“حكومة السويد تريد تقليداً أعمى للدنمارك
ليس فقط إغلاق الحدود بوجه اللاجئين، بل تشجيع الراغبين منهم بالعودة إلى أوطانهم مقابل بعض المال، إلى هنا وصلت الأمور في السويد. وزيرة الهجرة، ماريا مالمر ستنيرغارد، وفي بيان لها أعلنت صراحة أنه “من الجيد أن يتم عرض المال على أولئك الذين يرغبون بالعودة طوعاً”، لافتة إلى أن “الأمر لم يكن يحظى بأولوية سابقاً ولذلك قلة من المهاجرين تعرف عنه”.
المساومات بدأت بعشر آلاف كرون للفرد، والآن يجري الحديث عن مبلغ 350 ألف كرون حسب آخر تداولات السياسة الحكومة ومقترحاتها. برامج تشجيع اللاجئين على العودة لأوطانهم الأم، ليست جديدة، بل هي وموجودة حتى في زمن السويد اليساري، أيام “الرفيق النقابي” ستيفان لوفين، لكن الجديد مع حكومة اليمين المدعومة من اليمين المتطرف هو توسيع الفكرة لتصل حتى إلى المواطنين، أي حملة الجنسية السويدية.
فكرة بدت مجنونة وغير واقعية، كيف تتخلى السويد عن جزء من مواطنيها، ليس كسابقة قانونية فقط، بل من ناحية عملية أيضاً، خاصة أن آخر الإحصاءات الديمغرافية بينت أن السويد تخسر سكانها، وأعداد المهاجرين منها أصبح أكثر من أعداد المهاجرين إليها لأول مرة من 50 سنة.
الأدهى من ذلك أن المحقق نفسه الذي عينته الحكومة لدراسة موضوع زيادة البدل المالي للعودة الطوعية، توصل إلى استنتاج بأن المقترح فاشل، بعد أن خلص إلى أن زيادة الدعم المالي لتشجيع المهاجرين على العودة الطوعية إلى بلدانهم لن يكون لها تأثير كبير وقد تضر بالاندماج في السويد.
وكتب المحقق الذي يدعى يواكيم روست في التقرير الذي تسلمته الحكومة، أن رفع الدعم المالي للعودة لن يكون له تأثير ملحوظ ولن تكون “خطوة مناسبة”. وقال إن مبلغ الدعم الذي يبلغ 10 آلاف كرون، يجب أن يرتفع إلى 350 ألف كرون ليحقق نتائج ملموسة، وهو ما قد يؤدي إلى عودة فقط حوالي 700 شخص سنوياً. واعتبر أن الفائدة الاقتصادية من ذلك ستكون ضئيلة، كما أشار إلى أن المساعدات الكبيرة قد تضر بعملية الاندماج لأنها ترسل رسالة إلى الفئات المستهدفة بأنها غير مرحب بها في السويد.
وهنا بيت القصيد، من وراء الاقتراح، هو تعميم هذه الرسالة على جزء معين من المواطنين، وهذا ما دعا أحد متابعي الكومبس إلى وصف ما يحدث بعملية بيع تقوم بها السويد للتخلي عن مواطنيها، والاستخفاف بمواطنتهم.
رغم كل ذلك لم تقتنع الحكومة ومن خلفها حزب الـ SD مهندس الاقتراح، حيث قوبلت نتائج التحقيق بالتشكيك من قبل وزيرة الهجرة، وبانتقادات شديدة من قبل الحزب الداعم للحكومة.
المفارقة الأخرى أن وزيرة الهجرة وفي معرض رفضها لنتائج المحقق، قالت إن هذه النتائج تخالف ما حصل في الدنمارك، حيث تم رفع المساعدات بشكل كبير وزاد بالتالي عدد العائدين. والسؤال هنا لماذا إذا أجرت السويد تحقيقا حول خططها، طالما هي مقتنعة أن “التجربة الدنماركية” ستكون القدوة لها وطالما هي وحكومتها مقتنعين أن لا فرق بين الدنمارك والسويد، مع أن الفرق شاسع من حيث الطروف وعدد السكان ومساحة البلاد، فهل ترغب السويد بتقليد الدنمارك حتى ولو بشكل أعمى؟
بهذا الصدد وصف المتحدث باسم سياسة الهجرة في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أندرس يغيمان، التحقيق بأنه “فشل للحكومة”. وأضاف “يبدو من التحقيق أنه كان بإمكان الحكومة البحث في غوغل عن بعض الأشياء بنفسها بدلاً من إهدار أموال دافعي الضرائب”.”
إصرار الحكومة والحزب الداعم لها على صواب توسيع دائرة العائدين الطوعيين لتشمل المجنسين، واستهتارهم بنتائج التحقيق الحكومي الذي جاء عكس توجهاتهم وخططهم، يدل على أن هذه الحكومة تثبت من يوم لآخر سياساتها التي تقترب من سياسة العداء للهجرة على أسس عنصرية، وليس على أسس مصلحة السويد وسمعتها. فهل فعلا بدأت السويد ببيع مواطنيها، بدل تعزيز الاندماج ووضع حلول وطنية لكل المشاكل التي تعتقد هذه الحكومة أن سببها الهجرة واللاجئين القادمين تحديداً من مناطق معينة في العالم؟