المعرض التشكيلي الثاني لجماعة فن الضواحي ( اورت آرت ) بيوتوبوري في السويد
الكومبس – ثقافة : يوم السبت السادس عشر من شهر فبراير / شباط الجاري 2013 وعلى صالة الفن في ضاحية بارتيلة / مدينة يوتوبوري السويدية افتتح المعرض الفني التشكيلي الثاني لمجموعة فنانين عراقيين مقيمين في السويد اطلقت على نفسها اسم ( جماعة فن الضواحي ) وهم عبد الكريم السعدون , احمد بجاي , جميل جبار , فاروق عمر , فاضل ناصر كركوكلي بالأضافة الى الفنانة السويدية كارولين كَوستافسون , حضره جمهور من الفنانين ومتذوقي الفن في المدينة , الذين استمتعوا بجمالية اللوحات والنتاجات الجديدة في الرسم والنحت , والعزف الموسيقي الجميل المنفرد على آلة العود للفنان المتألق نينوس يوسف .
الفنانة كارولينا كَوستافسون شاركت بثلاثة من اعمالها وبقياسات مختلفة ، تهتم منذ مشاركتها في المعرض الاول للجماعة باستلهام المدينة كمشروع لاعمالها , فهي تعمل على انضاج تجربتها تلك والخروج باسلوب تنجح فيه بتحييد الواقع من مشهد المدينة باتجاه التجريد الخالص ، ففي بعض اعمالها جردت الشكل وبنت سطحا تجريديا , بحيث يشعر الناظر اليها او المتلقي بوجود المدينة كعلامة فاعلة ومهيمنه في التكوين الكلي للوحة التي تنتجها ، فنجحت في استعارة التجريد واستخدامه بواقعية كبيرة .
كما عرض الفنان عبدالكريم سعدون اعماله تحت عنوان ( الوسائط المتعددة التي تحاصرنا ) التي انقسمت الى ثلاثة اعمال مرسومة بقياسات كبيرة استخدم في انتاجها صبغة الاكريليك والمواد المختلفة , وكانت تحت عناوين الغياب والحضور , ومجابهة , والحياة لعبة كلمات متقاطعة , وثلاثة اعمال من النحت بالحجم الطبيعي ، معمولة بالكامل من ورق الصحف , تناول فيها موضوعة الانسان في غربته , من خلال وحدة اسلوبه الممتده من الرسم الى النحت , والتي اتت منسجمة مع نتاجاته الفنية السابقة في الرسم والنحت والكرافيك والاعمال التركيبية , مجسداَ تأثيرات التقنيات الحديثة في مجال انتاج ( الملتي ميديا ) من وسائل الاتصالات ووسائطها المتعددة الى العوالم الجديدة التي تنشأ من خلالها , والتي يساهم فيها انساننا المعاصر في خلقها , وهي عوالم افتراضية بامتياز بدأت من خلال عملية بثها واستقبالها من قبله في انزياح الكثير من العادات التي تنظم حياتنا الاجتماعية وتعيد انتاجها من جديدة وفق قوانين واسس جديدة , فلم يعد كائنا اجتماعيا كما هو معروفا عنه , فقد اصبح يميل الى العزلة التي تفرض عليه غربة من نوع جديد , اغتراب عن محيطه الواقعي وانسجامه في عالمه الافتراضي الجديد الذي تختفي فيه المشاعر الانسانية الدافئة ويختفي به عالم عماده الصوت والصورة والكتابة ، انسان مندمج كلية بما يحمله من جهاز تلفون ذكي , ايفون , آي باد او كومبيوتر محمول ، انسان يحتل زاوية من البيت هي كل مساحته ولكنها عالمه الواسع الجديد .
يقول سعدون ( ان الفكرة استحوذت على اهتمامي من خلال مراقبتي لمايجري في الشارع والبيت ووسائل النقل من صورة جديدة لعلاقة الانسان بالمنتجات التقنية الجديدة ، فالانسان الجديد بالاكسسوارات الجديدة من هيدسيت واجهزة بث واتصال جديدة الغت المكان ونقلت له التلفزيون والسينما والمكتبات العملاقة الى شاشة صغيرة في يده او حقيبته الصغيرة , والغت المسافات التي كانت تستعصي على الاتصال بالاجهزة التقليدية السابقة ، انسان لايحتاج للاتصال بالاخر الا الى كبسة زر صغيرة في جهاز ذكي ولن يحتاج سوى الى بضعة اسطر قليلة لايصال صوته وافكاره للاخر القريب منه في المكان ، استعاض عن الاتصال المباشر مع المحيطين به الى ارسال الرسائل النصية عبر الهاتف الذكي وهي عملية لن تكلفه مالا ولاجهدا ، وهذا يعني تحولا في وظيفة الانسان ككائن اجتماعي واستبدال وظيفة الاتصال بالتواصل ، وبما ان الفن كمنتج ثقافي فأنه يثير الاسئلة التي تنبه الى الظواهر الجديدة التي تقتحم حياتنا وتحاول استبدالها ) .
وعرض الفنان احمد بجاي خمسة من اعماله التي نفذها باحجام ومقاسات كبيرة , والتي غلب عليها التجريد كاسلوب يرتأيه باعتباران الفن اللاشخصي هو المحيط الذي يتحرك فيه بحرية وعفوية , ويبتعد عن كل مايعيق ذلك من قيود اجرائية , فاختار معالجة العلاقة بين الانسان والشباك والذي يعتبره نافذته الى العالم الخارجي والذي يختزن فيه كل مايؤسس لفكرة الوجود .
يقول بجاي ( انه لاوجود لهيكل معماري بلا شباك او مجموعة شبابيك فهي في علاقة وثيقة ومتداخلة مع الانسان في فضوله للتطلع ومراقبة الاشياء المتحركة والساكنة , او ربما وقوف الحبيب تحت الشباك ليهمس في اذن حبيبته للانعتاق والهرب الى فضاءات بعيدة خاليه من الشبابيك والهياكل الكونكريتية الصماء التي تحدد الاشياء وحركتها ) . والشباك كما يرى احمد بجاي ( شاهدُ على تعاقب الليل والنهار بما يؤسس تضادهما لحركة الانسان وافكاره فيما يتعلق بتفكيره بحقيقة الوجود في المكان المفترض ) .
عرض الفنان اعماله الخمسة بعنوان شباك لثلاثة لوحات , ( 1+1= 1 ) , ولوحة بلا عنوان , استخدم فيها الاكرييلك والمواد المختلفة كوسيله في اشغال السطح بحركة تثير التساؤلات , وكما يقول انه استخدم الوانا قليلة ومحددة وربما بروحية الفنان الكلاسيكي قبل انعتاقه من اطر الكلاسيكية الجامدة بالاضافة الى استخدامه للكولاج بمساحات قليلة في العمل , ويشير بجاي الى ( انه اتخذ من الشباك رمزا لتداعيات الانسان ودواخله في لحظة تأمل ليلية تارة واخرى في النهار ، وكما تكون الاشياء مرئية خارج الشباك تكون ايضا ضبابية وربما لامرئية في وقت محدد زمنيا ، اي بأمكان المرء ان يكون عاريا امام ذاته وامام الاشياء الاخرى خارج محيط خصوصيته , اي ان الانسان لم يعد يمتلك من الاسرار مايكفي لاسدال الستائر امام الاخرين ، والانسان ( كما يقول ) لايختلف كثيرا من بيئة الى اخرى , والفنان ايضا مرتبط بوحدة الاشياء وانجذابه اليها كأنجذابي لتحديدات واطر الكلاسيكية بروح معاصرة ) .
كما شارك الفنان فاروق عمر بخمسة اعمال جديدة , والتي شكلت امتدادا لاعماله السابقة التي دأب في المشاركة بها في الكثير من المعارض التشكيلية ، فهو في هذا المعرض اختار التأكيد على مفردات مستعارة من التراث بوصفه ارثا انسانيا ، فيعتقد ان الانسان تعرض لانتهاكات كبيرة في مسيرته على هذا الكوكب وعانى من خلالها بسبب الحروب التي عرضته الى الكثير من المخاطر ودمرت الكثير مما انجزه , مؤكداَ ان موضوعة الانسان العراقي يصلح لان تكون مثالا لما يتعرض له الانسان ومنجزاته من تدمير متعمد ومنهجي تعددت وسائلها من قتل وتخريب ومصادرة الحريات والاستهانة بحقوقه , فهو بتناوله لهذا الموضوع يريد ان يوصل فكرة مفادها ان في الافق امل , وسيظل الانسان صامدا امام التحديات مثلما تصمد المنجزات التي تحكي مسيرته ، فكانت استعاراته للتزينات الداخلية لمباني قلعة كركوك مايملأ به مساحات اللوحة ويشكل عماد الدلالة فيها، ولذا كانت مسميات لوحاته مثل الامل , والارث , وحصار انسان , لتكون تعبيرا لغويا عما يريد ايصاله , فهي تمتلأ بالالوان الحارة المتداخلة بحركة توحي بالكثير من التعابير , فاستخدم اللون فيها كثيمة رمزية لايصال مايطمح اليه في اشاعة الامل في بقاء الانسان وتحرره من كل مايقيده . ويعتقد الفنان فاروق انه في هذا المعرض قد عمل على تطوير نتاجه الفني معتمدا على فاعلية التجريب في اضافة رؤيا جديدة , حيث يدفع الفنان الى التركيز والتفاعل الجاد مع التجارب الفنية الحديثة .
اما الفنان جميل جبار فقد عرض اربعة من اعماله الجديدة التي تميزت بالوانها الصريحة وحرارتها , وهذا ما دعى المتلقي الى الجزم بانتماءها الى الشرق ، يميل جميل الى التجريد كاسلوب ناجع لتمرير رسالته التي يود ان تصل بيسر الى المتلقي , وهو يستخدم المساحات اللونية المتناغمة والتي تشكل طبقات تنتظم على سطح اللوحة وتشكل التضادات فيها خلفيات لعمل الاشكال التي تحول سكون السطح الى حركة يتوقعها المتلقي ويتابعها افتراضيا , ولوحاته التي استمدت اسماءها من الالوان الرئيسة التي هيمنت على جو اللوحة مثل ، الطريق الى البنفسج , والتناغم , وبقايا الحلم , واستمد اسم الانهيار من الحركة الافتراضية التي تهيمن على سطح احدى اللوحات ، يقول جميل ( ان اعماله التي يشارك بها زملاءه من جماعة ( الاورت ارت ) والتي استخدم فيها الوانا زيتية في انتاجها ، تعد اضافة نوعية لنتاجاته في صعيد الرسم , ويعتقد ان تغييرا طرأ على تجربته بعد المعرض الشخصي الذي اقامة العام الفائت ) , حيث اعتمد في بناء لوحاته على توزيع الكتل في فضاء السطح المرسوم واستخدم ظلال الكتل لتشكل طبقات اضافية توهم المتلقي بوجود سطوح نافرة , ولم ينسى استعاراته السابقة لرموز تشكل عماد ذاكرته المزدحمة بها وهي رموز عراقية محلية تعود به لحياة حافلة في بلاده الام ( العراق ) حيث تزخر برموزها التاريخية الى جانب الرموز التي تشكل ذاكرتها الشعبية , وهو وان لم يجعل فعل الهيمنة لها في سطح اللوحة الا ان المتلقي يشعر بحضورها البصري .
وتعد التجربة التي عرضها الفنان والاديب فاضل ناصر كركوكلي والتي تمثلت بثلاث لوحات بقياسات كبيرة بمثابة قطيعة من نتاجاته السابقة التي تميزت بحشد لوني ورمزي يحيل الناظر اليها الى جذرها الشرقي العراقي ، فهو هنا استطاع ان يختزل الشكل على سطح اللوحة مستخدماَ الوانا هادئة كمعادل لوني لحركة العلامة على السطح المرسوم , حيث استعار جدران قلعته التي تستحوذ على رؤيته الفنية حيث الابيض المعتق والذي يزخر بالنتوءات ويحيل بالذاكرة الى جدران البيوتات المغطاة بالجبس بطريقة بدائية ، وهو هنا يستعير من ذاكرته كل مايرسخ بها من المكان الاول الذي شهد تكونه الثقافي الاول ، قلعة كركوك ، حاول فيها ان يبعث الحياة لمكان يكاد ان يندثر ويتعرض للاهمال المتعمد , فالحرة التي يزخر بها سطح اللوحة توحي بالحياة التي يفتقدها حياة مدينته الاثيرة ، المدينة التي تضج بصخب حياتها وبنشاط ابنائها ، حياة ناسها التواقه الى السلام والطمأنينة .
وكان الفنان نينوس يوسف قد شارك في عزف مجموعة مختارة من الموسيقى الشرقية خصيصا ليوم الافتتاح , ابتدئها بمعزوفة ( عيون شارده ) للموسيقار خالد محمد علي , وقدم ايضا ارتجالات وتقاسيم على آلة العود مع باقة رائعة من موسيقى الاغاني العراقية التراثية استهوت الحاضرين . وتعد هذه المشاركة مع جماعة اورت ارت هي الاولى له باعتباره واحدا من اعضاءها .
كتابة وتصوير / اديسون هيدو
الحقوق محفوظة: عند النقل أو الاستخدام يرجى ذكر المصدر