الانزعاج من حقيقة المقارنة بين حرق المصحف وحرق التوراة

: 2/3/23, 1:59 PM
Updated: 2/6/23, 4:22 PM
الانزعاج من حقيقة المقارنة بين حرق المصحف وحرق التوراة

يقول الفيلسوف والباحث الألماني فريدريك نيتشه: “لا تعتقد بأن قول الحقيقة سوف يقرّبك من الناس، الناس تحبّ وتكافئ من يستطيع تخديرها بالأوهام، منذ القدم والبشر لا تعاقب إلاّ من يقول الحقيقة، إذا أردت البقاء مع الناس شاركها أوهامها”.

للأسف لا تزال أقوال نيتشه صالحة وتنطبق على البعض ممن يريدون فقط سماع ما يستهويهم وما يحبون سماعه والإصغاء لمن يخدرهم بالأوهام، وعندما تجرب أن تقول لهم المعلومة الصحيحة، فالتهمة لك جاهزة: عميل، بوق، مطبل، صاحب أجندات، إلى غير ذلك من اتهامات ومصطلحات تغزو وتعشعش في رؤوس هؤلاء الرافضين للحقيقة، حقيقة أنهم يعيشون الآن في مجتمع غير مجتمعاتهم.

تصريح السفير الإسرائيلي في ستوكهولم الذي تبجح به بأنه هو من أوقف حرق التوراة، وتبني وسائل إعلام عربية ومنها الجزيرة لهذا التصريح وكأنه أمر واقع، نزل على قلوب البعض كالثلج، لأنه تصريح يثبت نظرية أن السويد تتعامل بازدواجية مع المسلمين، وبأن إسرائيل هي قوة لا تضاهيها أي قوة أخرى، والأهم من ذلك يؤكد هذا التصريح أن المسلمين في السويد كثر لكنهم “قليلو بركة” أي عدد من دون فعل، فهم لم يستطيعوا كمواطنين وكجزء من السويد وقف حرق المصحف، كما أن السفارة الإسرائيلية وحدها دون جميع سفارات الدول العربية والإسلامية في السويد، هي صاحبة النفود والكلمة لدى السلطات السويدية.

في الحقيقة أن تصريح السفير الإسرائيلي ومع أنه مغلوط ولا يمت للحقيقة بصلة، فإنه تصريح مدروس واستطاع كشف هشاشة تطبيق مبدأ “حرية التعبير” من جهة وكشف ضعف التواجد الإسلامي المنظم والمؤثر في بلد ديمقراطي مثل السويد، أي أن التصريح أصاب عصفورين بحجر واحد، ورغم أن الكومبس الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي كشفت ادعاء السفير، فإن التصريح أعطى مفعوله وأصاب العصفورين إصابات مباشرة.

عندما اتصلت الكومبس بالخارجية السويدية تستجلي أمر تصريح السفير المثير للجدل، كان جواب الوزارة واضحاً، منح تصاريح التظاهر وحرق الدمى والكتب والرموز من اختصاص الشرطة حصرياً ونحن لا نتدخل بعمل سلطة أخرى. وهذا أمر معروف في الإدارة الحكومية في السويد، لكل سلطة استقلالية في اتخاذ قراراتها ضمن اللوائح المحددة لها، ولا يمكن لوزير الاتصال والتأثير على عمل مؤسسة حتى ولو كانت تابعة له، أي أن وزير الداخلية لا يمكنه الاتصال بقائد الشرطة والطلب منه أو حثه أو التلميح له على اتخاذ قرار ما حتى ولو كان صغيراً.

الكومبس لم تكتفِ برسالة الخارجية التوضيحية بل طلبت من الخارجية أن ترسل لنا نسخة عن المراسلات بين الوزارة السويدية والسفارة الإسرائيلية، وهذا ما حدث بعد أقل من 24 ساعة على طلبنا كانت الوثائق معنا.
اتضح أن السفير إذاً يكذب، لأن من أوقف حرق التوراة فعلاً هو ضغط شخصيات وجمعيات إسلامية على مقدمي طلب حرق التوراة للتراجع عن هذه الفعل المسيء للإسلام وللمسلمين، إضافة إلى جهودنا وجهود غيرنا الإعلامية.
اللافت أن عدد من التعليقات التي هاجمت الكومبس لنشرها خبر تكذيب السفير الإسرائيلي، كانت لا تريد سماع الحقيقة، وتريد أن تبقى في أوهام نظريات المؤامرة وأن تستمر في حالة الشعور بالظلم الواقع عليهم، لإثبات أن السويد تظلمهم وتعاملهم معاملة غير عادلة.

قسم آخر ممن علقوا تعليقات مسيئة للكومبس انزعجوا لأننا انتقدنا قناة الجزيرة، لأن هذه القناة بنظرهم منزهة عن الخطأ، واعتقدوا بأننا على خلاف أيديولوجي وسياسي مع هذه القناة، والحقيقة أننا نكن كل الاحترام للجزيرة ولغيرها من القنوات، ولكن من واجبنا بيان أي خطأ يقعون به خاصة عندما يتعلق الأمر بالسويد، لأننا نحن على دراية وعلم وقرب من الأحداث التي تجري هنا، وهذه ليست المرة الأولى التي نصحح فيها للجزيرة أخطاء مهنية فاحشة، المرة الأولى عندما كرروا ما نشرته صفحات صفراء عن أن الطفلة ميريام التي تبنتها عائلة من المثليين هي مسلمة وانتزعها السوسيال من أهلها، وعندما تواصلنا مع جدة الطفلة، فوجئت وقالت إن الطفلة سويدية الأم والأب اثنياً وإن السوسيال لم ينتزعها من أهلها.

ما نريد قوله والتأكيد عليه أن السويد صحيح بلد ديمقراطي ولديه قيمه ومبادئه الدستورية والقانونية، لكنه أيضاً ساحة تفاعل بل ساحة صراع أيضاً ضمن معايير اللعب بين مختلف القوى، وكما ندعو دوماً يجب على العرب والمسلمين أن يكون لهم كيان يفهم لوائح وضوابط اللعب مع القوى الأخرى.

هناك من لا يزال يلح بالسؤال ماذا لو لم يسحب المتقدمون لحرق التوراة طلبهم؟ ماذا لو تقدم أشخاص جدد بحرق علم المثليين، كما وردنا من عدة متابعين؟ هل ستوافق الشرطة؟ في الحقيقة نحن لا نعرف الإجابة، من الناحية النظرية يجب أن تمنح الشرطة تصاريح للجميع بغض النظر عن هوية المتقدم وما ينوي فعله، ولكن من الممكن أيضاً أن ترفض الشرطة بدعاوى مختلفة، فنحن لا نعلم فيما إذا أي سفارة عربية أو إسلامية أرسلت رسالة مثل السفارة الإسرائيلية إلى الخارجية السويدية، للتحذير من مخاطر معينة، ولا نعلم فيما إذا قامت الخارجية السويدية بدورها بإرسال هذا التحذير للشرطة السويدية؟

نحن كصحافة نقوم بدورنا في البحث عن الحقيقة وفي تقديم المعلومة الصحيحة، ونحن سنخالف نيتشه في هذا الوقت ونقول إن قول الحقيقة سوف يقرّبنا من الناس، مع أننا نعلم أن البعض يحبّ ويكافئ من يستطيع تخديرهم بالأوهام.

د.محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.