افتتاحية الكومبس

الجهل والحسابات الوهمية وقود الفتن بين السنة والشيعة حتى في السويد

: 7/19/24, 5:01 PM
Updated: 7/23/24, 7:56 PM
الجهل والحسابات الوهمية وقود الفتن بين السنة والشيعة حتى في السويد

من المفترض أن أغلب المهاجرين من دول الشرق الأوسط تحديداً ومن دول إسلامية عموماً، تركوا بلدانهم بحثاً عن حياة أفضل، ينعمون فيها بالمساواة وحرية التعبير والكرامة والعمل، لكن للأسف هناك من يصر على أن يحمل معه مخلفات الماضي، ويتمسك بما كان عائقاً أمامه لكي يبقى في وطنه معززاً مكرماً.

المتابع للتعليقات والردح المتبادل على تقرير أعدته الكومبس حول إحياء يوم عاشوراء، قد يشعر بالمرارة من هول هذا المستوى من التفكير ومن هذه الدرجة الجائرة للاستخدام المسيء لحرية التعبير. وأنت تقرأ بعض هذه التعليقات تكاد تقتنع أن بعض الناس هنا، ما زالوا يعيشون فقط جسداً في السويد، ولم يستفيدوا أو حتى يفكروا بالاستفادة من دروس تركهم لأوطانهم، بعد أن خربت بعض هذه الأوطان، تماماً بسبب ما يمارسونه هنا.

ما قد يثير الشفقة على هؤلاء وبنفس الوقت يبعث الأمل والاطمئنان، أن أغلب من يحرك النعرات الطائفية بين السنة والشيعة من خلال التعليقات، هم إما أصحاب حسابات وهمية أو تعليقات تعود لقلة يثور غضبها بسرعة ولا تجد إلا الردود قصيرة النفس التي تعتمد على السب والشتائم.

هم قلة صحيح لكن خطرهم كبير

نعم هؤلاء المسيئين من أصحاب حسابات وهمية أو من مجموعة الجهل والعصبية الطائفية، هم قلة، لكن لا يمكن التغاضي عن خطرهم ولا يمكن السكوت على ما قد يتسببون به حتى في دول الغربة.

قد يقول قائل لماذا الكومبس لا تمنع أو لا تحذف التعليقات؟ نعم نحن نحذف ما نستطيع من التعليقات المسيئة ونحظر العديد من أصحابها، وبالفعل قمنا بحذف عشرات التعليقات المخالفة، ولكن هذا ليس هو الحل الوحيد، لأن هذه الظاهرة منتشرة على مواقع إعلامية كبيرة وفي كل أنحاء العالم للأسف.

ما يهمنا هنا هو لفت الانتباه إلى هذه الظاهرة الخطيرة، والحديث بجرأة وشفافية عنها، والبحث في الحد منها، خصوصاً من خلال بيان الحقائق التالية:

كما قلنا ونعيد هنا بشكل مختصر، إن نسبة المسيئين قليلة جداً مقارنة بعدد الأغلبية الصامتة التي لا تريد التعليق والمشاركة بما قد يعتبرونه “سخافة طائفية” وأن هناك بالفعل حسابات وهمية لها ولجزء منها أجندات سياسية.

على ذكر السياسة هنا من المفيد أن نعود لجذور هذا الاستغلال الرخيص للفروقات بين ما يسمى “سنة” و”شيعة”

مع أن هناك من يعتبر أن هذه المسميات ليس لها أصل بالعقيدة الإسلامية الأصيلة، هؤلاء ومن الجهتين يقولون إنهم فقط مسلمون.

لا شك أن هناك جذور تاريخية لهذا الاستغلال، لكن أي باحث محايد سيرى أن الخلاف سياسي، جرى فيه استغلال للرموز الدينية، لكن المشكلة الكبرى هنا هو استمرار الطابع السياسي للخلاف رغم تبدل الأزمان والبشر، وتغير الظروف التاريخية وأنظمة الحكم وموازين القوى العالمية، وفي كل حقبة زمنية يجري تسخير هذا الخلاف في خدمة السياسات السائدة.

قد يقول قائل لماذا يكون الخلاف أشد بين السنة والشيعة دائماً من الخلافات مع المذاهب والأديان الأخرى، الجواب على هذا السؤال قد يقرب لنا فهم طبيعة استغلال هذا الخلاف.

أولاً: من المعروف أن الخلافات الأشد قسوة هي دائما تكون بين الجهتين الأقرب لبعضهما، لا يوجد ما هو قريب للسنة أكثر من الشيعة والعكس صحيح. تماماً مثل الصدامات التي تحدث عادة بين فرق “دربي” في نفس المدينة.

ثانياً: طبيعة الصراعات الحالية في منطقة الشرق الأوسط تتطلب خلق وتأجيج هذا الصراع بين المسميين، تكريساً لما أشرنا له، وهو استمرار الطابع السياسي للخلاف رغم تبدل الأزمان والبشر.

تطابق بين مكونات الدين ما عدا السياسة

هناك من يعتبر أن الدين، أي دين يتألف عادة من عدة مكونات أو مفاهيم مختلفة، أو بالأحرى يجب أن يُفرق بينها، البعض يعتبر أن هذه المكونات هي أربعة: الهوية، والثقافة، والعقيدة، والسياسة.

نحن أكدنا أن الخلاف أو تغذية الخلاف بين “السنة” و”الشيعة” يعتمد على الشق السياسي، نعم هناك أحزاب إسلامية قامت على أسس طائفية، وهناك أنظمة حكم ميزت نفسها أيضاً على أنها تمثل أو تحمي السنة، وهناك بالمقابل أنظمة أخرى شيعية. عندما نتناول المكون السياسي الحالي كجزء من الدين الإسلامي، يمكننا أن نرى بوضوح الاستغلال الحاصل للخلاف بين الطائفتين. استغلال يمكن أن يصل ليس فقط للتناقض، بل للتوافق أيضاً، حسب ما تمليه المصالح السياسية، ونقصد هنا التحالف بين إيران الشيعية وحماس السنية. أو بين تحالف أذربيجان الشيعية ضد إيران مع إسرائيل، في حربها ضد أرمينيا المسيحية.

في بقية المكونات الثلاثة، نكاد لا نجد فروقات تذكر بين الطائفتين، عقائدياً هناك فرق شاسع بين بعض الفرق الشيعية فيما بينها أكبر بكثير من الفروقات بين السنة التقليدية (الأزهرية) والشيعة التقليدية (الإثني عشرية) كذلك الحال هناك تيارات سنية بعيد كل البعد عن بعضها البعض.

السويدي لا يفرق كثيراً بين علي السني ومحمد الشيعي

من المهم أن نعرف أيضاً، أن هنا في الغربة لا أحد من السويديين يهمه أن يعرف تفاصيل هوية محمد الشيعي والفرق بينها وبين هوية علي السني، الطائفتان لهما هوية دينية واحدة أمام الآخرين، خصوصاً عندما نتحدث عن أغلبية مسلمة من الطرفين غير ملتزمة بالشعائر لكنها تفتخر وتعتز بهويتها الإسلامية.

يبقى لدينا المكون الأخير، وهو الثقافة، التي تطغى أحياناً حتى على الطقوس الدينية وتؤثر بها، لذلك لا نرى فروقات تذكر بين المسيحيين الشرقيين وبين المسلمين المشاركين معهم بالتاريخ والجغرافيا والانتماء الوطني، وأن الفرق الثقافي شاسع مثلاً بين مسلم من جنوب أو وسط أسيا وبين مسلم من البوسنة أو من كوسوفو. كما هو الفرق كبير أيضا بين مسيحي أوروبي ومسيحي إفريقي، مثلاً. طبعا نحن لا نقول إن هناك فروقات حضارية أو فروقات أخلاقية أو سلوكية، لا على الإطلاق، ولكن شئنا أم أبينا هناك فروقات ثقافية وفروقات بالعادات والتقاليد. هذه الفروقات تكاد أيضاً أن تكون معدومة بين السنة والشيعة في منطقتنا. لذلك يمكننا القول إن تغذية الخلاف بين “السنة” و”الشيعة” يعتمد فقط بالأساس على متطلبات وخطط المصالح السياسية، هكذا كان تاريخياً وللأسف يستمر إلى الآن، وقود هذا الخلاف هو الكثير من الجهل والقليل من الحسابات الوهمية الموجهة. وللحديث بقية، ولكن إلى اللقاء.

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2025.
cookies icon