بقيت الأنظار مشدودة في هذه الفترة نحو لجنة نوبل قبيل توجيه الدعوات التي كانت متوقعة، لحضور حفل توزيع الجوائز هذا العام، هل ستوجه اللجنة دعوة إلى السفير الإسرائيلي، أم أنها ستأخذ قراراً باستبعاده مثلما استبعدت العام الماضي السفير الروسي ومعه سفير روسيا البيضاء وسفير إيران؟
بعد طول انتظار صدر قرار لجنة نوبل، وجاء بمفاجأة صادمة، حين قررت اللجنة ألا تدعو كل السفراء، عدا من لدى بلدانهم علاقة بجوائز نوبل هذا العام، أي بدل أن تضع اللجنة نفسها بصدام مع المؤيدين أو المعارضين لدعوة السفير الإسرائيلي قررت اختصار الموضوع من أساسه، وعدم دعوة أحد، على مبدأ “ابعد عن الشر وغني له”.
وحسب حديث للسفيرة الفلسطينية رولا المحيسن للكومبس، فإن السفيرة طرحت موضوع خطورة دعوة المسؤولين الإسرائيليين، على سمعة اللجنة والجائزة التي تمثلها، من ناحية ازدواجية المعايير، ومن ناحية وصية ألفريد نوبل نفسه الذي أوصى بأن تكون جائزته من أجل السلام وضد الحروب، حسب قول السفيرة.
يأتي ذلك متزامناً مع إصدار المحكمة الجنائية الدولية يوم الخميس الماضي مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، وقالت إن هناك “أسباباً منطقية” للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. كما أصدرت المحكمة أيضاً مذكرة توقيف بحق قائد الجناح العسكري لحركة حماس، محمد الضيف، الذي أعلنت إسرائيل عن اغتياله قبل أشهر لكن حماس نفت ذلك.
ربما ألقى قرار المحكمة الجنائية بظلاله على قرار لجنة نوبل، خصوصاً أن وزيرة الخارجية السويدية أبدت دعم بلادها لقرار المحكمة الجنائية، مع الأخذ بالاعتبار أن السويد ملزمة بتوقيف المطلوبين في حال تواجدوا على أراضيها. ومن الممكن أن لجنة نوبل وجدت بعد ذلك أن دعوة السفير الإسرائيلي أو عدم دعوته سيضعها في حالة صدام ومواجهة.
أحد الأصدقاء السويديين عندما قرأ خبر إلغاء دعوة كل السفراء، وهو الخبر الذي تفردت به الكومبس وكانت أول من نشرته بالسويدية والعربية، أرسل لي هذا التعليق: “نحن السويديون لدينا مشكلة مع رهاب الصدام ولا نحب المواجهة”. التفكير بأن أمراً ما، يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي يمكن أن يُحدث صداماً ومواجهة في السويد، قد يكون خطوة يكون لها حسابها، خصوصاً عند المتشائمين من موقف السويد المنحاز برأيهم وغير المبالي لما يحدث خاصة في قطاع غزة، من قتل يومي وتدمير وتجويع وتشريد، قد يؤكد ذلك أن السويد ليست مجرد لونين قاتم جداً أو مشرق جداً.
زارنا اليوم الجمعة صحفيون من مجلة Journalisten الصادرة عن نقابة الصحفيين السويديين، لعمل تقرير يتناول: كيف غطت الكومبس الحرب على غزة؟ الزيارة امتدت لعدة ساعات، وشملت مقابلات مع عدة صحفيين في الكومبس، وسيتم نشرها قريباً، وكان أهم ما أردنا أن نقوله ونؤكد عليه في هذه المقابلة، أن الكومبس تريد نقل صورة حقيقية عن السويد للمتابعين، وتقديم المعلومة التي تفيد المتابعين على فهم البلد والمجتمع الي يعيشون به، وتريد إيصال رسالة بأن هناك مكاناً للجميع هنا، بأن يشاركوا ليس فقط بالتعبير عن رأيهم، بل أيضاً المشاركة بصنع والتأثير على القرارات التي تهمهم. مهمة تصوير السويد كما هي، مهمة ليست سهلة، تتطلب تقديم معلومات مجتمعية وأخبار يومية بصورة محايدة ومهنية، دون اللون القاتم جداً الذي يراه اليائسون والمصابون بخيبات الأمل من السويد، ودون اللون المشرق جداً الذي يراه المثاليون والمنبهرون جداً بالسويد.
لا أحد يعرف كيف ستكون ردود الفعل الدولية، على عدم دعوة السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية على حفل توزيع جوائز نوبل هذا العام، مع أنها ليست المرة الأولى التي لم توجه فيها الدعوات لكل السفراء، حدث ذلك في العام 2021 وكان ذلك بسبب قيود وباء كورونا، التي حالت دون إقامة الحفل في العام الذي قبله 2020. هذا العام لا توجد أوبئة تمنع دعوة كل السفراء، المنع الذي لم تعلن عن سببه اللجنة يأتي كأنه إغلاق لباب يمكن أن يأتي بالريح، مع أن احتمال هبوب رياح الانتقادات للسويد لاتزال قائمة، ومن الممكن أن يضع لجنة نوبل محل انتقادات دولية لا تعفي السويد من الدخول في رهاب الصدام.
محمود آغا