أسبوع للمناطق الضعيفة.. لكن ماذا عن بقية الأيام؟

: 6/2/23, 3:02 PM
Updated: 6/28/23, 9:19 AM
أسبوع للمناطق الضعيفة.. لكن ماذا عن بقية الأيام؟

مع صدور هذه النشرة ينتهي أسبوع يارفا السياسي، الذي بدأ يوم 31 مايو واستمر حتى 3 يونيو، فكرة الأسبوع هي أن يأتي السياسيون وصناع القرار وعدد من المؤسسات والشركات الاقتصادية والخدمية إلى منطقة تعد من الضواحي التي يطلق عليها الإعلام السويدي تعبير Utsatta områden وهو منقول عن تصنيف للشرطة السويدية لمناطق محددة جغرافياً تتميز بوضع اجتماعي اقتصادي متدن يكون فيها للمجرمين تأثير على السكان.

نحن في الإعلام الناطق بالعربية نستخدم إما الترجمة الحرفية لهذا التعبير ونقول المناطق المعرضة للخطر، أو نقول أحياناً المناطق الضعيفة، وأحياناً أخرى نستخدم تعبير قد يكون أقرب للحقيقة عندما نقول الضواحي المهمشة.

كما نلاحظ، يحاول السويديون دائماً استخدام مصطلحات وتعابير مخففة لا تلحق الأذى أو لا تتسبب بلصق أوصاف لها تبعات تنمر أو إيذاء نفسي للناس، فيما يرفض بعض سكان هذه المناطق أن يطلق عليهم مهمشون، مع أن التهميش يفرض عليهم، ولا يختارونه بأنفسهم.

بغض النظر عن التسمية، يجد البعض من السياسيين خصوصاً المحسوبين على اليمين المتطرف أن هذه الضواحي تعد بؤرة للجريمة ومصدر من مصادر إزعاج المجتمع السويدي الهادئ واللطيف والخالي من المشاكل، ويتناسى هؤلاء أن هذه المناطق هي جزء من السويد، وأن مشاكلها هي مشاكل سويدية بحتة، وأن التقصير بحل هذه المشاكل يقع بالدرجة الأولى على الدولة وعلى الحكومات وبالتالي على السياسيين الذي يمسكون إدارة البلاد.

في ندوة حوارية نظمتها الكومبس في أول أيام أسبوع يارفا بعنوان “أصوات من الضواحي” شدد المشاركون على إبراز أسس وجذور المشاكل الظاهرة للعيان وللصحافة ولوسائل الإعلام، فما هو ظاهر وواضح، جرائم إطلاق نار وتصفيات بين أفراد العصابات، وتأثير متزايد للمجرمين على المجتمع، وتجارة مخدرات تتم بشكل علني، النتيجة استياء سكان الضواحي الصريح من المجتمع، لأنهم يعانون من انعدام الأمن، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض الرغبة في الإبلاغ عن الجرائم والمشاركة في الإجراءات القانونية.

هذا ما هو ظاهر من المشكلة لكن السؤال هنا ما هي الجذور والأسس التي أدت إلى تدهور الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية؟ جذور المشكلة هي بالأساس أسباب اقتصادية ناتجة عن البطالة خصوصاً بين الشباب وتدني مستوى التعليم في المدراس، وقلة الأماكن المخصصة للأطفال والمراهقين لممارسة أنشطة ثقافية ورياضية بعد الدوام في المدارس. قلة الموارد المعيشية والخدمية هي التي تولد مشاكل المخدرات والاتجار بها، وبالتالي تزيد من عمليات القتل والجرائم الأخرى.

تقول الشرطة على موقعها الرسمي إن “الأفراد الذين يرتكبون الجرائم والمتورطون في الشبكات الإجرامية عددهم قليل جداً بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في المناطق المعرضة، لكن رغم قلة عددهم، فإن لهم تأثيراً كبيراً على المنطقة”. ويفيد موقع الشرطة أيضاً بأن كل مساحة الضواحي المعرضة، لا تتجاوز 0.02 بالمئة فقط من مساحة السويد، فيما يبلغ عدد السكان في هذه الضواحي حوالي 550 ألف شخص، وهو يمثل حوالي 5 بالمئة من سكان السويد. حالياً يوجد حوالي 24 ضاحية مصنفة من الضواحي الضعيفة، ويوجد عدد مماثل تقريباً لمناطق على وشك أن تدخل القائمة. وكما تدخل مناطق جديدة دائماً ضمن التصنيف هناك مناطق تخرج أيضاً من القائمة.

مهما يكن من أمر، فإن حقيقة تدني المستوى الاقتصادي وقلة الخدمات الاجتماعية وكثرة الجريمة، هي حقائق موجودة في هذه المناطق، والاعتراف بوجودها يسهل العمل على مكافحة المسببات لها، من الجذور، فحسب مجلس مكافحة الجريمة (Brå) هناك جزء كبير من عمليات إطلاق النار لها أساس في الضواحي المعرضة، وما يحدث في هذه الضواحي من عمليات إطلاق نار هو أكثر بـ8 أضعاف بالنسبة لحجم عدد السكان في الضواحي، خصوصاً المصنفة تصنيف كامل إنها ضعيفة تعاني من وضع اجتماعي واقتصادي سيئ.

أتى السياسيون إلى منطقة جغرافية من المناطق التي يُطلق عليها الضواحي الضعيفة، ألقوا الكلمات ونظموا الندوات ونصبت المؤسسات والشركات خيماً في الأرض المخصصة للأسبوع، وعرضت خدماتها وتناقشت مع الناس. انتهى الأسبوع اليوم، لكن ماذا عن بقية أيام السنة؟ نتمنى أن يكون أصحاب القرارات وأصحاب الشأن السياسي قد أخذوا الفكرة كاملة عن معاناة السكان هناك، كما أخذوا فكرة أيضاً عن كمية الطاقة والقدرة الإيجابية الموجودة خاصة بين شبان وشابات الضواحي، لكي يستطيعوا توظيفها في خدمة سكان هذه المناطق وفي خدمة السويد كلها. نتمنى أن يدرك السياسيون أن تراجع مستوى المعيشة وتدني التعليم وارتفاع البطالة وزيادة الجريمة، هي مشاكل تعني السويد كلها وليست مرتبطة فقط بسكان الضواحي، وكأنما هم مشكلة السويد.

نتمنى أن يرفع السياسيون شعار: السويد خالية من ضواحٍ تعاني من الضعف والتعرض للخطر والتهميش، ضواحٍ تكون مثالاً للتعايش والتنوع وتخريج الشباب المتعلم واليد العاملة الماهرة.

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.