افتتاحية الكومبس

“المسلمون يحتلون السويد”!.. فماذا يفعل رئيس الوزراء؟

: 6/7/24, 2:05 PM
Updated: 6/7/24, 2:05 PM
“المسلمون يحتلون السويد”!.. فماذا يفعل رئيس الوزراء؟

يستيقظ أحمد كل يوم، ككثير من المهاجرين في السويد، محكوماً بأمل الاندماج في المجتمع والاستقرار فيه. يداعبه حلم أن ينشأ أطفاله في جو مريح لا عنصرية فيه ولا كراهية. يذهب إلى عمله المؤقت مساعداً شخصياً على أمل أن يحصل على وظيفة ثابتة تكفيه شر القلق الدائم على دخل عائلته. يحاول جاهداً إتقان اللغة السويدية علّه يتخلص من اللعثمة التي تصيبه كلما أراد أن يعبر عن مشاعره الودودة لمن يقدم لهم خدماته خلال العمل.

الإثنين الماضي كان أحمد يقلّب مواقع الصحف السويدية كعادته كل صباح، فوقعت عينه على مصطلح جديد يسمعه للمرة الأولى. جيمي أوكيسون يكتب مقالاً في إكسبريسن عن “الاستبدال السكاني” (Folkutbyte). وبعد قراءته المقال وبحثه عن معنى المصطلح، أصابه الذهول “هل بتنا تهديداً للسويديين الأصليين؟!”.

يستل أوكيسون مصطلح “الاستبدال السكاني” من أدراج اليمين المتطرف قبيل انتخابات البرلمان الأوروبي محاولاً تطبيعه. يتجاوز خطاً أحمر جديداً وينتهك ما كان قبل ذلك محرماً.

تعود فكرة “استبدال السكان” إلى الكاتب الفرنسي اليميني المتطرف رينو كامو، الذي صاغ المصطلح في العام 2010 وشرحه بأن الغالبية البيضاء الأصلية الفرنسية يجري استبدالها تدريجياً بمهاجرين غير بيض، نتيجة الهجرة من المستعمرات الفرنسية السابقة، وخصوصاً من المسلمين.

يتبنى كامو في فكرته نظرية المؤامرة، حيث يعتقد بأن الاستبدال لا يتم بشكل عفوي بل وراؤه نخبة تخون الفرنسيين.

يحاول أوكيسون بتبنيه المصلح نزعه من سياقه العنصري، مؤكداً أن طرحه لا يتعلق بلون البشرة أو الخصائص البيولوجية الأخرى، بل بالثقافة. فمن وجهة نظره “أدت الهجرة الكبيرة إلى السويد من البلدان البعيدة ثقافياً على مدى السنوات الخمسين الماضية، إلى جانب التعددية الثقافية المدعومة من الحكومة، إلى انخفاض نسبة السكان ذوي الهوية السويدية”، ما خلق “أطراً مرجعية ثقافية مختلفة وآراء وقيم ومعايير مختلفة عن تلك التي شكلت أساس مجتمعنا”. يكتب أوكيسون في مقاله.

وفي حين يحاول أوكيسون أن ينفي عن نفسه وحزبه تهمة العنصرية التي لاحقته طويلاً، فإنه يروج لنوع جديد من العنصرية، العنصرية الثقافية، فلا مشكلة بحسب هذا المنطق، أن يكون المرء مختلفاً في اللون، لكن المشكلة أن يكون ذا ثقافة مختلفة.

يحقق أوكيسون بطرحه مقومات العنصرية الواضحة حسب تعريفها البسيط، التمييز بين البشر حسب أعراقهم أو ألوانهم أو معتقداتهم.

لطالما اعتُبرت فكرة “الاستبدال السكاني” فكرة عنصرية ومتطرفة في السويد. ووُصف من يتبناها علناً بأنه قومي متطرف وعنصري معاد للسامية، بل إن أوكيسون نفسه قال في مقابلة مع يوتيبوري بوستن العام الماضي إن النازيين يستخدمون المصطلح.

فما الذي استجد حتى يتبنى أوكيسون الفكرة بكل هذا الوضوح؟

ما استجد هو تيار يميني متطرف جارف يزداد قوة في الاتحاد الأوروبي، ويهدد أن يحصد المقاعد في انتخابات البرلمان الاوروبي الجارية حالياً.

يختار أوكيسون العودة إلى جذور حزبه بشكل واضح، ويعود دون أقنعة إلى الأيديولوجية التي كانت أساساً في وجود الحزب، فيما يقف من راهنوا على “تدجين” الحزب عبر التحالف معه متفرجين.

الفكرة أدت إلى مجازر

ليس في الأمر “نظرية مؤامرة”، يقول أوكيسون مستبقاً الهجوم عليه، وهو الذي يعرف جيداً ان المصطلح بني في الأساس على فكرة “النخبة الخائنة”، وعن “خطة سرية” لأسلمة أوروبا، على غرار نظريات مؤامرة سابقة تبنت فكرة أن “اليهود هم من يقودون عمليات هجرة غير البيض إلى أوروبا”. ينفي أوكيسون “نظرية المؤامرة” وهو الذي يتهم كل يوم تقريباً ما يسميه النخبة “اليسارية الليبرالية” بمشاكل البلاد وتوريط السويد بهجرة واسعة أثّرت على تركيبتها السكانية.

ولعل أوكيسون يعرف أيضاً أن بعض من ارتكبوا مجازر يمينية متطرفة كانوا يتبنون نظرية “الاستبدال السكاني”، وأشهرهم برينتون تارانت الذي قتل بدم بارد 51 مصلياً في مسجدين بنيوزيلندا 2019.

يشير إلى ذلك واحد ممن دأبوا في السنوات الأخيرة على تسليط الضوء على تأثير الهجرة على التركيبة الديموغرافية. إنه توبياس هوبينيت الذي كتب مقالاً يوم الخميس في داغينز نيهيتر قال فيه إن تبني فكرة “الاستبدال السكاني” غير ممكن دون تبني نظرية المؤامرة وإضفاء الشرعية عليها، محذراً من أن ذلك أودى بحياة كثير من البشر وسيستمر في ذلك، وربما في السويد هذه المرة.

طرح أوكيسون الجديد يختلف هذه المرة عن التصريحات المعتادة التي يخرج بها قادة SD، خصوصاً ريكارد يومسهوف، في شتم الإسلام والمسلمين، إنه يؤسس لمرحلة جديدة تثبت فشل محاولات احتواء الحزب وهضمه ضمن قيم النظام السياسي السويدي.

من احتوى من؟

بعد انتخابات 2022 تحدثت أحزاب الحكومة الحالية عن مثل هذا الاحتواء، باعتبار SD لاعباً سياسياً لا يمكن تجاهله. وما حدث عقب ذلك أن الحزب يعلن عن تطرفه بوضوح أكثر من أي وقت مضى. ولعل رئيس الحكومة أولف كريسترشون يستمر في القول إن خلافه مع SD في بعض القضايا ينبغي ألا يمنع التعاون الذي يحقق مصلحة كبيرة للسويد. فهل يدرك كريسترشون أن ما يتبناه حليفه بات يمثل تهديداً للمجتمع السويدي أم أن حسابات الانتخابات، خصوصاً مع تنبؤات بتحالف اليمين مع اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي، ستغير المعادلة كلها؟ ومن يدري فقد يصبح “الاستبدال السكاني” مفردة متداولة في الحياة السياسية اليومية في السويد، وقد يتغير اسم وزير الهجرة إلى وزير مكافحة الاستبدال السكاني في وقت لاحق.

يوم الأحد ينجلي غبار المعركة الانتخابية، وتُعرف الأحجام الجديدة للقوى، وسيعرف المهاجرون في السويد أي تأثير أحدثوه يوم الانتخابات إن أحدثوا تأثيراً. وسيفيق أحمد على حقائق ربما تزعجه كل يوم قبل أن يذهب إلى عمله المؤقت.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.