العقد الأخير ظهر جيل جديد من المبدعيين في عالم كتابة الرواية وبأسلوب أدبي جديد استمدت أحداثها من أرض الواقع العراقية وبتقنية وأدوات أكثر تعبيراً عن حياة العراقيين ولو توقفنا عن أهم الأعمال والكتاب لبرز أمامنا قائمة طويلة من المبدعيين .

أحمد السعداوي وروايته ، فرانكشتاين في بغداد، والتي حازت على الجائزة العالمية للرواية العربية لعام ٢٠١٤، والذي اعتبر أهم عمل روائي واختير من بين 156 رواية ، أنعام كجه جي وروايتها طشاري، وهناك أسماء عديدة بتول الخضيري ورشا فاضل وجنان جاسم حلاوي وقحطان جاسم وشاكر الأنباري، فالرواية العراقية لها زمنها الماضي والحاضر، والمستقبل وما يمر به العراق من وضع صعب سيفرز كتاب رواية مميزين وأعمال مميزة .

* ما هي أبرز تحديات المثقف العربي المقيم في السويد وكيف يمكن أن تصل أعماله إلى الثقافة السويدية ؟

-هناك كم كبير من المثقفين العرب في مملكة السويد، جاؤوا إليها بسبب أوضاع بلداننا السياسية المضطربة، ولكثرة نتاجاتهم ونشاطاتهم لكنها لم تصل إلى المرجو، وإلى الآن لم تستطيع أن تخترق المجتمع الجمعي السويدي، وبرزت أمامهم معوقات كثيرة في مخاطبة العقل السويدي على أقل تقدير المثقف منه، بسبب ضعف في آلية الخطاب، واللغة شكلت مانعاً كبيراً في التفاعل والتعاطي مع الثقافة السويدية، مازال مثقفينا يكتبون بلغة الأم ، ولاتوجد مؤسسات ولا دور نشر تتبنى هذه النتاجات في ترجمتها إلى اللغة السويدية، هناك حالات نادرة تمكنا بها من وصول صوتنا العربي ونتاجاتنا في الحضارة الانسانية.

* ما هو مشروعك الأدبي القادم ؟

منذ سنتان وأنا منكب على كتابي الجديد، ممكن لي أن أصنفه ضمن تسميات الأدب السياسي، حمل عنوان ترانيم على شريعة نهر، هو ذلك النهر الذي لايقبل أن يودعني، رغم أني ودعته مغصوباً، وما زلت كلما هاجمتني الليالي والكوابيس، وتخوت مقهى الحاج جولاغ وحلة مدارس البنات وتربع أمي على عتبة باب بيتنا، أفز مفزوعاً من فراشي لأوقظ العم أبو داود العربنجي واليساري ليروي قصته وخلافه مع شخصية نكه، ذلك الامبريالي القروي ذوو الصوت الجهوري في الدفاع عن أمريكا وسياستها في المنطقة، هذان نموذجان للصراع بين الفكر التقدمي والرجعي ومن خلالهما سأنقل القارئ بتصاعد دراماتيكي إلى حلبة الصراع السياسي بيننا كشيوعيين والبعثيين ودخول الإسلاميين على الخط .


أجرى اللقاء عمار السبع

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.