الوطن البديل: ذنبُ الشعور بالأمان والعجز عن إنقاذ من يحترق في الوطن الأم

: 8/18/15, 8:58 AM
Updated: 8/18/15, 8:58 AM

الكومبس – ثقافة: طالما هناك قوى عازمة على هدم أوطاننا، ودعم آلة القتل والدمار فيها، وزرع الفوضى والخراب فيها، وطالما أصحاب التاريخ الأسود يستهدفون قيم مجتمعاتنا وأخلاقه الإنسانية والحضارية السليمة، وطالما الرايات السوداء تلون مدننا بالسواد سنبقى بحالة بحث دائم عن وطن بديل.

يوماً ما، حلمنا جميعاً كما كل الشعوب المتحضرة بوطن معافى تسوده الحريات يُحترم فيه الفرد، حلمنا بالإنعتاق من أنظمة فاسدة، لكنهم أعادونا لما قبل 1400 سنة، وما لبث أن تبدد ذلك الحلم وتحول لكابوس استيقظ الوطن فيه على صباحاتٍ محاطةٍ بوحوش من الداخل والخارج.

كان لابد لنا قبلها أن نرفع الحجاب عن قلوبنا وعقولنا، ونرفض الانسياق نحو الفوضى والتطرف اللتين باتتا تغزوان أدمغة جيل بأكمله، ونرفض كل من ينتهك إنسانيتنا بصمت، نرفض أفكار الدعشنة وكل من على شاكلتها من مسميات القرن الجديد، ونستبدل ذاك العقل الذليل الذي يوفر لكل طاغي أن يمارس عليه سلوكه وأفكاره ، ونبحث عن حلول أخرى بعيداً عن كل هذا الخراب وعن منهج القتل والتكفير.

لا ننكر أن استبدال أنظمتنا باتت حاجة وضرورة لكن من المفروض أن لا نستبدل أنظمتنا الدموية بأنظمة دموية أخرى و بأنظمة دينية تتغلغل فيها ثقافة القتل والانتقام والاقصاء! لقد وصلنا وأوصلنا بلداننا الى مرحلة غير محتملة انسانياً، وأصبحنا داخل دوامة دموية مغلقة ولم يعد من المهم من سيُسقط تلك الأنظمة ومتى، المهم فعلاً أننا فقدنا كل شيء وفقدنا الوطن.

هذه الأحداث الرهيبة التي طرأت على مجتمعاتنا غيرت كل المفاهيم وغيرت الوجوه والنفوس وغيرت طرق تعاطي الانسان مع الانسان ومع ماهو محيط به ، ربما في الحروب أيضاً يُخلق نوع جديد من المشاعر الممزوجة بالهزيمة والقهر والانتقال من الموت اليومي الى الموت البطيء في بلدان الاغتراب واللجوء ، هروب جماعي من شوارع المدينة التي تطالبك بالرحيل عنها كل صباح نحو اللا معلوم.

هنا يكمن الموت الحقيقي عندما تتجول في شوارع مدينتك الهشة وتشعرك بكل شيء فيها عدا الأمان ، لقد بات المواطن يخرج للعمل وهو يودع أفراد عائلته فربما لن يعود في المساء، هكذا باتت مدننا تغلق الأبواب في وجوه أبنائها وتطلب منهم الرحيل ثم الرحيل لربما وجدوا الحياة في مكان آخر، وتبدأ رحلة البحث عن وطن بديل وحكايا زوارق الموت البائسة والسير لأسابيع في الغابات علهم يجدون الخلاص، وهنا تكمن المعاناة الحقيقية بعد الوصول، أي الشعور بالذنب المتواصل لأنك استطعت أن تجد مكاناً آمناً أخيراً لكن لازال الأهل هناك في الطرف الآخر من العالم ، نعجز عن مساعدتهم ، فليس أمامنا سوى أن نراقبهم من بعيد كيف يحترقون.

اعترف أن المشهد مليء بالسواد الذي ما بعده سواد لكن رغم هذا الكم الهائل من السوداوية الا أنني أجد لحظات قصيرة من الأمل أسرقها رغم الموت الصارخ في كل مكان ، فالأمل طبيعة بيولوجية في الانسان تأتي من تجارب الحاضر والماضي وربما تعتمد على الحدس والتنبؤ بالمستقبل القادم، ربما سننهض جميعاً مجدداً يوماً ما كما نهض أسلافنا في السابق رغم أن الواقع منافي تماماً لما نحلم به اليوم، الواقع يقول أننا أسقطنا بلداننا بأيدينا عوضاً عن أسقاط الأنظمة العفنة وبمباركة دولية وإقليمية .

لطالما هناك موسم للقتل في وطني سأبقى أبحث عن وطن بديل ريثما تنتهي حفلات الرقص والموت السريع هناك.

11912919_884860344937364_653868187_n

دياري مُلا

الحقوق محفوظة: عند النقل أو الاستخدام يرجى ذكر المصدر

الكومبس © 2023. All rights reserved