استيقظ العالم اليوم على أخبار اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط، بدأت بهجمات إسرائيلية غير مسبوقة على إيران، في تصعيدٍ يبدو أنه فاتحة لمواجهة ساخنة، قد تتمدد زمنياً وجغرافياً في سيناريوهات يصعب التنبؤ بها.

منذ تأسيس دولة إسرائيل العام 1948، خاضت المنطقة سلسلة من الحروب المتكررة، كان أغلبها لتثبيت هيمنة وتفوق الدولة الوليدة، تغيّرت فيها طبيعة الصراعات وأساليب المواجهة. لم تعد الحروب تُحسم بجيوش جرّارة على الأرض، بل تطورت إلى حروب استخباراتية، سيبرانية، وفضائية. ومع أن إسرائيل دولة صغيرة من حيث المساحة وعدد السكان، وهذا يحرمها من مزايا استراتيجية عديدة كانت هي الحاسمة في المعارك التقليدية، فإنها سعت لامتلاك تفوق تكنولوجي ومعلوماتي، لتعويض هذا النقص.

الحرب الجديدة التي يتابعها العالم لحظة بلحظة عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل، تهدد بتحويل الأنظار عن المأساة المستمرة في قطاع غزة. فرغم مناشدات أقرب حلفاء إسرائيل، مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، لرفع الحصار، تواصل حكومة نتنياهو رفضها إدخال المساعدات الأساسية من غذاء ودواء وماء ووقود إلى سكان القطاع المنكوب، الذين شُرّد أغلبهم عن بيوتهم.

وفي السويد، ورغم التوقعات بانخفاض التغطية الإعلامية لغزة، من غير المرجح أن تتراجع الحركة الشعبية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني. وشكّلت محاولة الناشطة غريتا تونبيري الإبحار رمزياً إلى شواطئ غزة مع مجموعة من زملائها، تعبيراً قوياً عن هذا التضامن. ورغم انتهاء الرحلة باحتجاز السفينة وركابها، فإن صداها لم يختفِ، خصوصاً بعد عودة غريتا إلى السويد وتأكيدها على أن ما حدث كان “اختطافاً”.

الضرر الذي لحق بصورة إسرائيل عالمياً، وفي السويد تحديداً، واضح. إذ لم يبقَ لها كثير من الأصدقاء سوى التيارات اليمينية المتطرفة، التي تتبنى خطاب الخوف من المهاجرين، خصوصاً من أصول شرق أوسطية، وترفع شعارات “نقاء الثقافة الوطنية”.

وفي تطور مثير للجدل، التقى مؤخراً رئيس حزب “ديمقراطيي السويد” (SD) جيمي أوكيسون، بالسفير الإسرائيلي، بعد عقود من القطيعة بسبب الجذور العنصرية للحزب. اللقاء، الذي وصفه السفير الإسرائيلي بأنه “عملية طويلة ومثيرة للجدل”، لم يكن موضع ترحيب لدى جميع اليهود في السويد، خصوصاً من عائلات عانت من اضطهاد النازية. فقد عبّر البعض عن امتعاضهم من تقارب إسرائيل مع حزب يحمل ماضياً نازياً، في وقتٍ يتم فيه الخلط المتعمد بين انتقاد السياسات الإسرائيلية ومعاداة السامية.

وفي خضم هذا التصعيد، بدأت العديد من الدول مراجعة تداعيات الحرب على أمنها واقتصادها. في السويد، عبّرت وزيرة المالية إليزابيت سفانتيسون عن قلقها من تأثير النزاع على الاقتصاد السويدي “الصغير والمفتوح”، وقالت إن “التطورات الأخيرة تنذر بتصعيد يجب منعه بكل السبل”. أما وزيرة الخارجية ماريا مالمر ستينرغارد، فشدّدت على أن “أي تصعيد إضافي في منطقة متوترة أصلاً يشكل تهديداً خطيراً للسلم والأمن”.

لا رابح في الحرب

لقد أثبت التاريخ أن لا أحد يربح من الحروب في الشرق الأوسط، حتى من يخرج منها ظاهرياً منتصراً. فكل محاولة للهيمنة في هذا الإقليم المعقد تنتهي إلى انفجار جديد. وإذا كانت إسرائيل قد نجحت في تفكيك البرامج النووية لكل من العراق وسوريا، وتسعى الآن لمنع إيران من بلوغ العتبة النووية، فهل ستكون مستعدة، وربما راغبة، في مواجهة مستقبلية مع تركيا أو السعودية؟ وهل سيُسمح لإسرائيل أن تكون الشرطي النووي الوحيد في المنطقة؟

الشرق الأوسط لا يحتمل خسارة الحرب أو حتى الانتصار فيها. إذ لم يكن يوماً ساحة مستقرة للسيطرة الكاملة. وحتى أدوات التفوق الحديثة، من تكنولوجيا إلى استخبارات، لا تضمن فرض نظام دائم. البديل الوحيد هو شرق أوسط يتسع للجميع، يضمن السيادة المتكافئة، ويكفّ عن إعادة إنتاج الهزيمة عبر انتصارات وهمية.

محمود آغا