سيرة باول مون السويدي ورسم خرائط تقسيم فلسطين
Published: 11/26/13, 11:47 PM
Updated: 11/26/13, 11:47 PM
الكومبس – كتاب: قبل البدء بالحديث عن شخصية باول مون السويدي لابد من العودة للمجتمع الذي عاش فيه وتأثرا به منذ نشأته. صحيح بأن السويد دولة قليلة العدد في السكان – حاليا ماينوف عن 9 ملايين – وتقع في أقصى الشمال من الكرة الأرضية إلا أنها كانت فاعلة، بشكل أو بآخر، على مجريات القضية الفلسطينية على مدى حوالي قرن من الزمان، مما يجعل البحث في هذا التأثير مهما وضروريا للمهتم في القضية الفلسطينية من مؤرخين وباحثين وقراء عاديين.
الكومبس – كتاب: قبل البدء بالحديث عن شخصية باول مون السويدي لابد من العودة للمجتمع الذي عاش فيه وتأثرا به منذ نشأته. صحيح بأن السويد دولة قليلة العدد في السكان – حاليا ماينوف عن 9 ملايين – وتقع في أقصى الشمال من الكرة الأرضية إلا أنها كانت فاعلة، بشكل أو بآخر، على مجريات القضية الفلسطينية على مدى حوالي قرن من الزمان، مما يجعل البحث في هذا التأثير مهما وضروريا للمهتم في القضية الفلسطينية من مؤرخين وباحثين وقراء عاديين.
كان المجتمع السويدي في نهايات القرن الثامن عشر مجتمعا متدينا، مماجعل فئة منه – أهالي قرية نوص في إقليم دلارنا في أواسط السويد – أن تبيع أملاكها وتهاجر إلى أرض السلام، فلسطين، لانتظار عودة المسيح إلى القدس واستقباله على أرضها.
وبنفس الوقت كانت الجالية اليهودية، التي بدأت تتشكل على الآراضي السويدية منذ بدايات القرن التاسع عشر، قد أصبحت جزءا مهما في المجتمع السويدي وتؤثر فيه وتوجهه، فكانت هذه الجالية ولازالت، تسيطر على جزء كبير من وسائل الإعلام كالصحف الكبرى ودور النشر، المملوكة من قبل عائلة بونيير، وقنوات التلفزة من جهة، وعلى رأس المال السويدي الذي يصب في مصانع وبنوك يديرها آل فالّينباري.
وأهم من هذا وذاك فقد كان رئيس الحاخامات في السويد ماركوس إيهرنبرايس اليد اليمنى لزعيم الحركة الصهيونية العالمية في بداية القرن العشرين، حاييم وايزمن. لقد كان ماركوس من كبار الكتاب الذين شكلوا الرأي العام السويدي وأثّروا على الجيل الناشئ من الصحافيين والكتاب والسياسيين في السويد أمثال الكاتب والصحفي الكبير أجنه همرين. وبمختصر القول فإن السويد كانت، على المستويين الرسمي والشعبي، مؤيدة كليا لما كانت تراه وتريده الحركة الصهيونية، في خلق وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، دون إي اعتبار لحقوق الشعب الأصلي الفلسطيني المتواجد على أرضها منذ آلاف السنين، أي منذ أجدادهم الكنعانيين.
ومن جانب آخر كانت فلسطين ومنذ الحرب العالمية الأولى تقع تحت حكم الإنتداب الإنجليزي الذي وعد اليهود بإقامة وطن قومي في فلسطين. وفتحت أبواب فلسطين على مصراعيها أمام الهجرات اليهودية بعد أن قامت عصبة الأمم آنذاك بشرعنة الوعد وكلفت حكومة الإنتداب بتنفيذه. اشتدت المقاومة الفلسطينية ضد الإحتلال البريطاني وضد الهجرة اليهودة الكبيرة إلى فلسطين. إضطرت بريطانيا حينئذ، من التخلص من الصداع المزمن لها في فلسطين، لإلقاء الكرة إلى ملعب المنظمة الدولية، الجمعية العامة للأمم المتحدة (1)، التي نشات بعد الحرب العالمية الثانية بدلا عن عصبة الأمم، لتصل إلى حل مّا . فما كان من الجمعية إلا تشكيل لجنة دولية وإرسالها إلى مكان الأحداث لدراسة الأمر ومن ثم تقديم مقترحاتها للحل، إستنادا للقرار الأممي رقم 106 الصادر بتاريخ 15 أيار/مايو من عام 1947. وهكذا تشكلت لجنة يونسكوب (2).
أُعطيت لجنة يونسكوب حرية اختيار أسلوب عملها والطريقة المناسبة لتنفيذ مهمتها. وبعد المشاورات واللقاءات والزيارات الميدانية، ومقاطعة العرب الفلسطينيين للتعاون معها واستغلال اليهود لها كما سنرى لاحقا، توصلت اللجنة إلى تقديم مشروعين؛ الحل الأول هو تقسيم فلسطين إلى ثلاث أقسام: الأول 56% من البلد لخلق دولة يهودية، والثاني أقل من 43% لتشكيل دولة عربية، والثالث يضم القدس كمنطقة دولية، والحل الثاني هو إنشاء دولة كونفدرالية تشمل كل فلسطين.
شخصية باول مون
ولد باول في مدينة ستوكهولم عام 1898 – وتوفي في عام 1957 – لوالدين من أصل سويسري. كان أبوه خوري ومعروف في العاصمة السويدية بسبب خطبه في الكنيسة الفرنسية في ستوكهولم، فنشأ باول على الأخلاق الحسنة وكانت من اوائل إهتماماته الشئون الخارجية، وكان يتقن عدة لغات. فتم تعينه، كشاب بعمر 18 عاماً، في الطاقم الدبلوماسي السويدي في استانبول. كما تم إرساله، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى ألمانيا ليعيد تنظيم الصليب الأحمر الألماني. وتم بعثه لتنفيذ مهام دبلوماسية في كل من كوريا ورومانيا. وفي موضوع البحث فقد تم تكليفه عام 1947 بالألتحاق كعضو إحتياط في اللجنة، يونسكوب، التي اقترحتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لتجتهد حلا ما للقضية الفلسطينية.
على الرغم من تكليفه بالعديد من المهام، على المستوى الدولي، لم يكن لباول مون شهرة إعلامية لترفعه إلى مصاف الشخصيات العالمية الأخرى. لكن ماهو مهم في هذا البحث بأن باول مون، كعادته، كان يدون كل شاردة وواردة مما عاشه وفكر به على شكل أوراق. لم ينشر مون تلك المعلومات في كتب. لكن أخاً له جمع بعض أوراقه ليخرجها على شكل بيوغرافيا، نشرت في كتاب عام 1961، بأربعمائة صفحة، تحت عنوان " خطوط على هامش التاريخ". كان من بينها ثمانون صفحة يذكر فيها صاحبها عن مهمته في فلسطين (3). لم ترد هذه المعلومات في كتب التاريخ اللفلسطيني، لذا فمن الضروري العودة إلى تفاصيلها الهامة لتكون أهم ما أثّر به مون في مجريات القضية الفلسطينية، حيث بقيت آثارها مؤثرة حتى يومنا هذا، أي بعد مرور 66 سنة عليها.
معرفة باول مون بالقضية الفلسطينية حين تعينه في لجنة يونسكوب
يقول باول مون في الصفحات 240 و241 من كتابه:
"كنت في باريس عندما تسلمت خبرا من الوطن، بأن الحكومة السويدية اختارتني لأكون عضوا أحتياطيا في لجنة الأمم المتحدة، يونسكوب، اللجنة التي تم تشكيلها لتقدم إقتراحات لحل المسألة الفلسطينية، حيث كان العضو الرئيسي – العضو العامل – السويدي في اللجنة، ورئيسا لها، القاضي إميل ساندستروم."
ويضيف مون بالقول:
"خلال الحرب العالمية الثانية، وأثناء وجودي في باريس، وبعدها في أثينا، وفي بُخارست قد تعرفت على اليهود أكثر بكثير مما فعله أي سويدي آخر."..
وبخصوص فلسطين يقول:
" لا أنكر أبداً بأنني أعرف اليهود أكثر مما أعرف عن العرب، وحتى أتمكن من موازنة معرفتي فقد قمت بقراءة كتاب النهضة العربية لمؤلفه جورج أنطونيوس."
إذا يعترف مون بأن معلوماته عن العرب هي نظرية فقط ومستوحاة من كتاب واحد كان قد قرأه، بينما كانت معرفته باليهود قد تشكلت عبر مماحكات وصداقات شخصية. وهو يرى مثلا بأن المشكلة القائمة هي بين العرب جميعا وبين اليهود بشكل عام. فيشرح مثلا بأن العرب (4) قد حلّوا مكان اليهود في فلسطين عندما تم طرد اليهود على يد الرومان عام 70 ميلادية. وكانت الصورة عن العرب لدى السيد مون مستقاة من موقف الأتراك منهم، حيث عمل عندهم في الباب العالي كموظف في السفارة السويدية. أي أن مون لم يشكل صورة حسنة وإيجابية عن العرب الذين قاموا بالثورة ضد الأتراك، حسب تفسيره في مكان آخر من الكتاب.
هذا ويضيف مون في الصفحة 242 من كتابه:
" لقد أدت نتائج الحرب العالمية الأولى إلى تحول جذري في المنطقة، فصدر على سبيل المثال تصريح ووعد وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور ليقول:ستعمل الحكومة البريطانية على خلق وطن قومي لليهود في فلسطين. وقد أوكلتعصبة الأمم يومها، حكومة الإنتداب البريطاني، مهمة تنفيذ هذا الوعد وبشكل رسمي من قبل عصبة الأمم.. لذا فأنا أرى بأن العرب عندما يوجهوا جام غضبهم على الحركة الصهيونية، فإنهم يوجهونه لعنوان خاطئ. فاليهود قد هاجروا إلى فلسطين تحت غطاء دولي وقانوني."
وفي مكان آخر في الصفحة 243 يعطي باول مون رأيه بقائد الثورة الفلسطينية يومها مفتي فلسطين الحاج محمد أمين الحسيني بقوله:
" إن المفتي الأكبر يشكل، بشكل أو بآخر، النكبة الأفجع التي أصابت الشعب الفلسطيني، لقد امتد أثره السلبي لأوسع مما هي حدود البلد، فلسطين، بكثير." !!
أما الباحثة السويدية بيجيتّا ألتان فترى: بأن أوضاع اليهود الذين تم تجميهم في معسكرات منتشرة في أوربا، كانت تشغل حيزا كبيرا في نقاشات الجمعية العامة للأمم المتحدة. فالمندوبين العرب طالبوا وبحزم مناقشة مسألة فلسطين دون ربطها بمشكلة ملاحقة واضطهاد اليهود في أوربا، المشكلة التي لم يكن للفلسطينيين العرب أية مسؤولية فيها. وعلى الرغم من هذا فقد تم ربط قضية اليهود، الذين ليس لهم مأوى في أوربا، بفلسطين من خلال تعابير مبهمة في مهمة لجنة اليونسكوب.
أما ماهو مكتوب على صفحة الوكيبيديا، عن المناخ الذي أحاط أعمال اللجنة أثناء وجودها في فلسطين، فيفيد بأن:
"لقد تابعت اللجنة وبدقة ماحصل مع باخرة أكسودس التي كانت تقل على متنها مئات من اللاجئين اليهود. فبعض من أعضاء اللجنة كانوا حاضرين في حيفا عندما تم إبعاد المهاجرين اليهود، على متن الباخرة وبالعنف إلى قبرص. لقد تحدثوا فيما بعد بأن ماشاهدوه قد أثّر وبشكل كبير على قناعاتهم؛ بأنه كان من الضروري وعلى جناح السرعة التوصل إلى حل ما لهم وعلى أرض فلسطين."..
" لقد كان اليهود في فلسطين يومها يشكلون أقلية كبيرة، فقد وصلت أعدادهم إلى حوالي ثلث السكان فقط وكانوا يتملكوا حوالي 6 بالمائة فقط من أرض فلسطين. لكن الأوضاع قد تدهورت في فلسطين مما استدعى لإيجاد حل وعلى جناح السرعة."
إذا كانت الخلفية التي حملها عضو لجنة يونسكوب باول مون وآخرين معه منحازة جدا للطرف اليهودي. الطرف الذي كانت تفاصيل حياته اليومية في العذاب والملاحقة على يد النازية تشغل بالهم، في وقت نسوا فيه بأن سكان فلسطين الأصليين هم من يعانوا من الإحتلال البريطاني والهجرة التي لاتتحملها البلد. الشعب الذي لازال يدفع ثمن الخطيئة الأوربية، وعلى مدى عقود يعاني فيها الأمرين في المخيمات والملاحقات لمن تبقى على أرض الوطن فلسطين من سلوك الإحتلال الصهيوني البغيض.
تشكيلة لجنة (يونسكوب)
يذكر مون: "بأن اللجنة قد تشكلت وضمت على مايزيد عن مائة إنسان، منهم عدد من النساء. منهم السكرتارية الذين زاد عددهم لوحدهم عن الستين، وتم جمعهم من عشرين دولة. كما كان في اللجنة شخصيات سياسية وقضاة وخبراء إضافة إلى تسعة مترجمين وإثني عشر ستينوغرافيين متمكنين على الأقل من لغتين"..
كانت رئاسة لجنة اليونسكوب مؤلفة من 11 عضواعاملاً، وهم، فلاديمير سيميك مع جوسه بريليج من يوغوسلافيا، وألبيرتو أولوا مع أرتورو جارسيا سالازير من البيرو، ونصر الله إنتظام مع علي أكدلان من إيران، وعبدور رحمن مع فينكاتا فيسواناثان من الهند، وإيفان سي راند مع ليون مايراند من كندا، و جي دي إل هود مع إس إل أتيو من استراليا، وجورج جارسيا جرانديس مع إي زيا جونساليس من غواتيمالا، وإنريكو رودريجوس فابريجات مع سيكّو إيلاوري من أوروغواي، وكارل ليسيشكي مع ريتشارد بيتش من تشيكوسلوفاكيا، وإن إس بلوم مع آ إي سبيتس من هولندا وبرئاسة السويدي القاضي إميل ساندستروم (5) مع معاونه الدبلوماسي السويدي باول مون – شخصية هذه الدراسة، وكان ويرافقهم 11 عضو إحتياط. كما ضم إلى اللجنة عدد كبير من الخبراء والسائقين والمساعدين لهذه المهمة.
يضيف مون " بأن الأعضاء الأساسيين في لجنة يونسكوب هم أحد عشرة ويمثلون دولا صغيرة من القارات الأربع، خمسة منهم دبلوماسيين وخمسة آخرون من رجال القضاء، أما الأخير وهو من يوغوسلافيا فوصف أيضا بالسياسي"..
ويصفهم مون بقوله:
"لم يكن أحد منهم يعرف شيئا مسبقا عن قضية فلسطين، ماعدا، ربما، المحمديّن – إشارة للمسلمين – ولم يحصل من طرفهم أية إشارة على كراهية ما لليهود. لكن ومع مرور الأيام نمت وازدادت حالة إنزعاج من اليهود عند العديد من أعضاء اللجنة ".
ثم يتابع مون وصفه لشخصيات أعضاء اللجنة وتوجهاتهم فردا فردا فيقول:
" لقد وجد عضو اللجنة الهولندي، الدكتور نيكولاس بلوم، عددا من أبناء بلده من اليهود الذين وصلوا سابقا إلى فلسطين، وهذا ماسهل عليه الحصول على الكثير من المعلومات المنحازة"…"أما الدكتور جورج جارسيا جرانادوس، ممثل غواتيمالا، فقد كان متعاطفا مع اليهود في بلده وقبل أن ينضم إلى عضوية اللجنة"… "وهكذا كان مندوب أوروغواي الدكتور أنريكو رودريجوس فابريجات"… "ولم يعارض تلك التوجهات، كالثور الهائج، سوى عضو اللجنة الهندية، المحمدي".
أما عن ضباط الإتصال فيقدم مون شرحا مفصلا عن شخوصهم، لكنه لم يأت على ذكر أن اللجنة قد تعاونت مع أي ضابط إتصال فلسطيني. فيقول مابين الصفحة 245 والصفحة 251 على سبيل المثال دون أن يذكر شخصية واحدة تم التواصل معها من الفلسطينيين:
" وقد شغل منصب ضابط الإتصال مع الإنتداب البريطاني؛ الإسكتلندي دونالد سي ماك جيليفري. وكان هذا يعرف عن سكان البلد، من القرية والمدينة العربية إلى الكيبوتس اليهودي، وكان يتمتع بثقة الجميع"…"هذا وتم إيجاد حلقة وصل مع الوكالة اليهودية من خلال شخصين؛ الأول وهو أوبري إيبان والثاني هو دافيد هوروفيتش".
المقر والبيئة التي عملت بها اللجنة
أما عن مكان سكن وعمل اللجنة فيذكر باول مون في الصفحة 252:
" سكن أعضاء لجنة يونسكوب في مبنى تابع لليهود يدعي بيت كاديما، وكأنه بني خصيصاً لتلك المهمة، ويقع في القسم الغربي من مدينة القدس"…
ثم يصف الكاتب بأن على اللجنة أن تكون حيادية ويقول:
" لقد كان نصف السائقين المخصصين للجنة هم من العرب والنصف الآخر كان من اليهود"… "ولم يكن من المعقول أن يتم توظيف البنات العربيات كخادمات تنظيف، مما سمح لإشغال هذه المهمة على عاتق البنات اليهوديات. الأمر الذي رجح الكفة اليهودية، حيث تبين بأن الخادمات اليهوديات هن من المستوى التعليمي الأكاديمي، وكن على أشكال مريحة للنظر. لقد كن يجئن بآذان متمرسة للإصغاء والتصنت وبعيون مفتوحة، الميزات التي سمحت برشح المعلومات المفيدة وبالإتجاهين – مابين أعضاء اللجنة واعضاء الوكالة اليهودية – بما يخص عمل اللجنة."
ويضيف:" لقد تعرقلت أعمال اللجنة منذ البداية وذلك بسبب مقاطعة العرب للجنة"… "ولم يكن للمفتي الأكبر – الحاج محمد أمين الحسيني – أو حتى أمين الجامعة العربية عزام باشا مانعاً من الدخول بلعبة موازين القوة"… "مما ترك المجال لليهود في التحرك بحرية وملء الساحة بالمعلومات والدعاية التي يريدونها."
ويرى مون بأن موقف القادة العرب برفض التعاون مع اللجنة، مبني على فهمهم بأن التوجيهات لاتخوّل لجنة الأمم المتحدة يونسكوب بالعبث بمستقبل بلادهم، وأن حقوقهم واضحة ومضمونة إستنادا لمبادئ ميثاق المم المتحدة نفسها، وليست قابلة للمفاوضات. ويذكر مون في هذا الصدد بقوله:
"هذا ما كان خلف موقف العرب الفلسطينيين لمقاطعتهم اللجنة الدولية. وهذا ماتم الإشارة إليه بوضوح، مع كثير من الأسف، من معظم أعضاء لجنة يونسكوب الذين ينقصهم المعلومات الأولية والمسبقة عن المشكلة، وكانوا يتمنون وبرغبة حقيقية أن يبنوا لأنفسهم مفهوم موضوعي، من خلال الإستماع للطرف العربي"
ويتابع مون الحديث عن نفسه وعن موقفه عن النقطة الواردة آنفا بالقول:
" كنت أنا متحفظا لقبول المعلومات كما هي. لقد كنت أسعى وبكل حماسة للحصول على المعلومات بنفسي لأكوّن موقفا شخصيا… الأمر الذي جعل اليهود متخوفين من دوري، وقد أخبرني ضابط الإتصال مع اليهود السيد دافيد هوروفيتش بأن قادتهم قد وصفوني بالشخص المعادي".
وتقول الباحثة السويدية بيجيتا التان بأنه:
" لقد وصل إلى رئيس اللجنة، القاضي إميل ساندستروم، أكثر من مائة مذكّرة من المجموعات اليهودية، بينما وصل من الدول العربية سوى رسالتين قصيرتين."
طريقة عمل اللجنة
إعتمدت اللجنة في عملها، للحصول على المعلومات، على الزيارات الميدانية، وقد كان عدد هذه الزيارات إحدى عشرة جولة في طول البلد وعرضه. ويصف مون بأن هذه الرحلات قد أخذت الطابع السياحي الديني أكثر مما شغلته وظيفيا. كما اعتمدت اللجنة أسلوب المقابلات والإجتماعات. ويعود مون ليذكر مرةأخرى بأن مقاطعة العرب للزيارات الميدانية للجنة وعدم السماح بإجراء المقابلات فتحت الفرصة وسهلت على الطرف اليهودي في التعبير عن رغباته وطموحاته.
ثم يعود مون ليشرح طريقة تفكيره وعمله ليقول في الصفحة 255 من كتابه:
" كعضو إحتياط لم يكن لي دور كبير في عمل اللجنة، فبدأت أفكر مطولا ومليا بماهية الحلول التي يمكن أن تكون مناسبة لحل قضية فلسطين. وكان أقربها لذهني هو تقسيم البلد – وهنا يبدوا بأن باول مون كان إما مستسهلا أو متأثرا جدا بحل التقسيم الذي طرحته لجنة بيل البريطانية في عام 1937 على الرغم من محاولة إظهار موقفه بالحيادي – لكن كيف سيتم ذلك التقسيم؟ وأين لنا أن نرسم حدود القسمة؟ لقد شغلتني هذه التساؤلات لعدة أسابيع، بل أشهر. فتعاملت من الموضوع كهواية، وما كان ينقصني من حيث الأهلية هي الشروط الفنية والعلمية… لقد كان ينقصنا في لجنتنا الكبيرة هذه تلك الخبرات."
ثم يقوم باول مون مفسّراً أن فكرة التقسيم التي طُرحت قبل عقد سابق من الزمن على يد لجنة بيل كانت هي الأقرب إلى أفكاره في الحل.
الدور العملي لباول مون في اللجنة
بعد جمع معلوماته عن فلسطين وعن الديمغرافيا فيها يقول مون في الصفحة 257:
" بالحصول على أرقام إحصائية عن سكان البلد، يتبين بأن العرب كانوا مليون ومائتي ألف إنسان، بينما أصبح تعداد اليهود 650 ألفا. وبذلك فإن أول ماتبادر لذهني هو أن أحصل على معلومات تفيد عن التوزع السكاني وكثافته في مناطق فلسطين. فتوجهت إلى سلطات الإنتداب البريطانية فزودتني بثلاثة أوراق تحتوي على خرائط لفلسطين، مرسوم عليها حدود كل منطقة إضافة إلى توزع السكان فيها، حسب فئاتهم الأربعة، وكانت أرقامها مدونة بخط اليد. لقد تم تمثيل المحمديين(6) باللون الأسود، وتمثيل اليهود باللون الأحمر، أما المسيحيين، وهم بمجموعهم عرب، فباللون الأزرق وماتبقى من السكان باللون الأخضر (7).
لقد كانت الإحصاءات التي حصلتُ عليها تمثّل الشهر الأخير من عام 1946. ومن خلال النظرة الأولى للتوزع السكاني على خارطة البلد بأكملها يجد المرء بأن اللون الأسود هو السائد، أي أن البلد عربية.".
وفي الصفحة 257 يقول مون:
" لقد كانت فلسطين مقسمة إلى ستة عشرة منطقة إدارية، واحدة منها فقط قد شكلت أغلبية يهودية. وكان ذلك يعني مؤشرا سلبيا لليهود. فما كان عليّ سوى رمي الالوان في سلة المهملات. إلا أنني تابعت الرسم والتلوين دون كلل أو ملل، إلى أن وصلت إلى مايزيد عن ثلاثين خطة تقسيم، كان أكثرها يتميز بالجرأة فقط، وليس بالعقلانية والمنطق."
وفي الصفحة 259 يقول مون:
" تابعت مُجرّبا كافة الإحتمالات، لكن كان ينتابني مابين الفينة والأخرى مشاعر هلع وفزع من عملي هذا. فإذا قمت بجر القلم مليمترا واحدا باتجاه اليمين أو اليسار، أو باتجاه الأعلى أو الأسفل، فإن ذلك سيعني تغييرا دراماتيكيا لحياة الآلاف من الناس الأبرياء". (8).
ويتابع مون وصفه وتبريراته للكيفية التي اعتمدها في رسم حدود كل منطقة سيقطتعها من أرض فلسطين، ويظهر بأن حساباته وحسابات الإنجليز مع ماكان يراه اليهود باعتبار أن بدو فلسطين ليسوا عربا. فهم يدرجون، وحتى كتابة هذه السطور، في إحصاء لوحدهم وكأنهم غير فلسطينيين. وهذه سياسة غربية مقصودة ومعتمدة للتقليل من حجم الكارثة والنكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني. ويصل الكاتب، في الصفحات 264 و 265، مثلا في رسم الإحصاء النهائي بعد تقسيماته الديمغرافية، البعيدة كل البعد عن العقلانية والمنطق، حسب تعبيره، إلى القول:
"إذا أضفنا للأرقام، التي تم تنقيحها، عدد السكان البدو فتصبح النتيجة النهائية كما يلي:
– يكون سكان الدولة العربية 827000 من العرب و 10000 من اليهود،
– ويكون سكان الدولة اليهودية 425000 من العرب و 498000 من اليهود
– أما سكان القدس فيكون 105000 من العرب و 100000 من اليهود.
وإلى حد كبير فالدولتان متساويتان من حيث عدد السكان، مع العلم بأن الدولة اليهودية ستحتوي على نسبة عربية عالية جدا. هذا ومن المعروف بأن الإزدياد السكاني في الولادات عن العرب يفوق كثيرا عما هو عند اليهود، الأمر الذي سيؤدي مع مرور الزمن إلى زيادة عدد العرب عن اليهود. هذا ويمكن أن يتم تعادل الأرقام من خلال الهجرة اليهودية إلى الدولة اليهودية، أو يفوق على هذا الزيادات.
أما من وجهة النظر الإقتصادية فإن التقسيم هذا ليس هو بمصلحة العرب. ويمكن تدارك هذا الأمر من خلال اتحاد إقتصادي بين الدولتين.
إن تقسيم فلسطين كان مشكلة من نفس الطبيعة الهندسية للمربع والدائرة. لقد كان من الأفضل البحث في إيجاد حل للمشكلة اليهودية في العالم من خلال مخططات أخرى غير فلسطين. ففي بدايات القرن الحالي قامت بريطانيا بعرض وطن قومي لليهود في كينيا مثلا."
مقاطعة العرب الفلسطينيين للجنة
وبما يخص تعامل أعضاء لجنة يونسكوب مع العرب فيبدي مون رأيه، بعد الإنتهاء من مهمته الشاقة في الرسم والتقطيع والتقسيم، ومهمة اللجنة بشكل عام، بالقول في الصفحة 267:
" إن اللقاء مع القادة العرب – غير الفلسطينيين طبعا – في بيروت لم يؤدي سوى إلى لا شيئ. لم نحصل هناك سوى على الطعام اللذيذ. ليس هناك أكثر نحساً من أن تجتمع مع العرب بشكل جماعي. إنهم يحاولون دائما المزايدة على بعضهم بعضاً. ليس لديهم المرونة والإقتراب من الحلول الوسط. ومن الصدفة أحيانا أن تتمكن من الحصول على شيئ مفيد وعقلاني منهم. ولايمكن للمرء أن يقرر أمراً واحداً مع أحدهم منفرداً. وعندما يبدأ المرء بالحديث معهم، يبدأون فورا بالتمثيل على بعضهم (9)."
هذا وقد أتى مون بمثال عما قاله، عن لقاء له جمعه بالملك الأردني عبدالله.
النتائج
ففي نهاية الأمر، رفعت اللجنة مقترحاتها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتم التصويت على اقتراح تقسيم فلسطين إلى سبعة قطع. ثلاث منها ستكون دولة عربية، تشكل أقل من 44 بالمائة من مساحة فلسطين. وثلاث أخرى ستقيم يهودية، وتمثل حوالي 56 بالمائة من أرض البلد. والقطعة السابعة، وتضم القدس وماحولها لتكون تحت رعاية دولية. وصدر قرار التقسيم رقم 181 في يوم 29 تشرين الثاني من عام 1947، بحيث صوت لصالح القرار 33 دولة، من بينها المملكة السويدية، بينما رفضته 13 دولة، معظمها من الدول العربية صاحبة العضوية آنذاك، وامتنع عن التصوين 10 دول. لقد كانت نتيجة التصويت هذه مستندة إلى ضغوط شديدة مارستها الولايات المتحدة الأمريكية. ويكتب الرئيس الأمريكي ترومان في مذكراته عن ذلك:
" لاأعتقد بأنني كرئيس قد تعرضت، في يوم من الأيام، للكثير من الدعاية والضغوط كما هي في هذه القضية. لقد انزعجت وتعرضت للمضايقة والعذاب من قبل القيادات الصهيونية المتزمتة والعنيدة، التي ترافقت أيضا مع التهديد بالتأثير على نوع الوظيفة السياسية. حتى أن هذه المجموعات قد تسائلت وطلبت منا أن نمارس ضغوطا على دول مستقلة حتى يتمكنوت من الحصول على أصواتها باتجاه مصلحة اليهود في الجمعية العامة للأمم المتحدة."
ويعود مون ليبدي، حسب تقديراته، رأيه في عملية التصويت من قبل اعضاء اللجنة بالقول:
" إن عددا من أعضاء اللجنة، قد قالوا، من شبه المؤكد، في عقلهم الباطن، وعلى الرغم من عدم تجرؤهم من إبداء رأيهم علنياً، بأنه لولا وجود هؤلاء اليهود المزعجين ووجود وعد بلفور، لكنا تخلصنا من كل هذه النزاعات."
تعقيب
لم تذكر كتب التاريخ العربية عن شخصية باول مون وعن دوره الخطر في مجريات القضية الفلسطينية، وبشكل خاص في موضوع رسم خرائط التقسيم. ومن مجمل حديثه الذي ورد في كتابه " خطوط على هامش التاريخ" وأوراقه الأخرى، إضافة إلى قراءة عما كتب حول قرار تقسيم فلسطين، يصل المرء إلى النتائج التالية:
– لم يكن أعضاء لجنة يونسكوب على إطلاع جيد على مجريات القضية الفلسطينية، وخاصة من جانب الحق الفلسطيني. كما كان منهم، كباول نفسه، يتعاطف مع اليهود ولديه معارف شخصية عديدة منهم.
– وكان ما قد أثر بتوجهات أعضاء اللجنة وقناعاتهم الآنية هو مشاهداتهم الحية لما حصل للمهاجرين اليهود على متن الباخرة أوكسودوس.
– كما كانت المسألة اليهودية مطروحة بشكل كبير في أروقة جمعية الأمم المتحدة عقب مافعلته النازية في أوربا باليهود، مما تطلب من أعضاء الجمعية من إيجاد حل سريع للقضية.
– كان لقرار عصبة الأمم الذي، الذي صدر عقب الحرب العالمية الأولى، وقنن اعتماد تطبيق وعد بلفور في بناء وطن قومي لليهود في فلسطين، التأثير القانوني على عمل اللجنة في اختيار أن يكون لليهود دولة هناك.
– كما كان للإنجليز، على مايبدو، دورا قويا في إقناع أعضاء اللجنة في إعادة إحياء خطة التقسيم التي طرحتها لجنة بيل التي شكلوها في عام 1937.
– مقاطعة العرب الفلسطينيين لأعمال اللجنة قد فوت الفرصة عليهم لإيصال وجهة نظرهم في حقهم في فلسطين.
– تأثير مجموعة الضغط اليهودية على الرئيس الأمريكي ترومان ليضغط بدوره على بعض مندوبي الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت لصالح قرار التقسيم.
وهكذا ضاعت فلسطين، وانتكب الشعب الفلسطيني بحيث تم اقتلاع وتهجير مايقارب المليون من أبناءه إلى المنافي، ولازال يعيش في حوالي 70 مخيما يناضل من أجل استرداد حقه.
دراسة الكاتب والصحافي الفلسطيني رشيد الحجة
(1) في كتابه يذكر الأمين العام للأمم المتحدة السيد تريجفه لي بأنه صديق لليهود وأنه مقتنع في جهوده لتطبيق قرار التقسيم الذي تبنته لجنة يونسكوب. ويرد في كتبه عددا من المعلومات الخاطئة أو المنقوصة، لابد من ذكرها هنا، عن فهمه للقضية الفلسطينية فقد كان متعاطفا مع اليهود ويقلل من قيمة الفلسطينيين وهذه بعض الإقتباسات من كتابه تدل على هذا الإدعاء، واترك للقارئ تحليل الإقتباسات:
-صفحة 147" إن المشكلة معقدة. فالمسيحية والإسلام واليهودية هي بجميعها قد ورثت من الحضارة العبرية وثقافتها. لذا فالتناقضات الدينية والخصومات ستؤثر بالضرورةعلى المفاوضات من بدايتها. إذا كان الأمر يتعلق بالحقوق الإنسانية، التي تنبع خلفيتها من ملاحقات اليهود واضطهادهم التي وصلت ذروتها في عهد هتلر ومحاولاته في إبادتهم من أراض القارة الأوربية. ومن جانب آخر يتعلق الأمر بالعدالة للعرب، الذين عاشوا في بلد اليهود التاريخي". !!!
-صفحة 147" إن الملاحقات ضد اليهود قد أثرت بي وبعمق".
-صفحة148"هذا التاريخ من العذابات لليهود أثر في ضميري. أما عن الفلاح العربي الذي أقام في مكان آخر، فكنت أعرف فقط بأنه غالبا مضطهد من قبل صاحب الأرض، الذي يقطن في مكان آخر، فإنه وبدون أنى شك سيستفيد من مشاريع التنمية الصهيونية الكبيرة."…" والآن في العام 1947 بدى بأن وطن دائم لليهود هو الحل للمشكلة التي خلقها مئات الآلاف من اللاجئين الذين تلاشوا في الدول الأوربية".
-صفحة 153"في هذه المرة لم يكن هناك مكانا لحق النقض، فالإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية قد دعموا قرار التقسيم. هذا وقد تبين فيما بعد بأن الإتحاد السوفييتي كان ثابتا بشكل أكبر على ذلك مما كانت عليه الولايات المتحدة".
-صفحة 182"لقد أصبحت إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة بتاريخ 11 أيار/مايو من عام 1949. لقد كان قرارا أفرحني جداً وهو إقام دولة إسرائيل….إنني فخور بالدور الذي لعبته الجمعية العامة للأمم المتحدة في إقامة دولة إسرائيل".
-من 850 ألف عربي غادروا – وليس هُجّروا – من فلسطين بعد التقسيم لجأ 450 ألف منهم إلى الأردن و 130 ألف إلى لبنان و 85 الفا إلى سوريا و 130 الف إلى مصر. ومن الناحية النظرية فكل شيئ يشير على أنهم يعودوا، لكن عودتهم العملية مستحيلة، وعلى اغلبيتهم أن يبقوا حيث هم".
يبدو بأن فكرة التوطين التي تبناه خليفته في قيادة الجمعية العامة للأمم المتحدة السويدي داج همرشولد كانت فكرته هو.
-صفحة 183 يتحدث عن استيعاب إسرائيل لعشرات الألاف من اليهود الذين أحضورا من الدول العربي خلال عام 1952 ويقول" أعترف وأصرح بأنني أُعجبت بإسرائيل، من حيث النتائج وعن الروح التي تحلوا بها".
United Nations Special Committee On Palestine (2)
(3) وهي وثيقة نادرة وقعت صدفة بين يدي بسبب متابعتي لما صدر من كتب سويدية عبر التاريخ، وتخص فلسطين. لم يتم ترجمة الصفحات الثمانين من الكتاب، والتي تخص مذكرات الرجل أثناء عمله في اللجنة، إلى لغات أخرى. وأرى وجوب ترجمتها كاملة إلى اللغة العربية مستقبلا ليتسفيد منها الباحثين كلّ في مجاله.
(4) تعتبر معظم الكتب السويدية بأن العرب قد جاءوا إلى فلسطين مع الفتح الإسلامي لها. ولايذكر الكتّاب بأن الكنعانيين هم عرب أيضا، وهم السكان الأصليين لبلاد كنعان، وكانوا فيها قبل قدوم إبراهيم الخليل إليها، النبي الذي يعتبره اليهود أبا لهم
(5)ولد إميل ساندستروم بتاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1886 وتوفي بتاريخ 6 تموز/يوليو من عام 1962 وكان يومها يشغل كحقوقي منصب رئاسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر. كانت حياة ساندستروم زاخرة بالأعمال القضائية والإنسانية على المستوى الدولي، فأصبح، على سبيل المثال، قاضيا للمحكمة الدولية الدائمة في مدينة هاج. هذا وعرفت خطة التقسيم، الذي طرحها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر تشرين الثاني من عام 1947، بإسمه. صحيح بأن له الدور الأكبر في قيادة لجنة لنسكوب إلا أنه لم يكتب مذكراته الشخصية للإطلاع عن قرب على شخصيته ودوره التفصيلي في لجنة يونسكوب، ولم تذكر الكتب والمراجع التاريخية تفاصيل حياتها وهواه في الموضوع الفلسطيني مما جعلني أركز في الدراسة على شخصية باول مون الذي أورد تفاصيل هامة، وبشكل خاص دوره الذي كان له أثر كبير في مجريات القضية الفلسطينية حتى يومنا هذا.
(6) تعتمد معظم، إن لم يكن كل، الكتب السويدية القديمة، حتى خمسينات القرن العشرين، صفة المحمديين على المسلمين، نسبة إلى النبي محمد "صل الله علي وسلم".
(7) يبدوا بأن الإنجليز قد أثروا على باول مون بطريقة التفكير في تقسيم أهل فلسطيني إلى فئات دينية أو عرقية، أو حتى لكيفية حياتها، كما تفعل إسرائيل في إحصائياتها حتى اليوم، عندما تضع الدروز والبدو مثلا من فئات سكانية مختلفة عن العرب!!!.
(8) شخص مثل بلفور يمنح كامل فلسطين كوطن قومي لليهود، ويأخذ الموافقة القانونية على ذلك من عصبة الأمم، العصبة التي فرضت الإنتداب البريطاني علي فلسطين وطلبت من سلطة الإنتداب تطبيق الوعد، دون استشارة أهلها. ثم ياتي شخص آخر مثل باول مون، مع لجنته، يمزقون فلسطين إربا إربا دون ضمير أوأخلاق إنسانية، في خطة تقسيم جائرة توافق عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة دون الأخذ برأي سكان البلد الأصليين أيضا!!.
فماذا يقول هؤلاء وامثالهم اليوم فيما لو تم منح أوطانهم أو أجزاءاً منها للاجئين، فلسطينين كانوا أم يهود أم غير ذلك، ليقيموا عليها أوطاناً بديلة؟ أترك هنا التعليق للقارئ العربي، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
(9) ربما يكون بعض من كلام باول مون صحيحا لكنه لم يكن أكثر عقلانية، فيما يخص عمله، في لجنة قسمت فلسطين رغما عن أنوف أصحابها الأصليين. أو ربما بالغ باول مون في تقديراته، لكن مرور ست وستون عاما على التقسيم والنكبة وعلى كلماته، والخبرات المتواصلة لما حصل عليه العرب في هذه الأيام، يجعل كلام هذا الرجل قريبا من الواقع أو مطابقا له.
مراجع:
– كتاب، سبع سنوات من أجل السلام، المؤلفه الأمين العام الأول للجمعية العامة للأمم المتحدة السيد تريجفه لي.
-أوراق باول مون ، مكتبة جامعة أوبسالا
-كتاب، خطوط عل هامش التاريخ. لصاحبه باول مون، موضوع البحث اعلاه.
-موقع ويكبيديا