افتتاحية الكومبس

“إن لم توافقني الرأي فلستَ سويدياً”

: 11/1/24, 11:00 AM
Updated: 11/3/24, 9:48 AM
“إن لم توافقني الرأي فلستَ سويدياً”

الاعتراف بإسرائيل شرطاً للحصول على الجنسية السويدية، وسحب الجنسية ممن لا يلتزمون بـ”التعهدات” التي تفرضها ومنها “القيم المسيحية اليهودية” التي “تشكل أساس الديمقراطية السويدية”. خرجت النائبة في الاتحاد الأوروبي والقيادية في حزب المسيحيين الديمقراطيين (KD) أليس تودوريسكو موفه بهذه الأفكار مؤخراً مستعيدة فكرة تعود جذورها إلى القرن التاسع عشر وتقول إن التراث اليهودي المسيحي يشكل أساساً للثقافة في أوروبا. غير أن طرح موفه الذي قد يتبناه حزبها ويجد آذاناً صاغية لدى أحزاب اليمين ينطوي على خطورة تمس تطور السويد لا المهاجرين الذين يتبعون ديانات أخرى فقط.

بالنسبة للمهاجرين، فإن طرح موفه يعني أن على المرء أن يكون مسيحياً ديمقراطياً، أو ذا توجه يميني حتى يستحق شرف الحصول على الجنسية السويدية. فإن خالف أفكار حزبها أو اليمين فإنه لا يستحق هذا الشرف. إذ يفترض الطرح أن جميع الأحزاب والتيارات متفقة في السويد على فكرة أن التراث اليهودي المسيحي يجب أن يمثل أساس القيم الديمقراطية، وهذا غير صحيح. يرى كثيرون في السويد أن الحقوق والحريات إنما اكتسبت بالتناقض مع دولة السويد السابقة ذات التأثير الديني، ما أنتج مجتمعاً علمانياً يفصل الدين عن السياسة بشكل يكاد يكون الأكثر وضوحاً في العالم.

الكاتب في صحيفة أفتونبلادت أندش ليندبيري كتب الخميس مقالاً يعلّق فيه على اقتراحات موفه، قال فيه إن عائلته شخصياً كانت ضمن من ناضلوا ضد السلطة الدينية وطالبوا بالحرية الفردية والكرامة الإنسانية والقدرة على الإيمان بما يريدون، بالتوازي مع التحرر من كنيسة الدولة.

ناضل السويديون طويلاً من أجل الحرية والحقوق والمجتمع الحر. وحصلوا في القرن الثامن عشر على حرية “منقوصة” تستثني الملك والكنيسة من دائرة النقد. وكان على السويديين خوض نضال آخر في عصر التنوير الأوروبي للخلاص من سلطة الملك والكنيسة على الحرية الفردية.

لذلك ظلت الكنيسة، والدين في مفهوم أوسع، وعلى عكس ما تذهب إليه موفه، في المخيلة السويدية نقيضاً للحرية. باعتبار الكنيسة تستمد سلطانها من الله مباشرة. واليوم نرى بوضوح أنه عند أي نزاع بين “سلطة الدين”، أي دين، والحرية تنحاز النخب السويدية السياسية منها والثقافية في معظمها إلى الحرية.

لا يختلف طرح موفه كثيراً عما تطرحه الدول الشمولية التي تريد تنميط البشر على رأي سياسي واحد وعقيدة واحدة. بينما يواجه من يختلف مع السلطة في الرأي السياسي أو الدين إقصاءً قد يضعه في خانة الأعداء.

القيم السويدية مثل: البشر متساوون في القيمة والحقوق بغض النظر عن معتقدهم وعرقهم وتوجههم الجنسي، وحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، قيم يتفق عليها المسيحي واليهودي والبوذي والمسلم واللاديني. ويجب أن تكون معيار المواطنة، وعلى قاعدة هذه القيم يختلف الناس في توجهاتهم السياسية وآراءهم وأفكارهم ومعتقداتهم، هذه أبسط قواعد الديمقراطية العَلمانية التي تفخر السويد بأنها واحدة من أكثر دول العالم تمسكاً بها.

لم تبتكر أليس تودوريسكو موفه جديداً، فمصطلح “التراث اليهودي المسيحي” استخدم منذ العام 1829 من قبل جوزيف وولف في مجلة تبشيرية، وتتبناه اليوم بعض قوى اليمين في أوروبا في محاولة للحفاظ على ما يسمونه “الثقافة المسيحية” في مواجهة “الثقافة الإسلامية” الوافدة تحديداً. غير أن في ذلك ما يهدد علمانية الدولة.

من الصعب ربما أن تسود أفكار كهذه في السويد التي تنحاز معظم نخبها بشكل واضح للحرية والعلمانية، غير أن المد اليميني قد يحقق انتشاراً عبر تبني خطاب شعبوي يخوّف الناس من “الآخر”، مستنداً أيضاً على خطاب متطرف ينتجه البعض لدى هذا الآخر.

وسط هذا الجو، من الجيد ربما، أن يعرف المهاجرون القادمون من ثقافات مختلفة، ومنها مسيحية شرقية بالطبع، أن انتصار المفاضلة بين البشر على أساس انتمائهم الديني وثقافتهم يحولهم إلى أقلية ويسلب منهم حقوق المواطنة الكاملة. العلمانية التي ينتقدها مهاجرون باعتبارها تتناقض مع أفكارهم عن الدين هي في الحقيقة حصنهم لحرية ممارسة شعائر أديانهم، وضمانتهم لمواطنة حقيقية. في ذلك ما يزعج كثير من “المتدينين”، غير أنه الواقع. فلا يستوي أن يطالب المرء بالمساواة حين يكون ضمن “الأقلية”، ويفاضل بين البشر على أساس معتقداتهم حين يكون من “الأكثرية”. في هذا التناقض ما خرّب دولاً ونحر مجتمعات.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon