وصل طفلان إلى المدرسة، في شتاء برد سويدي قارس، وهما في حالة يرثى لها، ويرتجفان من شدة الصقيع. نظرت المدرسة بذهول إلى الطفلين، وهما بدون معطف وبدون حذاء شتوي أو بالأحرى بدون حذاء حتى صيفي. كانا ينتعلان “شحاطة ” أو ما يسمى بلهجات أخرى” شبشب” أي نعال منزلي من البلاستيك. المدرسة اتصلت بالسوسيال الذي تحفظ مباشرة على الطفلين. اتضح فيما بعد أن الأم لاجئة من أفغانستان وحصلت على الإقامة من فترة وجيزة هي وأطفالها، وأن الأم حذرت بالفعل طفليها من أن الجو هنا بارد وعليهما ارتداء حذاء على الأقل مع الجوارب. من هو المذنب في هذه الحالة؟ وهل تستحق الأم المسكينة مثل هذا العقاب؟ بأن تُحرم من أطفالها لأنها لم تتأكد من سلامة ملابسهما قبل الخروج بالشحاطة إلى المدرسة؟
مجرد تفكيرنا بأنه من الممكن أن نفقد طفل من أطفالنا، وبطريقة شرعية وبموجب قانون في بلد مثل السويد، وبأن طفلنا قد يذهب للعيش مع عائلة بديلة غريبة عنه، سيكون ذلك بمثابة ذعر وكابوس مرعب لأي أب أو أم، لا يمكن تحمله.
قانون الرعاية القسرية والذي بموجبة يتم “سحب الطفل من أهله” يراه العديد خاصة المهاجرون بأنه عقوبة تتجاوز أي ذنب أو خطأ أو خطيئة يقترفها الأهل، ولكن هناك حقيقة ضائعة يجب تسليط الضوء عليها، خاصة في زحمة المتسلقين والغوغائيين من رواد التيكتوك الذين وجدوا بمعاناة الأهالي المتضررين ذريعة لصناعة الشهرة وحتى لجني الأموال عدا عن ممارسة التضليل والتحريض ضد السويد والمجتمع السويد، مما أضر بالجميع وبمن فيهم العائلات المتضررة من قانون الرعاية القسرية.
لعبة العزف على العواطف، دون البحث عن حلول مجدية، لا تزال مستمرة، خاصة بعد دخول الإعلام من خارج السويد، على الحلبة. مثل قناة الجزيرة التي انتجت مؤخراً وثائقي بثلاث حلقات بكلفة عالية، مع مشاهد إثارة عاطفية ولقاءات درامية صادقة، تعكس حجم ما يعانيه الأهل حين يفقدون أطفالهم. وثائقي الجزيرة حاول أن يقدم مادة مهنية، ونحن بالمناسبة أجرينا مقابلة وطرحنا على منتج الفيلم عدة أسئلة، توضح أن ما قامت به الجزيرة هذه المرة لا يستحق كل ردود الفعل السلبية عليه من الحكومة والإعلام السويدي، ولا يمكن مقارنته مع ما يقوم به بعض رواد التيكتوك الغوغائيين.
ولكن ومع ذلك الجزيرة بهذا العمل لم تضع يدها على الجرح ولم تبحث في جذور المشكلة، لأن الجزيرة لا تعيش في السويد ولا يمكنها أن تقدم أكثر مما قدمت بهذا الوثائقي بأجزائه الثلاثة.
يمكن أن يقول قائل، لماذا لا تقوم الكومبس بهذا الدور، خاصة أن الكومبس سويدية وتعيش في السويد؟ الجواب هو أن الكومبس تقوم بهذا الدور بدون إثارة وبدون لعب على عواطف الناس ومعانتهم، الكومبس قامت وتقوم بدور إعلامي يتناسب مع قدراتها ومع مسؤولياتها المهنية والأخلاقية.
ما نقوم به هو بالفعل له علاقة بلب المشكلة وبأهمية البحث في جذور الحل. ما نعتقده بشكل راسخ، أن الناس القادمين إلى السويد من ثقافات أخرى بحاجة إلى “المعلومة” التي على ضوئها يستطيعون العيش بثقة وبدون خوف ويستطيعون من خلالها تربية أطفالهم، بطريقة تضمن التوازن بين ما هو صح بالنسبة لقيم العائلة وثقافتها الخاصة، وبما لا يتعارض مع قيم وقوانين المجتمع الذي نعيش به.
المعلومة التي نحاول دائما إيصالها وبعدة طرق ووسائل، تقول إن من حق العائلات معرفة أن الطفل هنا كيان إنساني ومن حقه العيش بكرامة وأمان، وبنفس الوقت من حق العائلات معرفة أن عليهم واجب تربية أطفالهم بحزم، ولكن بدون عنف أو تعنيف جسدي أو لفظي.
والمعلومة التي نريد إيصالها أيضاً أن قوانين السوسيال لا تعني دائما سحب الأطفال. هذه القوانين حمت وتحمي وترعى عشرات أو مئات الآلاف من العائلات الضعيفة مع أطفالها، وحتى ما يسمى “سحب الأطفال” لا يُطبق إلا على مراحل وضمن حالات مختلفة.
العديد من الأطفال يسحبون من الأب أو من الأم أو من كليهما نتيجة خلافات أسرية يصبح الطفل فيها ضحية، أو نتيجة طلب من الأسرة نفسها للسوسيال بالتدخل لحماية الطفل أو المراهق.
العديد من العوائل تلقوا بلاغات قلق ولم تسحب أطفالهم، أو ربما سُحبوا بشكل مؤقت. والعديد من العائلات سُحب أطفالها نتيجة التسرع والعصبية والانفعالية التي يتعامل بها الأهل لمجرد استلامهم بلاغ القلق. فيما لو استخدموا المعلومة التي تساعدهم على التعامل مع الأمر بعقلانية وهدوء ودون كذب، لكان طفلهم قد رجع لهم وسلموا من عقاب سحبه.
المعلومة التي نحاول دائما إيصالها للناس هي أن قانون سحب الأطفال قد يكون قانونا قاسيا فعلا، ولا يتناسب مع حجم العديد من الأخطاء التي يرتكبها الأهل، ولكن هو قانون مفروض على الجميع ومن المستحيل تغييره بهذه السذاجة التي يطرحها الغوغاء، والحل هو في معرفة كيف تتجنب الوقوع في شراك المساءلة، وإذا وقعت كيف تخرج من هذا الشراك بأقل الخسائر.
وإذا شعر أحد الوالدين بالظلم عليه التركيز على الخطأ أو التجاوز الذي يرتكبه موظف السوسيال، بشكل منطقي بعيدا عن التهور وكيل الشتائم والاتهامات، وتعميم مشكلته على أساس أنها مشكلة كل السويد، كما يفعل الغوغاء. ركز على التجاوز أو الخطأ وتواصل مع المحامين ومع الصحافة، وقتها ستجد آذان صاغية.
ما نريد إثارته دائما من خلال الإعلام، عن موضوع سحب الأطفال هو أحد بل أهم مقاييس الاندماج، ليس بين الثقافات المهاجرة من جهة وبين الثقافة السويدية من جهة أخرى، بل بين المواطن والقانون، لأن هذا القانون الصادر في العام 1970 لا يزال يجد معارضين له حتى بين السويديين أنفسهم، فما بالك عند تطبيقه على لاجئين جاؤوا حديثا من بلدان عربية وإسلامية.
لذلك نعمل باتجاهين في المقالات والمناسبات السويدية نركز على ضرورة فهم ثقافة الآخر، وضرورة مراعاة ظروف القادمين من ثقافات وخلفيات مختلفة ليس في تطبيق القوانين، ولكن على الأقل في إيصال المعلومة وفي تعامل السوسيال مع العائلات المهاجرة. نحن نقول للسويديين، صحيح هناك عادات وتقاليد قد تبدو غريبة عن السويد وهناك قيم مختلفة بين المجتمع السويدي وبين المهاجرين.
ولكن هناك أيضا عادات وتقاليد رائعة عند المهاجرين يمكنكم ان تتعرفوا عليها وهناك أيضا قيم مشتركة عديدة بيننا. وهذه جهود تثمر دائما والدليل وجود اقتراح قوانين تسهل عمل السوسيال وتدخله قبل تفاقم المشكلة، وهذا ما سيتم شرحه قريباً من قبل الأستاذ فاروق الدباغ بمادة منفصلة.
الاتجاه الثاني الذي نعمل عليه دائما يتعلق في وسط المجموعة التي تتابعنا، نحن دائما نحاول نقل صورة صحيحة عن المجتمع السويدي، وكيف تسير الأمور هنا، ليس من خلالنا كقناة إخبارية بل أيضا من خلالنا كمنصة تلاقي المختصين والسياسيين والنقابيين والمثقفين وتجمع وتطرح الأفكار المختلفة.
نحن على كل حال نحاول. وبدون مساعدتكم لا نستطيع الوصول إلى نتائج، كان من الأسهل علينا أن ننشر ما يريد سماعه الناس المتأثرين بسحب الأطفال بشكل عاطفي، كما يفعل الباحثون عن الشهرة. لكننا اخترنا الطريق الصحيح والصعب، لأننا كما نقول دائما السويد بلد الإنسانية، صحيح، لكن السويد لا تؤمن بالدموع ولا بالعواطف. إنسانية إنقاذ طفل من الخطر، أهم بالنسبة لهم من عواطف ودموع أهله، مرة أخرى هذه فقط معلومة وليس رأي.
محمود آغا