افتتاحية الكومبس

السويد 2024.. عام المسؤوليات

: 12/29/23, 3:55 PM
Updated: 12/29/23, 3:55 PM
السويد 2024.. عام المسؤوليات

في إحدى المناسبات العامة، قال لي شخص جلس بجانبي مصادفة، أريد أن أسألك: هل يوجد مستقبل ما برأيك لأطفالنا في السويد بعدما انقلبت السويد علينا نحن الأجانب والمهاجرين؟ وهل لك أن توضح لي لماذا الكومبس تدافع أحياناً عن السويد وأحيانا تنتقدها؟ لماذا لا تتخذون موقفاً سياسياً واضحاً وثابتاً؟ هل موقفكم مرهون بالمساعدات التي تمنحها الحكومة لكم؟

على مبدأ ليس هناك سؤال غبي، الغباء قد يكون في الإجابة، يمكن أن تستنتج أننا أمام مسؤولية شرح ولو بشيء من التبسيط ما هي الصحافة في بلد مثل السويد وما هو دورها وما هي أهدافها؟ استنتاج قد يكون مفيداً مع بداية عام جديد، من المتوقع أن يكون مليء بالأحداث والمتغيرات، ولا بد للصحافة أن يكون لها دور إيجابي في مساعدة المجتمع على مواجهة تحديات العام المقبل وما يحمله لنا من مستجدات.

هناك فرق كبير في تصنيف المواد التي تنشرها أي وسيلة إعلامية، ولكن كما يعلم العديد منا، يمكن تصنيف كل المواد تحت قسمين رئيسيين، القسم الأول يضم المواد الإخبارية، والقسم الثاني مواد لها علاقة بالرأي.
تحرص أي وسيلة إعلامية مهنية على أن تكون على درجة عالية من الحياد في كتابة أي خبر أو مادة خبرية، إضافة إلى الابتعاد عن وضع أي رأي خاص أو أية مشاعر أو عواطف في متن الخبر .
في حال وضعنا تحليلات معينة، لا يمكن عندها أن نسمي هذه المادة خبراً، يمكن أن يكون لها تسمية أخرى مثل تقرير أو تحليل أو غير ذلك.

تحت قسم مواد الرأي هناك أيضا عدة أنواع من المواد، مثل الافتتاحية والزاوية اليومية، أو الأسبوعية، أو مقالات الرأي، أو المقالات الحوارية، وغير ذلك. في هذه المواد يحق للوسيلة الإعلامية إظهار رأي المؤسسة أو رأي الصحفيين العاملين بها، أو المتعاونين معها، أو حتى رأي كتاب ضيوف أو من القراء والمتابعين. 
لذلك تلتزم الكومبس بالحياد عند كتابة الأخبار أو نقلها، ولكن هناك مساحات أكبر للنقد أو للرد أو للتحليل عندما يتعلق الأمر بمواد الرأي. هنا نرى أن هناك من يفسر هذا الاختلاف بين المادة الإخبارية ومواد الرأي على أنه تناقض تقع فيه المؤسسات الإعلامية.

النقطة الثانية والمهمة هو أن أغلب الصحف ووسائل الإعلام في السويد، هي صحافة نقد مجتمعي، أي أن مهمتها المراقبة والتحقيق وكشف الحقائق للناس، وبالتالي مكافحة الشائعات والمعلومات المضللة. فعندما قامت الكومبس بكشف حقيقة مجموعات كانت تروج بأن السويد تخطف أطفال المسلمين، لم تتخل الكومبس عن دورها في انتقاد وكشف أخطاء مؤسسات الدولة المعنية ومنها مؤسسات الخدمات الاجتماعية (السوسيال)، لأن محاربة الشائعات شيء وكشف الحقائق عما يمكن أن يجري من تجاوزات من قبل الموظفين شيء آخر، لكن كلا العملين يخدم المجتمع، ويخدم العائلات المتضررة من قانون الرعاية القسرية، وهذا ما قد يكون سبباً في تشويش البعض، لأن هذا البعض يتوقع من الوسيلة الإعلامية أن تنحاز إما إلى الدولة ومؤسساتها بشكل لا يدع مجالاً للنقد، أو أن تنحاز إلى روايات التضليل ونصب العداء للسويد. ويجب التنويه هنا أن الانحياز إلى روايات التضليل في كثير من الأحيان يجلب تعاطفاً من قبل المتابعين ويمكن أن يزيد من شعبية المواقع والصفحات التي تكتب فقط ما يريد أن يسمعه هؤلاء الناس المتعاطفين مع الضحايا دون أن تقدم لهم الوجه الآخر للحقائق، أو أن تعطي لهم الحلول والنصائح المفيدة، عبر المختصين وأصحاب التجارب.

ولعل الكومبس كانت ولا تزال ذات دور إضافي وهو نشر الوعي بطرق التعامل مع القضايا الاجتماعية وخصوصاً موضوع الأطفال وعلاقة الأهل مع المدارس ومع مؤسسات الدولة، عن طريق عمل مواد صحفية وتقارير واستضافة مختصين اجتماعيين وحقوقيين.

النقطة الثالثة التي يجب إثارتها من خلال الأسئلة التي وجهها لي مشكوراً هذا الشخص، هو موضوع أن يكون لنا كوسيلة إعلامية موقف سياسي واضح وثابت. هنا نود أن نكرر بأن وسائل الإعلام المهنية يجب ألا يكون لها مواقف سياسية أو حزبية، طالما أن لها طابعاً إخبارياً، لكن غالبية وسائل الإعلام لها توجهات ضمن أطياف اليسار واليمين أو ضمن تيارات فكرية عامة. بالنسبة لـ”الكومبس” ولأنها اختارت أن تقف مع الجهات الأضعف في المجتمع وتقدم لهم الخبر الصحيح والمعلومة الموثوقة، يمكن تصنيفها على أنها يسارية وهناك من يصنفنا ضمن اليسار الليبرالي، مع العلم أن العديد من وسائل الإعلام السويدية تُصنف على أنها ليبرالية يسارية، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أننا ننتمي أو حتى نتعاطف مع أحزاب يسارية أو ليبرالية. التوجه العام للصحيفة لا يعني الانحياز الحزبي، وهذا الإشكال وقعنا به لأن هناك من اتهمنا بالارتباط بحزب معين، بسبب مواقفنا من العنصرية ووقوفنا مع الجهات الضعيفة في المجتمع. وهذا طبعاً اتهام مسيء جداً لنا ولا يشرفنا على الإطلاق الانحياز إلى أي حزب أو جهة.

يبقى أن نشير إلى أن الكومبس لا تعتمد إطلاقاً على المساعدات الحكومية، نحن حصلنا على مساعدات قليلة رمزية، لمرتين فقط من المساعدات التي تمنحها الحكومة السويدية من أجل تقوية استقلال الصحافة وحيادها. ولا ننسى أن السويد تمنح مساعدات أيضاً للمساجد والجمعيات الدينية وغيرها، وهي مساعدات ليست مشروطة بتقديم أي ولاء أو بتغيير أو مناهج.

ونحن نفتخر كوننا أول وسيلة إعلامية غير ناطقة بالسويدية يتم معاملتنا مثل الصحف السويدية تماماً.

نحن منذ البداية ومن وحي اسمنا الذي يعني الصديق، أردنا بناء علاقة صداقة مع المتابع، لذلك كان لا بد من إعادة توضيح هويتنا ودورنا ولما نقوم به من أجل أن تكون هذه العلاقة مع جميع المتابعين واضحة وقوية. لهذا السبب رأيت بمجموعة الأسئلة التي وجهها لي هذا الشخص الذي تحدثت عنه في بداية كلامي، مناسبة لإعداد هذا المقال، مع نهاية عام وبداية آخر جديد.

لا شك أننا نودع عاماً صعباً، كنا ولا نزال نرى كيف تحصد آلات الدمار والقتل مئات، بل آلاف من الأطفال والضحايا المدنيين في غزة، دون أن يحرك ذلك المشاعر الإنسانية، بما يكفي، حتى بدأ البعض يفقد ثقته بالمبادئ والقيم التي ينادي بها الغرب، تماما كما فقد الثقة بأنظمة ودول الشرق.

مع كل ذلك لا نزال نأمل أن تصحو البشرية وتنتصر لإنسانيتها، لتقول لا، لا للظلم ولا للقتل. كان العام الماضي ثقيلاً علينا جميعاً ونحن نرى المزيد من الفقر والمزيد من الغلاء والمزيد من القوانين الجائرة بحق اللاجئين والمهاجرين. عام مر ونتمنى ألا يحمل معه تزايد الكراهية وحالات الاستقطاب السياسي والتضليل والعنصرية، التي باتت واضحة ليس فقط من خلال التعليقات على السوشيال ميديا والعالم الافتراضي بل حتى في حياتنا الواقعية.

دعونا نأمل بعام قادم جديد يحمل معه آمالاً كثيرة وآلاماً أقل، عام نتحمل به المسؤولية من خلال أولاً وقبل كل شيء أن نعرف واجباتنا وحقوقنا ونعرف كيف ندافع عنها ونطالب بها بطرق قانونية وديمقراطية، دعونا نؤمن بأننا مواطنون في السويد لنا حقوق وعلينا واجبات تماماً كما أي مواطن سويدي آخر، لأن تقوية شعورنا بالمواطنة لا يلغي ولا يتناقض مع افتخارنا بهوياتها الدينية والثقافية في مجتمع لا يزال يؤمن بالتعددية.

دعونا نسمي هذا العام المقبل بعام المسؤوليات، لكي نزيد من مسؤولياتنا تجاه أنفسنا وتجاه المجتمع وتجاه مكافحة العنصرية والتطرف والكراهية. دعونا لا نبقى على الهامش ونكون مساهمين مع الكثير غيرنا بهذا البلد ممن يعتقدون ويؤمنون بأن السويد لا تزال بخير، طالما يوجد أمل مدعوم بالعمل من أجل التغيير. في هذا العام نجدد معكم عهد الصحافة والصداقة مع الكومبس صديقكم الناطق بالعربية والقريب منكم دائماً.

وكل عام وأنتم بخير.

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.