افتتاحية

المسلمون بدل اليهود.. هدف جديد للقومية المتطرفة

: 11/24/23, 2:59 PM
Updated: 11/24/23, 3:08 PM
المسلمون بدل اليهود.. هدف جديد للقومية المتطرفة

تجاوزت بعض جماعات التيار القومي المتطرف في أوروبا عداءها لليهود، أو هكذا يحاول دهاقنة سياسة هذا التيار تصوير الأمر الآن. كلمة “اليهود” استُبدلت في الأدبيات المشينة لهذا التيار، لتحل محلها الآن كلمة المسلمين، باعتبارهم خطراً “ديموغرافياً” و”ثقافياً” على “القومية النظيفة”. التركيز الآن على الهجرة الجديدة، وهي تتكون في معظمها من المسلمين، لذلك بات كثير من جماعات هذا التيار يوجهون كراهيتهم بشكل أساسي ضد المسلمين.

لم يتخلص القوميون المتطرفون من وصمة العنصرية ضد اليهود بعد، ظلت تلاحقهم طويلاً. حتى أحدث أحزابهم لم تتمكن من تجاوز الجذور النازية التي طبعت مراحل تأسيسها. وما زال يُنظر في إسرائيل إلى حزب كحزب SD بأنه ذو جذور نازية.

لغة الكراهية التي استُخدمت ضد اليهود في السابق يتكرر الآن ما يشبهها على ألسنة اليمين المتطرف في أوروبا ويكررها SD تحت أنظار حلفائه في الحكومة، لكن بشكل أكثر تهذيباً، وضد المسلمين هذه المرة. فالمسلمون “خطر ديموغرافي” تارة و”خطر ثقافي” تارة أخرى. والتعددية الثقافية “أيديولوجية متطرفة تغلغلت لأكثر من أربعة عقود وتهدف إلى تدمير أمتنا، وهي أيديولوجية شريرة”. (من خطاب لجيمي أوكيسون في أسبوع ألميدالين).

السويد التي يحلم بها أوكيسون وحزبه، سويد بلون واحد وثقافة واحدة، وقد ساعدته ظروف السياسة السويدية الآن أن يتحكم بالحكومة، وأن يمضي في محاولة تطبيق ذلك عملياً.

تعتاش الأحزاب القومية المتطرفة على فكرة الخطر الذي يهدد “الحياة الجميلة للعرق الأرقى”، منها تتغذى وبها تكتسح أرقام الانتخابات، حين يتوجه الناس إلى اختيارها مدفوعين فقط بهاجس الخوف من الآخر و”المشكلات” التي يتسببها للمجتمع. وليس فوز الشعبوي اليميني فيلدرز الصادم بانتخابات هولندا سوى تعبير جلي عن التأثير الذي تحدثه هذه التيارات في المزاج العام للشعوب الأوروبية.

قبل أسابيع قليلة تماهى حنيف بالي (السياسي السابق في حزب المحافظين) مع خطاب SD وكتب أن عنف العصابات الذي تعاني منه السويد تقف وراءه “ثقافة الشرف”، وباعتباره يربط بوضوح بين الجريمة والهجرة، تصبح المشكلة هي “ثقافة المهاجرين”. وبعدها كتب أن كراهية السويد التي انتشرت بعد حرق المصحف ناتجة عن عقدة نقص. و”هذا الهجوم المنسق على القانون الأساسي السويدي ليس أكثر من محاولة للإذلال ومطالب بالخضوع لديانة تتكون من عدد كبير جداً من الممارسين الذين يعانون من عقدة نقص شديدة”.

هكذا ببساطة يتحول المسلمون، أو عدد كبير جداً منهم، إلى جماعة “أقل” على سلم التفاضل البشري. والمفارقة أن كثيراً ممن يتبنون هذا الخطاب هم من أصول مهاجرة.

مع اندلاع الحرب في غزة، لاحقت المتعاطفين مع الفلسطينيين تهمتان جديدتان: الإرهاب ومعاداة السامية. يستغل اليمين أي إشارة للتعاطف مع حماس أو كراهية اليهود في أي تجمع، لا ليقول إن ذلك مدان ومرفوض، بل ليسلط الأنظار عليه باعتباره نتيجة من نتائج التعاطف مع الفلسطينيين ومع غزة التي يقتل أطفالها قصف إسرائيلي عشوائي لا يوجد توصيف لغوي له غير “جريمة ضد الإنسانية”، وهو التعبير الذي استخدمته منظمة العفو الدولية أيضاً.

لا مصلحة، ولا يوجد مبرر أخلاقي، للمدافعين عن قضية الفلسطينيين في “الفرح بمقتل المدنيين” أو ترديد “شعارات معادية لليهود”. ذلك يجب أن يُدان من الجميع بشكل واضح، لكن يجب في الوقت نفسه ألا تُستخدم هذه “الحماقات” في محاولة إسكات أي صوت يقف مع الفلسطينيين باعتباره “إرهابياً” و”معادياً للسامية” حسب ما يروج يمينيون متطرفون على “إكس”. وعلى الأصوات المدافعة عن الفلسطينيين أن تقاوم محاولة إسكاتها، برفض هذه “الحماقات” أولاً، وبالاستمرار في إسماع رأيها من القضية، بكل وسائل التعبير عن الرأي ثانياً.

على المجتمع السويدي أن يوقف أي معاداة للسامية، أو كراهية لليهود، لأن الماضي يخبرنا بمآلات ذلك. وعليه في الوقت نفسه أن يوقف الإسلاموفوبيا المتنامية، لأن المستقبل قد ينبئنا بخطورة ذلك.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.