“سوف تشرق الشمس”، يستعير رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترشون ربما فحوى عنوان رواية أرنست همنغواي ليعطي صورة مفعمة بالأمل عن سويد الغد بقيادة حكومته.
في بيان الحكومة الذي تلاه أمام البرلمان الثلاثاء في منتصف ولايته، قدّم كريسترشون “إنجازات” حكومته. السويد عضو في الناتو، والمعركة ضد التضخم حُسمت لصالح السويد، ومزيد من الجرائم في بيئات العصابات يتم حلها، وعدد طالبي اللجوء في مستوى منخفض تاريخياً. هكذا يفرد رئيس الحكومة عضلاته متباهياً بأنه يقف الآن على أرض صلبة بعد أزمات متوازية ورثها من حكومة الاشتراكيين الديمقراطيين السابقة.
لا ضير في التفاؤل حين تحمله أسس واقعية، لكنه قد يتحول إلى نوع من الوهم إذا بني على التصورات فقط.
لا يرى كريسترشون معاناة الناس اليومية في الطبقات الدنيا. السويديون يرزحون تحت جبل من الديون الشخصية هو الأعلى تاريخياً. معركة التضخم حسمت لصالح السويد بفعل سياسة البنك المركزي رفع أسعار الفائدة، لكن لذلك ضريبة أيضاً، دفعها الناس من حياتهم وصحتهم. الركود يضرب سوق العمل. والموظفون في الرعاية الصحية العامة يئنون تحت وقع أزمة يرفض كريسترشون الاعتراف بها تاركاً المحافظات لمصيرها تقريباً، وفاسحاً المجال للقطاع الخاص ليلتهم الرعاية العامة بموظفيها ومرضاها.
“بدأنا الرحلة لنصبح أكثر ثراء وأماناً”، يقول كريسترشون في بيان حكومته. لعل نظارته لا تعينه على رؤية أبعد من أحياء ستوكهولم الغنية أو ملّاك الشركات الذين ازدادوا ثراء بالفعل.
يبشر كريسترشون السويديين بالحد من جرائم العصابات، حكومته تجري تعديلات قانونية تضمن تشديد العقوبات ومعاقبة المجرمين الأصغر سناً وفرض مناطق أمنية وزيادة أفراد الشرطة ومنحهم صلاحيات أكبر. تركز الحكومة على الحلول الأمنية، وهي ضرورية، لكنها تتجاهل تقريباً الدعوات التي تنادي بمعالجة جذور المشكلة.
القبض على المجرمين لا يضمن عدم تجنيد غيرهم في دوامة من العنف لا تبدو لها نهاية. عندما يقتل الأطفال الأطفال، يصبح من الواضح أن مزيداً من الأشخاص بحاجة إلى الخروج إلى العالم الحقيقي ومقابلة الناس والقيام بالمهام الصعبة. هذا ما كتبته رئيسة رابطة الشرطة كاترينا فون سيدو، والرئيس السابق لجهاز الأمن (سابو) كلاس فيربيري في مقال نشرته أفتونبلادت. الاثنان دعيا الحكومة والمعارضة إلى بناء تعاون ملحّ عابر للكتل من أجل الاستثمار في المدارس والخدمات الاجتماعية والمجتمع المدني لمنع تجنيد الأطفال في بيئة العصابات ووقف جرائم باتت تهدد أمن الناس في كثير من المناطق.
التدابير الوقائية تستغرق وقتاً، المهمة الأصعب التي لا ترغب الحكومة ربما تحمّلها وهي التي تريد أن تقول للسويديين قبل الانتخابات إنها أنجزت شيئاً مثل تراجع عدد عمليات إطلاق النار، رغم ازدياد عدد القتلى، أو ازدياد عدد الجرائم التي تقدمها الشرطة للمحاكمة.
“السويد الأكثر ثراء وأماناً”، لا تشمل كل السكان ربما، فهناك قسم نريده أن يغادر السويد. كثير من المولودين في الخارج يُفضل أن يغادروا. لسان حال ممثل حزب SD لودفيغ أسبلينغ وهو يعلن في مؤتمر صحفي الخميس أمام حلفائه في الحكومة أن المستهدفين بإغراء الـ350 ألف كرون لمغادرة البلاد قد تصل أعدادهم إلى ما بين 400 إلى 500 ألف شخص مولود في الخارج وعاطل عن العمل لفترة طويلة. بالطبع بدت أرقام لودفيغ غريبة باعتبار أن العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل في البلاد حالياً يبلغ حوالي 350 ألفاً.
ليس في توجه SD جديداً، مجمل خطابه ضد التعددية الثقافية في البلد يزيد الانقسام والعزلة. المجتمع السويدي يزداد انقساماً، وبات جزء منه يشعر أنه ليس جزءاً من المجتمع بل إنه غير مرحب في البلاد، رغم أنه يعمل ويدفع الضرائب وليس عاطلاً عن العمل فترة طويلة.
تصريحات سياسيين من الحزب تفوح منها يومياً رائحة الكراهية العنصرية، بينما يمضي كريسترشون في تنفيذ اتفاق تيدو الذي سمح له بأن يمسك بالسلطة.
في بيان الحكومة بداية تشكيلها 2022 وعد كريسترشون السويديين بأنه سيكون رئيس وزراء للسويد بأكملها، وأنه سيقود حكومة تريد التوحيد لا الانقسام. لكنه حتى الآن تحول إلى رئيس وزراء للأغنياء والقوميين فقط.
مهند أبو زيتون