عن غانيات ماركيز الحزينات

: 5/28/13, 12:44 AM
Updated: 5/28/13, 12:44 AM

الكومبس – ثقافة : أحبُّ فيدريكو غارثيا لوركا في كلِّ ما كتب، قيثارة الغجر الأسبانية، وجُرحُها الدامي من السُرّةِ حتّى الرقبة. وأحفظُ له عن ظهر قلب. سعيتُ زمناً لأقرأ له كل ما توفّرتُ عليهِ من ترجماتٍ، اختتمتُها بما ترجمَهُ لهُ سعدي يوسف نظماً، قصيدة (الزوجة الخائِنة) التي أهداها لوركا إلى (ليديا كابريرا وزنجيّتها الصغيرة) التي أعتقد أنها الكاتبة الكوبيّة نفسها. لوركا الذي أخذ المرأة المتزوّجة للنهر، ترَفَّعَ في نهاية القصيدة عن أن يقول أنّها خائِنة، كلَّ ما قالهُ أنّه لم يقع في حبِّها لأنها كانت لغيره. عل أيّة حال، فقد كانت بحاجةٍ لرجل.

"وأخذتُها للنهرِ، ظنّاً أنّها عذراءُ، لكنْ كانت امرأةً مُزوّجةً."

الكومبس – ثقافة : أحبُّ فيدريكو غارثيا لوركا في كلِّ ما كتب، قيثارة الغجر الأسبانية، وجُرحُها الدامي من السُرّةِ حتّى الرقبة. وأحفظُ له عن ظهر قلب. سعيتُ زمناً لأقرأ له كل ما توفّرتُ عليهِ من ترجماتٍ، اختتمتُها بما ترجمَهُ لهُ سعدي يوسف نظماً، قصيدة (الزوجة الخائِنة) التي أهداها لوركا إلى (ليديا كابريرا وزنجيّتها الصغيرة) التي أعتقد أنها الكاتبة الكوبيّة نفسها. لوركا الذي أخذ المرأة المتزوّجة للنهر، ترَفَّعَ في نهاية القصيدة عن أن يقول أنّها خائِنة، كلَّ ما قالهُ أنّه لم يقع في حبِّها لأنها كانت لغيره. عل أيّة حال، فقد كانت بحاجةٍ لرجل.

أكتبُ بتأثير الحريّة التي توفّرتُ عليها بعد أن أوصلتني حياتي لقناعة أنني لا أرى ضيراً في أن يكتبَ المرءُ كما يفكّر. ما يمسّونه بالتفكير بصوتٍ عالٍ، أمرٌ بالغٌ في الجُرأةِ والجسارة. أين العيب في هذا؟ كتبتُ أشعاراً كثيرةً كنتُ أحاولُ فيها أن أتستّرَ على الكثير مما لم يكن بإمكاني الجهرُ به. وها أنا أحاول الآنَ الكتابة خارج الشِعر بنفس الجرعة من البوح.

اليوم كان يوم جمعة، هذا يعني شارع المتنبي، وهذا يعني أيضاً المرور على (بسطيات) الكتبِ للتروّي بعناوينِها.

(ذاكرة غانياتي الحزينات)… آه! ياله من عنوان رائع لكتاب! من أين يأتي ماركيز بكلّ (ثريّات النصوص) تلك؟

بغضّ النظر عن فحوى كتاب ماركيز ذاك، كان العنوان قد أثارَ فيّ شهيّة التساؤل عن سبب أن تكون الغانياتُ حزيناتٍ. خرجتُ من سوق الكتب أحملُ السؤال هذا صحبة صديقةٍ هي من أجملُ ما رأيتُ من النساء، روحاً وقواماً، ووعياً يجعلكَ تتمنّى لو أن الإثنتين وعشرين سنة التي تفصل بينكما كانت مجرّد مزحةٍ من الزمن. قضينا ثماني ساعات معاً بين مطعمٍ ومقهى وآخر نتحدّثُ في أمرٍ يخصّ نَصّاً سأكتبُهُ عن فكرةٍ لها حول الإنتظار. هي صبيّةٌ رائعة، وطموحاتُها كانت أكبرَ من أن يسعَها جسدُها الضئيل. لا أذكر عمَّ كانت تتحدث ونحنُ نقطعُ شوارعَ الكرّادة ببغداد حين صدمتني بوصفِها واحدةٍ من رفيقاتِها الحزينات:" يعني… كان القطارُ قد فاتها، مِثلي، لأنها تجاوزت سن الثلاثين".

نعم!! فاتها القِطار لأنها تعدّت الثلاثين؟ ماذا تقولين؟ أأنتِ مجنونة؟ أنتِ أصغر من أن تكوني بهذا القدر مِنَ اليأس.

للذي يبلغ سنّاً يفوق الخمسين، مِثلي، تبدو الحياة عندّهُ أشبهَ بالأيام الأخيرة في إجازة الجنديّ، كلُّ شئ يبدو أكثرَ جمالاً وروعةً قبل رزم الحقائب، هذا يذكّرني بلوحة (دورة السجناء) لغوغان كما أعتقد، الفسحة المسائية التي يعرفها كلُّ من حلَّ نزيلاً في السجن العسكري رقم واحد في الثمانينات، حيث تتسارعُ في الساحةِ خطوات السجناء، إثنين اثنين، حتّى تُعلنُ صافرة الحرس الدخول للعنابر. الأيّامُ تتسارعُ وأنا ألآن في سبيلي لأن أدخل العنبر، عليَّ أن أسرّع من دوراني ككوكب حول مركز الساحة، لأن صفارة العريف (كاظم أبو شوارب) سوف تعلنُ الثامنة. أعني أنّ عليَّ النهوض مبكّرا كلَّ صباحٍ من أيّامي هذه التي تشبهُ أواخر أيّام إجازة الجندي أو أن أدورَ بعنفٍ عكس عقرب الساعة في الدقائق الأخيرة لفسحة السجن تلك.. أنا الآن في خريف العمر.

صديقتي تلك، الصغيرة ، الضئيلة كفأرة، المنيرة ككوكب، الضاحكة حتّى وهي تفكّر بأنها لا سبيلَ لحصولها على من سيرافقها بقيّةَ أعوامها، الدؤوبة في أن تنجز شيئاً ذا معنى في حياتِها، تفكّر أن تتبنى طفلاً إن لم تُوَفقّ في الحصول على شريك مناسب.

– عانسٌ مِثلكِ؟ أليسَ مبَكّراً مثل هذا القول؟

– وأين الغرابة في أن تحسبَ حسابَ كلّ شئ؟

– أنتِ في الواحدة والثلاثين فقط.

– لكنني سيدعونني كذلك عاجِلاً أم آجلاً. بل أنا الآنَ عانسٌ حقّا بمقاييس هذا المجتمع.

عانس؟؟ أعتقد أن في هذه المفردة بعض القسوة حتّى لِمَن تعدّت الستين من العمر ولم توفّق في أن تجد شريكاً ما. وهذا يشملُ الوحيداتِ بشكلٍ أعمّ، الأرامل والمُطلّقات. أي ما أحبّ أن أطلق عليه (نساء الدرجة الثانية). حدّثتني شاعرةٌ صديقةٌ زارت منزلي بستوكهولم، عن حياتٍها كأرملة وهي بعمرِ الأربعين:

– أنا لا أبحثُ الآن عمّن سيَسعِدُني في فراش. أنا أبحثُ عن رِفقةٍ لما تبقّى لي. لا سبيل لذلك وأنا في أسكنُ في آخر أصقاعِ العالم ولي ولدان.

برأيي، أن الخلل يكمن في المرأة ذاتِها ولا جناحَ على الرجل، المبادرة تأتي من المرأة. عليها أن تُلَمِّح وعلى الرجلُ أن يُصرِّح، هذا القانون يشملُ حتّى أناث الطيور والفراشات.

لصديقاتي هنا، ممّن يشملهنَّ الموضوع أقول: فلتأتِ المبادرة مِنكُنَّ! كُنَّ ودوداتٍ بنوايا طيّبة لمن يستحقّ ودّكنَّ، كي لا تكُنَّ في النهاية عنواناً لكتاب عن (الغانيات الحزينات). أو فحوى قصيدةٍ للوركا.

كريم راهي

شاعر عراقي مقيم في السويد

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2023.