ما بدأ كغضب مشروع لفقدان أرواح أبرياء في مدينة بريطانية، كشف عن أزمة، غذّتها وتغذيها سنوات من الخطاب المتطرف والكراهية والتحريض، وهي أزمة تتجاوز حدود بريطانيا نفسها.
تحوّلت شوارع المدن بين ليلة وضحاها إلى ساحة عنصرية وعنف وتطرّف. تفجّرت مشاعر كانت مخفية لدى البعض، ومعلنة لدى آخرين. وهوجم بريطانيون من أصول آسيوية وأفريقية، ومساجد، ومتاجر مهاجرين. وانتشرت أعمال بلطجة اليمين المتطرف، كما وصفها رئيس حكومة العمال البريطانية كير ستارمر.
بريطانيا شهدت لأيام تحريضاً غير مسبوق على الأرض وفي فضاء الانترنت الواسع، حيث تختفي الهويات خلف حسابات وهمية، وتتلاشى الضوابط والحدود. وتداعى متطرفو العالم من أوروبا وأميركا لـ”تحرير” بريطانيا وأوروبا من المهاجرين والغزاة.
تومي روبنسون مؤسس “رابطة الدفاع الإنكليزية” المتطرفة، كان يقود معركته من شواطئ قبرص ومطاعم أثينا. كما كان الملياردير الأميركي الجنوب أفريقي إيلون ماسك، مالك منصة X، حاضراً بقوّة عبر حسابه.
ماسك الذي نصب نفسه قائداً لمعارك ردة رقمية نحو الأصالة والجذور، تحدّث دون مواربة عن “حرب أهلية حتمية” في بريطانيا. وهاجم ملاحقة اليمينيين المتطرفين تحت شعاره الدائم “حماية حرية التعبير”، الشعار الذي حمله ماسك معه إلى مقر تويتر عندما اشتراه، فحوّله إلى ساحة مفتوحة للتطرف على أنواعه.
وفي السويد، التي باتت اليوم تصدّر المهاجرين، ارتفع صوت اليمين المتطرف المعادي للهجرة أيضاً. ونشطت حساباته الحقيقية والوهمية لأيام، محرّضة على المهاجرين والمسلمين، ومراهنة على ثورة تنطلق من بريطانيا، وتصل إلى السويد وفرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا وغيرها.
لم تعمّر أحلام اليمين المتطرف طويلاً. اجتاحت المظاهرات المناهضة للعنصرية شوارع المدن، وحوصر المتطرفون في زوايا وأزقة. لاحقتهم الشرطة إلى داخل منازلهم، وجرّت المئات إلى السجون، وما تزال حملتها في بدايتها كما توعّدت.
عاد الهدوء إلى شوارع بريطانيا. ولكنها ليست النهاية. فلا بريطانيا تعافت تماماً، ولا الكراهية اختفت، ولا اليمين المتطرف استسلم. هي معركة يومية، معركة مواجهة الكراهية بالتسامح، والتطرف بالعقلانية، ونظريات المؤامرة بسياسات واقعية تطمئن الناس وهواجسها.
وسيم حيدر