العالم بدأ يغير خطابه.. وكريسترشون عالق عند “نقطة البداية”

: 12/8/23, 12:02 PM
Updated: 12/8/23, 12:02 PM
العالم بدأ يغير خطابه.. وكريسترشون عالق عند “نقطة البداية”

تفشل الحكومة مرة أخرى في توجيه رسالة وحدة للسويديين. الموقف الأخير من الحرب في غزة يضعها طرفاً في انقسام بدأ يتعمق. عباراتها في السياسة الخارجية وإن بدت تحاول التوازن لم تكن متوازنة. لم ينجح أولف كريسترشون وحلفاؤه في الإمساك بالعصا من المنتصف، فالخطر الذي تعرضت له إسرائيل لساعات في 7 أكتوبر “وجودي”، أما مقتلة الفلسطينيين المستمرة فهي “معاناة”، وعلى إسرائيل وهي تمارس حقها في الدفاع عن نفسها “أن تبذل جهدها لحماية المدنيين”.

يكتب كريسترشون ووزير خارجيته وحليفاه في الحكومة في مقالهم في سفينسكا داغبلادت أن “الهجوم الإرهابي الذي وقع في 7 أكتوبر كان أكثر من مجرد قتل جماعي لـ1200 إسرائيلي بريء. لقد كان هجوماً على فكرة وجود ملاذ ليهود العالم. ولذلك فإن هذه الحرب وجودية بالنسبة لإسرائيل”. ورغم أنه لاحظ معاناة الفلسطينيين، فإن المقال لم يلحظ التهديد الوجودي لهم مع قصف يقتل كل شيء حرفياً، ودعوات لاستخدام السلاح النووي، وخطط مقترحة للتهجير، هذا في حرب الشهرين الماضيين فقط، وليس في 75 عاماً من بحث الفلسطيني عن وجوده.

تخسر السويد كثيراً من رصيدها الأخلاقي الكبير حين لا توجه حكومتها كلمة إدانة واحدة لحكومة إسرائيلية متطرفة ترتكب من الفظاعات ما يحرج حتى حلفاءها، بمن فيهم إيمانويل ماكرون الذي يبدو أنه ضاق ذرعاً بسلوك نتنياهو وجيشه وقال أخيراً “لا يوجد أمن دائم لإسرائيل في المنطقة إذا كان أمنها يأتي على حساب حياة الفلسطينيين”. وكاميلا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي التي قالت إن واشنطن لن تسمح بالتهجير القسري للفلسطيينيين أو إعادة رسم حدود غزة.

أشد الداعمين لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بدؤوا يغيرون خطابهم إزاء فظاعات ومجازر لم يعد الرأي العام العالمي يحتملها، فيما تبدو الحكومة السويدية وكأنها لا تريد أن تغادر الساعات الست التي تعرضت فيها إسرائيل للهجوم مقابل 1488 ساعة حتى الآن من القصف الذي لم تقطعه إلا هدنة يتيمة، وراح ضحيته أكثر من 16 ألف فلسطيني معظمهم أطفال ونساء.

تتمسك الحكومة السويدية بحل الدولتين وتريد أن يكون صوت السويد قوياً في هذا المجال، معتمدة على رصيد من العلاقات الجيدة مع الإسرائيليين والفلسطينيين. وترى الحكومة في إنهاء قدرات حماس شرطاً ضرورياً لحل الدولتين، وكأنها العقبة الوحيدة أمام السلام، ولا تنسى الحكومة بالطبع أن تنتقد المستوطنات التي تبنيها إسرائيل في الضفة الغربية، غيرها أنها تنسى أن إسرائيل أطلقت النار مراراً على يد عرفات الممدودة للسلام، انتهاء بقتله فعلياً حصاراً أو تسميماً.

لا تجيد الحكومة قراءة ما يجري، شلال الدم يعقّد المشهد الفلسطيني. والقضاء على قدرات حماس العسكرية، وإن نجح، لا يعني القضاء على أيديولوجيا باتت تقترب أكثر فأكثر من تصدر مشهد قيادة الفلسطينيين دون منازع، بعد عقدين من إضعاف إسرائيل السلطة الفلسطينية وتهشيمها، ولصالح حماس أيضاً.

تقدم الحكومة السويدية رؤيتها وكأن الأمر يتعلق بفصيل إرهابي يشكل خطراً على وجود إسرائيل، وبإزاحته من المشهد سيكون السلام ممكناً وإن بدا صعباً الآن. هذا تسطيح لمشهد معقد، وتحييد لما تنتجه الحرب الآن من مآس إنسانية طويلة تجعل السلام والأمن صعباً أكثر فأكثر.

ليس للسويد قدرة كبيرة على التأثير في صراع معقد كهذا، لكن لها قدرة في أن تستمر بكونها صوت الضمير العالمي.

يهتم كريسترشون وحلفائه في الحكومة بالداخل السويدي وبتجنيبه تداعيات الحرب في غزة. “في دولة ديمقراطية مثل السويد، من الطبيعي أن يكون للمرء آراء مختلفة حتى فيما يتصل بالصراعات القديمة والصعبة في الشرق الأوسط. لكننا لن نقبل أن يؤدي الصراع هناك إلى التهديدات والكراهية ومعاداة السامية والتضليل هنا (..) لا ينبغي أبداً التساهل مع معاداة السامية، والتعاطف مع الإرهاب”، يكتب السياسيون الأربعة.

مرة أخرى يتجاهل خطاب الحكومة “الإسلاموفوبيا” المتنامية تأثراً بحرب غزة، كما يتجاهل الخطاب الشعبوي المنتشر الآن الذي يحاول وصم كل من ينتقد إسرائيل بـ”التعاطف مع الإرهاب” و”معاداة السامية” فيفرغ هذه التهم من جوهرها، ويسهم عن قصد أو من دونه، في تعميق الانقسام داخل المجتمع السويدي.

نعم هناك خلاف بين مجموعات المجتمع السويدي في تقييم ما يحدث في الشرق الأوسط، وحتماً يجب أن يدار هذا الخلاف بالطرق الديمقراطية بعيداً عن الكراهية والتهديد، وعلى السويد ألا تتحول إلى ساحة للصراع إطلاقاً، وأفضل المساهمات التي يقدمها رئيس الوزراء في هذا المجال ألا تتحول الحكومة إلى طرف بل أن تكون رسالتها رسالة وحدة. فهل يعي كريسترشون أهمية الدور الذي يلعبه قائداً للبلاد في هذه المرحلة؟ أم أنه يكتفي بمناكفات سياسية وكأنه ما زال في المعارضة؟

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.