من الطبيعي أن يختلف السوريون اليوم، أن تتباين آراؤهم وتتعدد توجهاتهم، لكن ما لا يريدونه هو التبعثر على أسس طائفية أو فئوية. ورغم أن البعض يحاول دفعهم نحو الاصطفاف خلف مسميات بعيدة عن سوريتهم الجامعة، فإن ما هو واضح أن هناك من يسعى لإعادة تشكيل هذا الشتات، بما يخدم مشاريع لا علاقة لها بالوطن.

الجسد السوري، المنهك بعد استئصال نظام مزمن، يبدو وكأنه فقد جزءاً كبيراً من مناعته، ولا يزال في غرفة الإنعاش، يطلب وقتاً ليستعيد عافيته. ومع ذلك، هناك من يسعى لنهش هذا الجسد، واستغلال لحظة ضعفه.

ما تمر به سوريا اليوم يُغري المتربصين بها. هناك من يرى أن الفرصة مواتية للانقضاض على هذا الجسد المريض بهدف تقطيعه، والمؤلم أكثر أن بعض أبناء هذا الجسد يساهمون – عن قصد أو غير قصد – في إطالة أمد مرضه، وربما يعينون أعداءه في تنفيذ مخططاتهم.

للتذكير فقط: سوريا الحالية التي تبلغ مساحتها 185,180 كم²، كانت تبلغ أكثر من 201,000 كم² قبل الحرب العالمية الأولى. ومشروع تقليص هذه المساحة لا يزال مستمراً حتى اليوم.

أمام هذا المشهد الغامض لمستقبل سوريا، يتساءل كثير من السوريين، لا سيما في السويد: ما هو دوري؟ ما الذي ينبغي عليّ فعله؟ هل هي بالفعل “مؤامرة” كما يُشاع؟ هل كل شيء مخطط ومباع سلفاً؟

من حق السوريين أن يختلفوا، أن تتعدد رؤاهم وتوجهاتهم، وأن ينقسموا بين متشائمين ومتفائلين بدرجات متفاوتة. هناك متفائلون، حتى بين من كانوا مؤيدين للنظام السابق، يؤمنون بإمكانية قيام سوريا جديدة، بديكتاتورية أقل وكرامة أكثر. هؤلاء يتمنون أن ترى بلادهم طريق التعافي، فيما نجد متشائمين، حتى من بين المعارضين والثوار، يشعرون بأن الأمل يتضاءل.

درجات التفاؤل والتشاؤم تحدد، إلى حد كبير، حجم المساهمة الممكنة في تعافي البلاد أو في تعميق أزماتها. فالتشاؤم المفرط قد يؤدي إلى حالة من اللامبالاة والإحباط والاستسلام لنظريات المؤامرة. بينما التفاؤل المفرط – خصوصاً من بعض “الرومانسيين الثوريين” – قد يجعلهم عرضة لخيبات أمل مؤلمة إذا لم تتحقق آمالهم سريعاً.

المحتوى التحريضي معول هدم

هذا الانقسام حاضر أيضاً بين السوريين في السويد، وفي المغترب عموماً. فبعد سقوط النظام السابق، اندفع العديد من الأفراد والمجموعات لتأسيس مبادرات وجمعيات، وحتى تنظيم وفود لزيارة الوطن. لكن من الواضح أن سوريا لا تحتاج اليوم فقط إلى خبرات المغتربين العلمية أو الأكاديمية، ولا حتى إلى الأموال والاستثمارات، بل تحتاج قبل كل شيء إلى مساهمات صادقة وشجاعة تساعد على خلق بيئة للحوار، وقبول الآخر، واحترام التعددية، ومعالجة تراكمات الماضي.

بعبارة أخرى، ما نحتاجه هو تغيير في طرق التفكير البالية والهدامة، ومنها التعلق المرضي بنظريات المؤامرة، وترسيخ ثقافة ديمقراطية حقيقية.

ما يبعث على الحزن أن بعض الشخصيات المحسوبة على النخب، تتبنى أفكاراً محبطة، وتتأثر بإعلام أحادي النظرة، يُروّج لرؤية تختزل العالم في فاعل خارجي يتحكم بكل شيء.

هذا النوع من التفكير يسلب الإنسان إرادته، ويغذّي شعور العجز. بينما الحقيقة أن لكل شخص، مهما كان موقعه، قدرة على التأثير، على الأقل بنشر روح التفاؤل، والابتعاد عن السلبية. وهذا بالضبط ما يمكن أن يفعله المغتربون السوريون اليوم، لا سيما في مواجهة من ينشر – عن جهل أو قصد – مواد تحرّض على الطائفية أو الانتقام أو الكراهية.

إن إعادة نشر أي محتوى تحريضي من وسائل التواصل الاجتماعي، دون تمحيص أو تفكير، هو بمثابة معول هدم لآمال السوريين في بناء وطنهم الجديد. قبل أن تصدق أو تنسخ أو تعيد نشر أي مادة، اسأل نفسك عن مدى صدقيتها، وعن الهدف الحقيقي من نشرها. وهذا أضعف الإيمان.

لا يمكن بناء دولة مستقرة دون ترسيخ مفهوم المواطنة، الذي يفصل بين الانتماء الوطني والانتماءات الدينية أو الطائفية أو الثقافية. فالمواطنة تعني المساواة في الحقوق والواجبات، وفي مقدمتها حرية التعبير، دون تخوين أو تشهير أو تنمّر.

وهنا يأتي دور المغتربين السوريين، خصوصاً في دول ديمقراطية كـالسويد. من الطبيعي أن يكونوا في طليعة من ينشرون هذه القيم، ويبددون المخاوف منها. لكن المؤسف أن بعضهم، للأسف، يفعل العكس تماماً، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي.

محمود آغا