"عالم ليس لنا" فلم يستحضر روح عين الحلوة
الكومبس – ثقافة: الفنان وهو يحاول أن يوثق الحياة في مكان معزول عن الحياة، يحاول أن ينقل حقيقة تتجاوز الخيال.
الكومبس – ثقافة: الفنان وهو يحاول أن يوثق الحياة في مكان معزول عن الحياة، يحاول أن ينقل حقيقة تتجاوز الخيال.
وفلم "عالم ليس لنا" للمخرج الفلسطيني الدنماركي مهدي فليفل، يصور حياة الفلسطينيين اليومية في مخيَّم معزول للاجئين في جنوب لبنان.
إنه عالم الإحباط والخيبة، ولفرط ما استطاع هذا الفلم أن يوصل الحقائق الغريبة فقد حاز على "جائزة السلام" في مهرجان برلين السينمائي "برليناليه" لعام 2013 وجوائز تقديرية في مهرجانات أخرى.
قام المخرج الفلسطيني الدنماركي مهدي فليفل من أجل إخراج فيلمه الوثائقي "عالم ليس لنا" بعدة زيارات في فترة زمنية تمتد لأعوام إلى مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان، حيث لا يزال أفراد أسرته وأصدقاؤه يعيشون هناك.
ويركز فليفل في فيلمه على حالة الاحباط واليأس في هذا المخيَّم الذي نشأ عام 1948 كمخيَّم مؤقت، وفي يومنا هذا بات يعيش فيه نحو 70 ألف شخص على مساحة لا تتجاوز كيلومتر مربع، محاط من قبل الجيش اللبناني.
يتخلل هذا الفيلم كثير من الفكاهة والتفكير بالذات والموسيقى المستعارة من أفلام وودي ألِن، بالإضافة إلى حُمَّى كأس العالم التي تجتاح جميع الأطفال والشباب في المخيَّم كل أربعة أعوام.
ويبيِّن كذلك أنَّ اللاجئين لا يزالون موجودين، حتى وإن كانوا قد اختفوا من العناوين الرئيسية للأخبار.
ويستعيد فيلم "عالمٌ ليس لنا خلال عُرضه حديثاً في غاليري "إدج أوف أريبيا" في لندن، مفهومي النفي والإلغاء لما يقارب 70 ألف شخص يعيشون في ما لا يتجاوز كيلو متراً مربعاً واحداً في مخيم "عين الحلوة" جنوبي لبنان
الفيلم الذي ينتمي إلى سينما الواقع، والحاصل على أكثر من 20 جائزة دولية، أبرزها جائزة "برليناليه/ بانوراما برلين"، هو حصاد مُكثّف لعشرِ سنواتٍ من العمل على التوثيق الفيلمي؛ حصل خلالها فليفل على غنيمة تزيد عن 75 ساعة؛ تنوعت بين شهاداتٍ شخصية، وفيديوهات واقعية من المخيم، ومحفوظات تسجيلية عائلية.
لقد اكتفى المخرج بتسعين دقيقة شكلت كسراً للصورة النمطية المسبقة للمخيم كمكان حافل بالجريمة والبطالة والمخدرات.
وكان الفضل لشخصيات عديدة من أبرزها "أبو إياد"، صديق المخرج، الذي جاءت عفويته لتقدّم الصورة البديلة من خلال تعبيره عن آراء سياسية مثيرة للجدل، بدأها بتناول سيرة التنظيمات بالنقد الحادّ، متّهماً قادتها باللصوصية واستغلال القضية للتربح، لتكون مدخلا لنكتشف معاناته داخل المخيم وسأمه من الحياة.
شخصية "أبو إياد" تختزل هذا الجيل الذي ناضل من أجل فلسطين من دون أن يعرفها، جيل لا يحلم بالعودة بقدر ما يحلم بالهروب من بؤس المخيمات وما آلت إليه رحلة البقاء الصعب. فلسطين في خاطر هذا الجيل هي حالة ذهنية لا تمتلك وجهاً، بل مخالب تفترس أبسط أحلام المنتمين إليها بالعيش كبشر طبيعيين.
ثمّ تطلُّ علينا من المخيّم شخصية أخرى هي جدّ المخرج، الذي يعبّر عن جيل النكبة، ذلك الذي لا يزال أسير ذاكرةٍ رطبة لأرضٍ قرّر المكوث في غرفته مُنتظراً أن يعود إليها، قامعاً رغبة الجدّة بالسفر مع حفيدها إلى الدنمارك، إذ يرى في ذلك تخليّاً عن الحق الفلسطيني المقدّس. أما العم، فيعيش عزلة نفسية بعد استشهاد أخيه، مُتّخذاً من بيع زجاجات المياه الغازية بعد تجميعها، وسيلةً للتحايُل على زمنه الثابت في المخيم، لا سيما أن أحد أقربائه باعه الأمل لإخراجه من هذا المكان.
تتناقض شخصية العم كليّاً مع شخصية "أبو إياد"، إذ حاول الأخير السفر إلى اليونان بشكلٍ غير شرعي، جرى ترحيله إلى المخيم، فيما اكتفى العم بانتظار أوراق هجرة ستهبط من السماء.
عمل المونتير مايكل أوغلاند على دمج صور المخيم بمشاهد حياة المُخرج أثناء تنقّله بين دبي والدنمارك، وزيارته إلى فلسطين المحتلة، لكي ندرك كمُشاهدين دور عنصر الزمن في تشكيل أحداث هذا الفلم المهم كشهادة فنية وتاريخية.
في النهاية، سيفتش "أبو إياد" في كتبه وأوراقه قبل أن يترك بيته، فيتخلّص من منشورات منظمة كان قد ارتبط بها فأحرق بياناتها السياسية، مُبقياً على رواية غسان كنفاني، التي ستقول لنا في المشهد الأخير إن الفيلم لا يحتاج لأكثر من عنوانها، ولتلك الكلمات الثلاث التي توجزُ المخيّم وشخوصه: "عالمٌ ليس لنا" .. انه فلم الحقائق الفلسطينية المرة.