كبار السن في السويد : همُ الذين بنوا وهمُ يبنون

: 4/7/13, 9:25 PM
Updated: 4/7/13, 9:25 PM
كبار السن في السويد : همُ الذين بنوا وهمُ يبنون

الكومبس – ثقافة: لكبار السنِّ هنا في السويد مكانة ٌ لا يحظى بها أيّ كائنٍ في أيّما بلدٍ على وجهِ الأرض. وكذا الأطفالُ، ولكلّ إمريْ، سواء كان سويديّاً أو مهاجراً، بيتٌ يؤويه، وضمانٌ ماليٌ يسعفه على معيشة كريمة، فالدولةُ وضعت في أولياتها رعاية َ الإنسان وتلبية حقوقه.

الكومبس – ثقافة: لكبار السنِّ هنا في السويد مكانة ٌ لا يحظى بها أيّ كائنٍ في أيّما بلدٍ على وجهِ الأرض. وكذا الأطفالُ، ولكلّ إمريْ، سواء كان سويديّاً أو مهاجراً، بيتٌ يؤويه، وضمانٌ ماليٌ يسعفه على معيشة كريمة، فالدولةُ وضعت في أولياتها رعاية َ الإنسان وتلبية حقوقه

أسردُ كلامي هذا وأنا أرى حشوداً بشرية من الرجال والنساء مكدّسة أمام دوائر التقاعد والضمان الإجتماعي، وفي عراقنا الجديد، وبعد ستِ سنوات على التغيير. وجلّهم بلا إستثناء يشكون من تعقيدات الروتين والإنتظار الممل الطويل وقلة الضمان الإجتماعي وانعدامه بالنسبة الى قطاعات واسعة من أبناء


يسر موقع الكومبس نشر عدة مساهمات أدبية للكاتب العراقي المقيم ، في السويد أحمد محمد أمين


شعبنا

فأينَ تذهبُ ثرواتُ العراق؟؟ ولمَ يُهانُ إنسانُه بهذه الوتيرة الفاجعة؟؟ في كلّ دول العالم، ولا سيّما في الدول الغربيه، للطفلِ وكبار السّنّ والعاطل ضمانٌ مادي يكفلُ له العيش الكريم. فيا للبون الشاسع ما بيننا وبين الغربيين، ذا أنا أُطلّ من نافذة غرفتي الى الشارع، فأرى جموعاً من الطلبة الصغار برفقة معلماتهم يُؤخذون الى السينما القريبة من بيتي، كلّ معلمة مكلفة بالحرص على خمسة منهم. وأسرابٌ اُخرى تؤخذُ الى السوق أوالى المتاحف أو المسارح أو الى المكتبة القريبة من سكني

وفي المكتبة جناحٌ مخصصٌ للطفل، فيه كلُّ مستلزمات المتعة والراحة. وفيها جناحان فنيّان ، أولهما يعرض أعمالاً متنوعة من إبداع الأطفال ( رسوم، منحوتات، أشغال يدوية من سلال وعلب ملوّنة وابتكارات لا تخطرُ الا ببالِ الطفل) جادت بها قرائحهم الفتية المبدعة. هذا الجناح مزدحم حتى الساعة الواحدة بقاماتهم الصغيرة. وعلى البلاط الصقيل يجلسون جماعات جماعاتٍ بيدِ كلّ طفل كتاب من كتب الأطفال، وأمامهم كدسٌ من الكتب، يختارون منه ما يشاؤون، فهم يقلبون الصفحات ويتطلعون الى الرسومات الملوّنة ويرمون أسئلة ً جمة ًعلى معلماتهم، ويُجبنَ كلّ أحدٍ على سؤاله. من هذه الكتب يتعلمون المعرفة وفنّ الرسم وتذوّقَ الألوان، هذا الجناح مزدحمٌ دوماً بكركراتهم، وصخبهم الجميل. فمن التاسعة حتى الواحدة من يوم الإثنين حتى يوم الجمعة من أيام الآُسبوع تتقاطر على هذا الجناح جموعٌ وتغادره جموعٌ. وفي مكان آخر ، في قاعة مطالعة الصحف والمجلات اُفردَ جانبٌ منها لعرض رسومات من نوع آخر تنطوي على لمسات فنيّة من طراز متقدّم متطوّر ذات خطوط وألوان مميزة رسمها أطفال متألقون مبدعون من سنّ 6-10 سنوات.

فما أجملَها وأروعها ، منها ما هو انطباعيٌ أو تعبيريّ أو سرياليّ ، الألوانُ غريبةٌ وكذا الخطوطُ والحيواتُ، هنا ينبغي لك أن تقفَ طويلاً متأملاً بحرص ورويةٍ لتفهم مغازي اللوحات وقد لا يُسعفك الحظُ على فهمها. وقد تجدُ فيها نبضات شاكال وكاندنسكي وبيكاسو ودالي وهنري روسو.هنا الحياةُ برمتها، بكلّ حلقاتها مكرّسةٌ لرعاية الإنسان وبخاصة الطفل.

أعودُ الى المسنّ العراقي، والرعاية الأجتماعية, فقد عرضت أحدى قنوات التلفاز لقطات للرعاية الإجتماعية عندنا، حيثُ يتكوّمُ مسنّ في دار لرعاية المسنين على بلاطٍ متربٍ ، يتكيء الى جدار خرِب، ملابسه مهلهلةٌ قذرةٌ تحومُ فوقه وحواليه أسرابٌ من الذباب، والى جواره إناءٌ بلاستيكي وسخٌ.الهي كيفَ اُصدّقُ هذا المرأى المُزري لهذا المسنّ العراقي الذي يعيشُ في أغنى بلد على وجه الأرض؟؟ بينما المسنّون هنا أشباهُ ملوك غير متوّجين. في المقهى الصغير الذي ارتاده كلّ صباح من العاشرة حتى منتصف النهار أرى اعداداً من المسنين والمعاقين يتجوّلون في عربات صغيرة يدفعها ويقومُ على خدمتهم موظفون وموظفات يتقاضون رواتب عالية ، يلبّون حاجاتهم على مدار الساعة. وقد يرغبُ أحدُهم في الجلوس معنا، وتخفّ الموظفة المسؤولة عنه الى جلب القهوة وشريحة من الكيك، وتساعده في شرب قهوته وتناول كيكه. أو يقومُ هو بذلك، لكنْ ببطْءٍ شديد. قبل يومين كان لنا لقاءٌ مع نائب مدير الكومون وقال بإعتزاز: هؤلاء بناةُ السويد وبفضلهم نحظى بهذ العيش الرغيد والحياة المنظمة والمرفهة. كيف يُهملُ هؤلاء وهم مثلُنا الأعلى وبهم نقتدي ؛؛ أمّا الطفلُ فثروةُ البلاد، ديناميةُ المستقبل. فلا بدّ من رعايته علميّاً وصحيّاً وأخلاقيّاً وفقاً لمعايير العصر وستراتيجيتها . أمّا دُورُ العجرة ففنادقُ من فئة الخمس نجوم، يتوفرُ فيها كلّ متطلباتُ المسنين. نوادٍ، مطاعم، مكتبات، صالات للجلوس والإسترخاء وشرب القهوة ومشاهدة التلفاز، لكلّ مسنّ شقةٌ صغيرة، تنطوي على جميع اللوازم والحاجات. . تّرى كيف اُقارن بين مسنّ ٍ يعيشُ في زمن يتقدّمُ على زماننا بما لا يُقاسُ أو يُتخيّلُ. وبين ذلك المسنّ العراقي وأمثاله المتهالكِ على بلاط خشن قذر ٍيرفّ فوقه شرذمةٌ من الذباب. وأتساءلُ: لقد عاش أغلبُ مسؤولينا الكبارُ في الغرب ويحملون جنسياتٍ أوربية وأمريكية فلمَ لا يلتفتون الى البون الشاسع بيننا وبين الغربيين؟؟ الا تكفي ستُ سنوات على التغيير السياسي في بلدنا ليتغيّر الوضعُ ولو بنسبٍ ضئيلة؟ انّ كلّ ذي عقل يعرفُ أن ما يحدثُ في العراق من مشاكل أمنية مردّها البطالة وسوء توزيع الثروة واختفائها بسببٍ الفساد الإداري والجشع المادي وحرمان قطاعات واسعة من الشعب العراقي من أبسط حقوقها المادية والإنسانية، فإن حظىَ كلّ مواطن بحقه المادي والمعنوي في الضمان الإجتماعي، واختفتِ البطالةُ فسيتحققُ الأمانُ ويختفي العنفُ ، نحنُ هنا وكلّ قاطني المهاجرنتسلمُ رواتبنا من دون ضجة أو تذمّر أو شكوى، ففي يوم معيّن من الشهر تنزلُ في حسابنا البنكي من حيثّ لاندري، فلا نقفُ في طابور ولا نوقع على طابع ولا يصرخُ فينا أحدٌ كائناً منْ كان..وكذا الحالُ في مراجعة الطبيب وفي ركوب الباص والمترو، حتى جوازات السفر تأتينا بالبريد.كلّ شيء في الحياة يجري وفق نظام صارم دقيق لا يُجامِلُ فيه حتى جلالة الملك

ومع كلّ الأسف فما زال العراقي ينوء بتبعات الحصار الذي ورثناه من النظام السابق وكلّ الخدمات المعدومة التي يحتاجها أيُّ مواطن، لقد أعادونا الى العصور الحجرية. ان واقعنا يعاني من سوء التخطيط وتشابك المسؤوليات وتعدد المراجع بحيثُ يجتهدُ كلّ مرجع وفقاً لإنتمائه السياسي. إذاً لمَ لا يسألُ كلّ مسؤول في الدولة نفسه، وكلّ نائب في البرلمان الموقر ذاته ولو مرةً واحدة: لمَ يعيشُ الفردُ العراقي، ولا سيّما المسن ّوالأرملةُ والعاجز والطفلُ والعاطلُ عن العمل في هذا الوضع البائس؟؟ ولمَ لا يُقارن بين عيشه المرفه الرغيد والمكافآت التي تنهالُ عليه وهي لا تُعدُ ولا تُحصى، وبين معيشة هؤلاء المساكين.. ولماذا لا يسمعُ نوابنا الأجلاء تحت قبة البرلمان صراخ أرملة لها سرب من اليتامى تقف أمام دوائر الدولة ساعات النها رطولاً وعرضاُ وما يسمعها من أحد ؟؟ وبودّي لو أسأل أيضاً : كم هي الأموالُ التي تصرفه قوات الإحتلال من ثروات ألعراقيين يوميّاً على أفرادها وآلياتها؟؟ وأتحدّى كلّ أحدٍ يقول : إنها تدفع من قبل المحتلّ ، ولمَ يحظى هؤلاء الغرباء بالطعام الجيد والماء النظيف والكهرباء والأشربة والسيجاير وتُلبّى كلّ حاجاتهم؟؟ ومن السذاجة أنْ نتصوّر أنّ الولايات المتحدة بكلّ ثقلها المادي والتقني والعسكري عاجزةٌ عن تحقيق الأمن ومتطلبات حياتنا اليومية، ولمَ تغيّر النظام السابق بنظام آخر عجز حتى الآن عن توفير أبسط حاجات المواطن ؟؟ وكلّ ما يجده المواطن في السوق من بضاعة وما يوزّع عليه في الحصة التموينية عراه الفسادُ والتلف وفقد قيمته الغذائية

منِ المسؤولُ عن هذا الخلل الذي يستشري ويزداد يوماً بعد آخر..ومتى يكونُ لكلّ عراقيّ موردُ رزقٍ كريم بعيداً عن ظاهرة الطوابيروالمحسوبيات والرُّشا ، ونعتمدُ مثلَ بقية شعوب العالم المتحضرأساليب حضارية ‘ ألم يعدنا الأمريكان بالديمقراطية والعيش الكريم والأمان ؟؟ آمُلُ أن يختفي في عراقنا الجديد مرأى الأطفال وهم يجمعون القمامة من المزابل أو تركوا مدارسهم وانخرطوا في أعمال شاقة تمتهن طفولتهم وتذلّهم، وتزولَ صورة المسنّ الذي فضح آدميته المشهد الذي قدمه التلفازعنه، حتماً ثمة عشرات الألوف من أمثاله في بلد تنطوي أرضه على خزائن من الثروات ولا يدري أحد أين تذهبُ وكيف يتصرفون بها. وتختفي أيضاً صورة النساء اللاتي تملأ عيونهن الدموع وهن يقفن تحتَ قيظ الشمس طوال النهار من أجل مبلغ بخس لا يكفي لسدّ أود عيالها.. أحلمُ أحياناً ، وهذه احدي سيئات الأحلام، أن يتشابه الموقفان، موقف الإنسان في المجتمع الغربي بكلّ ثقله الحضاري، وموقفُ المواطن العراقي من حيثُ التمتع بكلّ ما يُعلي من قيمته الإنسانية والحضارية، وتكون للدولة في ظلّ نظامنا الجديد مصداقيتها وجديتها في تحقيق هذه المعادلة، ويُلغى من مُعجم حياتنا مصطلحُ مَكرُمة ِالرئيس ورئيس الوزراء، فالشعبُ الحيّ لن يقبلَ بالصدقات، وكلّ ما تمنحه له الدولة حقّ ٌ من حقوق المواطنة…

الكاتب أحمد محمد أمين

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.