أثارت صحيفة سيد سفينسكان الاهتمام بعد تحقيق نشرته الأربعاء عن مظاهرات مالمو المتضامنة مع غزة.
الصحيفة عرضت مقطعاً يهتف فيه بعض من سمتهم قياديين في المظاهرة بمكبرات الصوت هتافات بالعربية مثل “أبو عبيدة يا حبيب اضرب دمر تل أبيب”، و”حط السيف قبال السيف نحن رجال محمد ضيف”، و”كل الدنيا مع حماس”، و”من العراق لجنوب لبنان اضرب اضرب كل مكان”.
وبعد أن طلب بعض المنظمين من الهتّيف تخفيف حدة الشعارات، قال لهم “اللي خايف يطلع من المظاهرة”.
ورغم أن تحقيق الصحيفة نقل عن المنظمين أنهم ينؤون بأنفسهم عن هذه الشعارات وأنه لا يمكن لهم السيطرة على كل الهتافات في مظاهرات يشارك فيها عشرات الآلاف، ورغم أن الشرطة نفسها قالت في التحقيق إنه يصعب تتبع كل الهتافات، فإن الصحيفة ذهبت إلى اختيار عنوان “يطالبون بوقف إطلاق النار بالسويدية لكنهم يحثون على استمرار الحرب بالعربية”.
يفصِل التحقيق بين المنظمين ومرددي الهتافات، غير أن العنوان يوحي بتعميمٍ يصم كل المظاهرات التي خرجت أيام الأحد في مالمو للتضامن مع ضحايا الحرب، متجاهلاً أن من يهتفون بالسويدية قد لا يكونون أنفسهم من يهتفون تأييداً لحماس بالعربية، وأن الصورة العامة للمظاهرات وشعاراتها كانت تطالب بوقف الحرب بالسويدية والعربية معاً بعيداً عن دعم أو تأييد الإرهاب.
تلقفت صحيفة إكسبريسن هذا التعميم، وكتبت في السطر الأول من مقال افتتاحي: Demonstranterna ropar på svenska om eldupphör i Gaza. På arabiska hyllar de terrorgrupper. مستخدمة أداة التعريف na مع لفظ المتظاهرين لتصبح الجملة “المتظاهرون يهتفون بالسويدية لوقف إطلاق النار في غزة، وبالعربية يشيدون بمجموعات إرهابية“. رغم أن تحقيق سيدسفينسكان يتحدث عن “بعض” المتظاهرين.
لم يقع SVT على سبيل المثال في خطأ التعميم حين نشر خبراً يتناول الموضوع، وسماهم “متظاهرين”.
وصمة “التعاطف مع الإرهاب”
من مهمة الصحافة بالطبع الكشف وتسليط الضوء على أي سلبيات داخل المظاهرات وغيرها، لكن التعميم الذي وقع فيه عنوان سيد سفينسكان وافتتاحية إكسبريسن يصم مجموعة كبيرة من المتظاهرين بتهمة خطيرة هي “التعاطف مع الإرهاب”، وقد يؤدي في النهاية إلى تخويف الأصوات الكثيرة التي خرجت في السويد تندد بالحرب وقتل الأطفال وتتضامن إنسانياً ضد مشهد وصفته محكمة العدل الدولية بأنه قد يرقى إلى أعمال إبادة جماعية.
من الصعب اعتبار أن التعميم الذي وقعت فيه إكسبريسن خطأ تحريري، فتتبع تغطية الصحيفة للمظاهرات منذ بدايتها يكشف عن رغبة في التركيز على “الرسائل السيئة”.
في مشهد كهذا يصبح “التعاطف مع الإرهاب” سيفاً مسلطاً على كل من يقف ضد جرائم إسرائيل في غزة، فحماقة البعض قد تطال الكل.
ينبغي أن يستمر الناس في قول رأيهم والتعبير عن موقفهم الإنساني مما يحدث. وينبغي ألا يخاف أحد من قول رأيه لأن “بعض” الهتافات تخرج عن سياق الأغلبية، مع الرفض الكامل للإبادة والإرهاب والقتل والتدمير، من أي طرف كان.
حرية الصحافة
الصحفية التي شاركت في كتابة التحقيق في سيد سفينسكان قالت على وسائل التواصل إن حوالي 50 متظاهراً تجمعوا أمام منزلها في ردة فعل على التحقيق الذي نشرته الصحيفة.
ينبغي ألا يشعر أي صحفي إطلاقاً بالخوف لأنه يمارس عمله أو يقول رأيه. الإعلام يُرد عليه بالإعلام، ومن حق الناس التظاهر ضد وسائل الإعلام لكن ليس بتخويف الصحفيين الذين يمارسون عملهم سواء أعجبت نتيجة هذا العمل الجمهور أم لا. من حق الصحفيين أن يمارسوا عملهم دون خوف، ومن حق الناس أن ترفض الجرائم دون الخوف من وصمها بالإرهاب. معادلة بسيطة، لكنها في الواقع أشد تعقيداً.
مهند أبو زيتون