“الفضيحة السويدية – رغم شفير المجاعة استمرار تعليق دعم وكالة الأونروا”، “الصمت كنوع من الانخراط غير المعلن في الحرب على غزة”، “همسات جبانة من وزيرة الخارجية “، “غزة على شفير المجاعة – والضمير السويدي على المحك”، “هل سنستمر في مشاهدة الرضّع يُتركون ليموتوا جوعاً؟ ترامب وكريستيرشون لا يهتمان بغزة”.
هذه بعض عناوين وفقرات من افتتاحيات كبرى الصحف السويدية خلال اليومين الأخيرين. إنه تحول حاد ومفاجئ، من تغطية خجولة وجبانة وغير مسؤولة في بعض الأحيان، إلى نقد مباشر ولاذع، ليس فقط لجرائم إسرائيل في غزة، بل أيضاً لمواقف الحكومة السويدية التي وُصفت بالمتخاذلة والضعيفة.
الوصول المتأخر خير من الغياب الدائم
كما يُقال أيضًا: التأخر في الصحوة أهون من الغفلة الأبدية. نعم، هناك تعليقات عديدة شاهدناها من متابعين للصحافة السويدية، تلوم وتتأسف على غياب الدور المرجو من الإعلام في نشر حقائق الجرائم التي تُرتكب في القطاع، وحتى في الضفة، وفي مساءلة السياسيين، وهو الدور الذي عادة ما تمارسه الصحافة السويدية.
وفي مقال رأي نشرته صحيفة “داغينز ميديا” قبل أيام، وجّهت يوليا أغا، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الكومبس، نقداً حاداً لطبيعة التغطية الإعلامية للحرب على غزة، معتبرة أن الصحافة السويدية تنصلت من دورها الاستقصائي.
فبينما تفيض الصفحات بالمقالات العاطفية، وتُكتفى بطرح وجهات النظر والتغطية السطحية أو نقل التصريحات الرسمية، تغيب المتابعة الجادة للمسؤولين، وتغيب الأسئلة المحرجة التي يجب أن تُطرح.
نعم، قد يكون ثمن انتظار هذه الصحوة السويدية – والغربية إجمالاً – مرتفعاً جداً، ولكن الخطورة أن تمر هذه الصحوة مرور الكرام أمام تعنت الحكومة المتطرفة في إسرائيل، وتفسيرها للصمت الدولي على أنه ضوء أخضر، وربما برتقالي، لاستمرار إمعانها في القتل والدمار.
في افتتاحيات الصحف هذه الأيام، شاهدنا مطالبات بالشروع في مساءلة شرعية السلوك الإسرائيلي تحت شعار “الدفاع عن النفس”.
فيما كانت وزيرة الخارجية ماريا مالمر ستينرغارد ووزير التعاون الدولي بنيامين دوسا في صلب انتقادات وسائل الإعلام، التي رأت في مواقفهما استمراراً في الانخراط غير المعلن في سياسة الحصار.
إحدى الافتتاحيات تساءلت بغضب: “هل سنواصل مشاهدة الرضّع يُتركون ليموتوا جوعاً؟” بينما اتهمت مقالات أخرى الحكومة بالتواطؤ الصامت مع الاحتلال، والتخلي عن المبادئ الإنسانية التي طالما رفعتها السويد.
في صحيفة “أفتونبلادت”، طالب كتّاب بتجميد اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، متهمين الأخيرة باستخدام المساعدات كأداة حرب، ومنددين بصمت أوروبا، والسويد ضمنها، باعتباره تواطؤاً أخلاقياً.
الكاتبة أماندا سوكولنيتسكي تساءلت: “لماذا لا تستقبل السويد لاجئين من غزة كما فعلت مع أوكرانيا؟ لماذا يُسحب تصريح الإقامة من فلسطينيين عادوا إلى مناطق الخطر”؟ وأضافت: “كيف ينظر الوزراء إلى أنفسهم في المرآة وهم يرفضون إنقاذ مدنيين؟”
أنقذوا إسرائيل من نفسها
هناك صحف سويدية انتقدت تصرفات الحكومة الإسرائيلية الموغلة في التطرف والقتل، حرصاً على إسرائيل نفسها.
إحدى الافتتاحيات شددت على أن شرعية إسرائيل في أعين العالم الديمقراطي مشروطة باحترامها لحقوق الإنسان، مشيرة إلى أن الأمن لا يتحقق من خلال المجازر، وأن الدفاع لا يبرر تدمير المدنيين.
فيما رأى محللون أن ما حدث من هجوم يوم الخميس الماضي على موظفين في السفارة الإسرائيلية في واشنطن ما هو إلا مؤشر أمني خطير قد يهدد العديد من الرعايا الإسرائيليين في العالم، بل ويمكن أن يؤثر على العديد من الجاليات اليهودية.
لا شك أن الشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى مثل هذا “الدعم” المتهور الذي يصل إلى مستوى الإرهاب في قوانين الكثير من الدول، لأن قضيته عادلة وإنسانية وواضحة، لا تحتاج إلى براهين وتبريرات.
أي أعمال غير مسؤولة يمكن أن تسيء إلى إنسانية وعدالة هذه القضية، بل ويمكن لإسرائيل استغلالها للاستمرار في حربها الرامية إلى تهجير الفلسطينيين، ضمن موجة تهجير جديدة.
ما يحتاجه سكان غزة تحديداً الآن هو حماية المبادئ الدولية التي باتت في خطر، والرجوع إلى إنسانية الإنسان في التعامل مع مشاهد الجوع والقتل والدمار.
ما يحتاجه سكان غزة ليس فقط فك الحصار وإدخال الإمدادات الإنسانية مؤقتاً، بل كلمة واحدة فقط تُقال في وجه إسرائيل: “كفى”، تُقال بحزم وقوة دولية:
كفى استهتارًا بأرواح البشر. كفى استهزاءً بقوانين المجتمع الدولي وإرادته. كفى للقتل، كفى للدمار.
ليست طفرة، بل تحوّل عميق يعكس وعياً جمعياً
لا يمكننا التقليل مما نشهده الآن من تحوّل في الرأي العام السويدي والدولي. ونرى أنه سيثمر حتماً في ردع آلة الحرب الإسرائيلية، بل سيؤدي إلى محاسبة المسؤولين عن جرائمها.
ما نشهده اليوم يجب ألا يكون مجرد طفرة في الإعلام السويدي، بل من المفترض أن يكون تحوّلاً عميقاً يعكس وعياً جمعياً متقدماً على السياسة الرسمية.
فبينما تلتزم الحكومة بالصمت أو التبرير، نرى أن تحرك الصحافة يمكن أن يملأ فراغ الضمير، ويعيد رسم حدود الأخلاق في زمن الحرب، ويساهم بشكل مباشر في وقفها.
محمود آغا