الأسبوع الماضي كان حافلًا بالأحداث. بدأ بمؤتمر صحفي للحكومة أعلنت من خلاله عن بدء تحقيق حكومي بشأن سحب الجنسية السويدية، ممن حصل عليها عن طريق تقديم بيانات كاذبة، وكذلك ممن يرتكبون جرائم خطيرة.

الحرب المستمرة على غزة كانت لها تداعيات عديدة في السياسة والمجتمع السويدي، بالإضافة إلى تأثير الصورة عما يجري من وحشية وعدم اكتراث بكل ما هو إنساني، وارتفاع لهجة الانتقادات والإدانات من قبل السياسيين والصحفيين ضمن ما أطلقنا عليه “الصحوة السويدية”، نرى أن هناك نوعًا من تحديد المطالب التي على الحكومة السويدية تقديمها بشكل عملي وفعّال يتجاوز الخطابات وعبارات التعاطف مع الضحية.

استدعاء السفير الإسرائيلي إلى الخارجية كان سابقة عوّل عليها الرأي العام، منتظرًا المزيد. فيما دعت خمس من كبريات منظمات الإغاثة الدولية الحكومة السويدية إلى استئناف تقديم الدعم المالي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، مؤكدة أن الوكالة تلعب دورًا محوريًا لا يمكن الاستغناء عنه في إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

مطالبة الحكومة السويدية بالتراجع عن قرارها بوقف الدعم للأونروا بدت كأنها إحدى الخطوات العملية التي تُترجم الأقوال إلى أفعال، إضافة إلى ضرورة مشاركة السويد في الضغط على الحكومة الإسرائيلية من خلال الاتحاد الأوروبي، الذي يمكنه فعل الكثير لكسر عناد وتعنت نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة.

المتفائلون كثيرًا يريدون أن تحقق الحكومة السويدية مع من يشاركون في القتال إلى جانب الجيش الإسرائيلي من حملة الجنسية السويدية، ومعاقبة حتى هؤلاء الذين يسكنون في مستوطنات الضفة الغربية، وفق القانون السويدي، إضافة إلى مناقشة التعاون العسكري بين السويد وإسرائيل. هؤلاء المتفائلون يحاولون هنا الرد على سؤال: ماذا تستطيع السويد أن تفعل؟

أما المتشائمون فلديهم رأي آخر يتمحور حول حجة: لماذا تطالبون السويد، الدولة الغربية غير العربية أو الإسلامية، باتخاذ مواقف متشددة من إسرائيل، بينما العديد مما يسمى بالدول الإسلامية والعربية الشقيقة لا تستطيع إلى الآن أن تقول للحكومة الإسرائيلية كلمة “كفى” بشكل حازم وقوي؟

بين التفاؤل والتشاؤم تظهر لغة الواقع، التي لا يمكنها أن تُبرِّئ السويد أو أي دولة تدّعي الإنسانية والديمقراطية من مسؤولياتها تجاه ما يجري في قطاع غزة. صحيح أننا لا نطالب بأن تعود السويد كما كانت مثلاً في عهد أولف بالمه، أو كما كانت على الأقل قبل 15 عامًا، لكن ما يمكن المطالبة به هو ألا تفقد السويد إلى الأبد وجهها الإنساني ومبادئها الديمقراطية.

اليوم الجمعة، ومع نهاية هذا الأسبوع، ألقت رئيسة الاشتراكيين الديمقراطيين، مجدلينا أندرشون، خطابًا أمام حوالي 200 مندوب في مؤتمر الحزب المنعقد في مدينة يوتيبوري، أكدت فيه أن “العالم الذي عهدناه لن يعود”، مشددة على أن تعزيز أمن السويد الداخلي والخارجي سيكون أولوية قصوى في حال عودتها لرئاسة الحكومة، كما دعت إلى “تضحيات من الجميع” لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية الراهنة.

لم تكتشف أندرشون البارود عندما قالت إن “العالم الذي عهدناه لن يعود”، لأن الحياة بطبيعتها تسير وتغير كل شيء من حولها، ولا شيء يمكن أن يرجع للوراء.

لكن ما أرادت أندرشون أن تقوله هو أن حزبها يجب أن يُلائم نفسه مع المتغيرات، خاصة التي تتعلق بإرث الحرب الباردة ونظامها الدولي، وهذا للأسف ما لا يدركه الكثير من القادة والزعماء، خاصة في الدول التي يحكمها شخص واحد، أو عائلة واحدة، أو عصابة واحدة. التأقلم مع المتغيرات يتطلب تضحية وشجاعة لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، كما أضافت أندرشون في تكملة فكرتها.

يبقى العتب على الاشتراكيين وعلى الأحزاب الليبرالية واليسارية الأخرى، في حال تأقلمهم مع الواقع الذي يفرضه حزب SD من خلال تأثيره على الحكومة الحالية. مثل هذا التأقلم لا نتمناه ولا نريده، ونقصد هنا بالدرجة الأولى سياسات الحكومة الحالية، بما يخص الجنسية والهجرة والاندماج، والتضييق على ذوي الأصول المهاجرة. في هذه الحالة، ستفقد المعارضة الحالية هويتها وفي حال استمرار التماهي مع اليمين يمكن أن تفقد أيضًا وجهها.

رغم كل ذلك انتقد رئيس الحكومة أولف كريسترشون، اليوم نتائج مؤتمر الاشتراكيين واتهمهم بالانعطاف نحو اليسار، خاصة لأن الحزب أقر توصيات تتعلق بالإجازة المرضية وتعويض البطالة ورفع الضرائب على الأغنياء، تماما كأنه يريد القول للاشتراكيين، تعالوا اصطفوا إلى جانبنا في اليمين.

مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي في يوتيبوري لعام 2025، الحدث الأخير لهذا الأسبوع، يُعد نقطة تحول كبيرة في سياسات الحزب، مع التركيز على الأمن، وتشديد الهجرة، والانخراط في التحالفات العسكرية. ورغم الانقسامات الداخلية، يبدو أن الحزب يسعى لتقديم نفسه كبديل قوي في الانتخابات المقبلة، مع الحفاظ على توازنه بين الجناحين اليساري واليميني.

محمود آغا