افتتاحية الكومبس

السويد تتغير.. فماذا عن المهاجرين؟

: 2/2/24, 2:01 PM
Updated: 2/6/24, 12:54 PM
السويد تتغير.. فماذا عن المهاجرين؟

السويد تتغير، ليس ذلك مرتبطاً بأربع سنوات من حكم اليمين المتحالف مع SD فقط. التحول نحو الناتو يجلب معه تغييرات عدة، بدت طلائعها مع “خطاب الحرب” وزيادة الاستعداد والتجنيد وقدرات قوة الدفاع.

ليس هذا التحول الوحيد في بلاد أقام فيها السلام طويلاً. الخطاب العام للحكومة تأثراً بأيديولوجيا SD يخلق انقساماً على المدى الطويل، سواء الخطاب المتعلق بقضايا العالم، أو ذلك الموجه للداخل وخصوصاً فيما يتعلق بصورة المهاجرين التي يتم تصديرها للرأي العام. يترافق كل ذلك مع ضغوط اقتصادية تصيب الطبقة الوسطى وقطاعات الرعاية، بينما تصرخ البلديات والمحافظات من عجز يؤدي إلى تآكل منظومة الرعاية لصالح القطاع الخاص ربما.

يستطيع المهاجر أن يلحظ كيف تغيرت السويد في السنوات الأخيرة، حتى في أبسط تفاصيل الحياة اليومية، سواء بابتسامة هنا أو بعبوس هناك.

قيم راسخة في المجتمع صار يجري التعبير عنها بشكل ضبابي. “الناس متساوون في القيمة”، واحدة من القيم الأساسية التي فشلت الحكومة في الدفاع عنها أمام ما يجري في غزة مثلاً، أو حتى حين الحديث عن استعداد السويديين للدفاع عن بلدهم، جرى تمييز المهاجرين منهم بشكل مختلف وعلى لسان أعلى رأس الهرم، رئيس الوزراء، هذه المرة.

وعل كل حال، فإن الكومبس أطلقت استطلاع رأي بين متابعيها عن مدى استعدادهم للدفاع عن البلاد، وسيظهر الاستطلاع لاحقاً ما إن كانت تصورات كريسترشون أو الصورة التي يريد تعميمها صحيحة.

تقرير الأجيال يقدم أيضاً صورة ضبابية للمستقبل. شباب السويد أصبحوا أقل إيماناً بالديمقراطياً وأكثر ابتعاداً عن السياسة. وفي الانتخابات الماضية صوتت غالبية طلاب المدارس رمزياً لحزبي المحافظين وSD.

ينكفئ الشباب على فردانيتهم، ليس ذلك مستغرباً في الأزمات، لكن المرعب أن يتراجع إيمانهم بالحلول الديمقراطية للمشكلات، فحينها قد يصبحون فرائس لأفكار الانقلاب على كل القيم التي ميزت السويد طويلاً.

تجري كل هذه التحولات، والمهاجرون، خصوصاً الناطقين بالعربية منهم، شبه غائبين عن دوائر التأثير أو حتى عن إسماع صوتهم، سوى عبر التذمر على وسائل التواصل.

مشاركة الناطقين بالعربية في استطلاعات الرأي ضعيفة، رغم أنها أبسط وسائل التعبير عن الرأي ومن أكثرها تنظيماً. ناهيك عن حضور جمعياتهم في المشهد الثقافي والسياسي والمجتمعي.

نحن نخاطب بعضنا بعضاً، ونشتم بعضنا بعضاً، ويكتفي المتذمرون منا برسم صورة قاتمة للسويد، كل السويد، دون ملاحظة الفوارق الهائلة بين قواها وأحزابها ونخبها ووسائل إعلامها، ودون ملاحظة الصراع القائم على القيم التي تحكم البلاد، وإمكانية التأثير على سياساتها.

أمام التحولات التي يعيشها المجتمع السويدي، تبدو مشاركة المهاجرين المجتمعية والسياسية أمراً حتمياً، لتغليب القيم التي تجعلهم أساساً في المجتمع، لا هامشاً تتقاتل الأحزاب للخلاص من “مشكلاته”.

لا بديل عن تشجيع الشباب على المشاركة السياسية والمجتمعية، لكن انطلاقاً من الإيمان بالديمقراطية، وبقيم المجتمع، لا مشاركة يريدها البعض حصان طروادة داخل مؤسسات الدولة.

المشاركة ضرورية في صنع القرار في المؤسسات والبلديات، دون أن ينقل المهاجرون معهم أمراض المجتمعات التي جاؤوا منها. المحسوبية والواسطة والتحيزات الطائفية، صارت ربما واحدة من شكاوى المهاجرين ضد بعضهم في بعض الأماكن. وليس في ذلك ما يخدم الدفاع عن فكرة التنوع في المجتمع السويدي.

قد يكون ما تشهده السويد الآن مخاض تحول، الصراع الأساسي فيه بين فكرة التعدد الثقافي، ومحاولات فرض الثقافة الواحدة. لن يكتب للأخيرة النجاح لأنها تسير بعكس حركة التاريخ، وتخالف الديموغرافيا، لكن مجرد محاولة فرضها قد تدفع المجتمع إلى حافة الهاوية، فتزداد الأزمات وتتعقد المشكلات على أبواب انقسام خطير.

التطرف لم يكن أبداً حلاً ناجعاً لمواجهة التطرف، بل إنه يغذي البيئة المناسبة لتحريض المجتمع على المهاجرين. لذلك من الضروري عزل أي صوت متطرف يضع المهاجرين في مواجهة مع مجتمعهم، بدل ردم الهوة التي تزداد اتساعاً.

حين يحترق البناء، لا تنجو إحدى شققه من النيران أو الدخان السام. محاولة النجاة بشقة دون إطفاء النار تغدو حينها ضرباً من الوهم. وما أكثر الأوهام التي تتصدر المشهد في هذا العالم!

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.