يدفع المهاجرون ثمن الجريمة مرتين، مرة حين يكونون ضحايا مباشرين للجريمة، ومرة حين يتم وصمهم جميعاً بها.
لم يتقدم حزب SD في انتخابات 2022 ويصبح ثاني أكبر الأحزاب إلا حين نجح بآلته الدعائية في الربط بين الهجرة والجريمة، منحّياً كل الأسباب العميقة، من فشل المجتمع في إدماج المهاجرين إلى العوامل الاقتصادية الاجتماعية التي أدت في نهاية المطاف إلى تشكل مجتمعات موازية في الضواحي تحكمها قوانين وأعراف موزاية.
يدفع المهاجرون ثمن ظاهرة الاحتيال على المساعدات الاجتماعية مرتين، مرة من أموال الضرائب التي يدفعونها من جيوبهم مباشرة، وثانية من صورتهم التي تزداد اهتزازاً، وأيضاً باستغلال القوى القومية والشعبوية للأرقام والإحصاءات وتوظيفها بما يخدم الصورة الكلية.
يدفع المهاجرون ثمن احتيال البعض على أموال المدارس المستقلة، وثمن استغلال البعض لدور العبادة، وثمن “الدعارة المقنعة”، وثمن تجمعات حرق المصحف وما تنتجه من اضطرابات. كثيرة هي الأثمان التي يدفعها المهاجرون أكثر من بقية السويديين. وأكبرها حين يُعتبرون قضية البلاد الرئيسة وأساس مشكلاتها في بلد أصبح يُقسم شئنا أم أبينا بين سويدي مهاجر وسويدي أوروبي، مهما حاول الإعلام تخفيف حدة الانقسام بتسمية المهاجرين مولودين في الخارج أو مواطنين جدد.
لم يعد مجزياً أمام كل هذا التدهور الاكتفاء بتحميل اليمين القومي أو المتطرف مسؤولية “تشويه الصورة”، مع أهمية الاستمرار في مواجهة هذا اليمين، في السياسة والإعلام.
المشكلات المتراكمة في مجتمعات المهاجرين مشكلات حقيقية تؤثر على حياة معظمهم، بينما يبني منها القلة ثروتهم ومجدهم أحياناً. الدولة، كل الدولة، والمجتمع، كل المجتمع، مسؤول عن معالجة ذلك. لكن ماذا عن دور المهاجرين أنفسهم؟
ينشغل قسم من المهاجرين هذه الأيام بتحميل طائفة معينة أو عرق معين مسؤولية جرائم العصابات، فيرتكبون من حيث لا يدرون ما يعيبونه على اليمين المتطرف. والحقيقة أن العصابات متغلغلة في معظم مكوناتهم، بل إنها أصبحت تشكل حلاً لشباب صغار يبحثون عن الكسب السريع بإطلاق الرصاص على رأس أحدهم، أو بجمع الإتاوات من المحلات والتجار. بينما تسود حالة من ثقافة الصمت والتبرير، بل وصم الضحايا بأنهم من بيئة العصابات، رغم أن كثيراً منهم من الأبرياء.
استمرار الوضع على ما هو عليه لن يؤدي إلا إلى مزيد من التدهور على جميع الأصعدة، وتنامي قوى اليمين القومي التي تطرح نفسها حلاً جذرياً بتخليص المجتمع من “هؤلاء”.
كل ذلك ولدى المهاجرين مؤسسات وجمعيات ومنظمات وأشخاص ناجحون في جميع المجالات، لكن المبادرات إما غائبة أو موجهة للهامشي من القضايا، بعيداً عن المشاكل الحقيقية التي يؤدي تراكمها إلى جعل الحياة غير ممكنة في بعض المناطق.
ليس في ذلك تبرئة للمجتمع، كل المجتمع، من مسؤوليته، وللأحزاب، كل الاحزاب، من الدور الذي يجب أن تلعبه باجتراح الحلول وليس الاكتفاء بتوصيف الواقع، لكنها دعوة لمجتمعات المهاجرين على الأقل للبدء بالتفكير بمبادرة منظمة ولو واحدة تمثل نموذجاً لمبادرات قد تأتي بعدها، وإلا فما هرب منه المهاجرون في بلدانهم الأصلية قد يواجهونه هنا.
مهند أبو زيتون