يقول ترامب في أحد تصريحاته اليومية إن العديد من رؤساء الدول والحكومات “يرغبون بتقبيل مؤخرته” من أجل التفاوض حول قوانين رفع التعرفة الجمركية التي أقرّها. لا نعلم كم رئيس دولة أو حكومة أبدوا فعلاً مثل هذه الرغبة، لكن ما نعلمه أن ترامب بدأ يفقد كثيراً من هيبته، سواء أمام شعبه أو أمام العالم. ليس فقط لأنه يستخدم أساليب وألفاظاً سوقية وغير لائقة، بل لأنه يصرّح ويتراجع، ويغير رأيه باستمرار. يتضح يوماً بعد يوم أنه يتحدث في كل شيء إلا السياسة، خصوصاً بعد أن أعلن، ليلة أمس، الحرب على أهم صرح تعليمي في الولايات المتحدة من خلال تجميد التمويل الفيدرالي لجامعة هارفارد.
سألني قبل فترة أحد الأقارب من الشباب عن معنى الشعبوية. حاولت أن أشرح له، وقدّمت له أمثلة متعددة، لكن من تعابير وجهه شعرت أن الفكرة لم تصل إليه. قبل يومين، تواصل معي الشاب نفسه، وقال: “الآن فهمت تماماً معنى الشعبوية من خلال متابعتي لتصريحات وقرارات ترامب”.
نعم، الرئيس الأمريكي الحالي يُعدّ مثالاً واضحاً على ما تعنيه الشعبوية، حين يصل أشخاص فارغون إلى الحكم ويقدّمون أنفسهم على أنهم “صوت الشعب العادي”، مستخدمين لغة بسيطة ومباشرة، ويطرحون حلولًا سهلة لمشاكل معقدة، ويعتمدون على إثارة المشاعر مثل الغضب والخوف والإحباط.
لدينا في السويد مثال حي آخر على الشعبوية اليمينية، يتمثل في حزب SD وزعيمه، الذي يركّز على قضايا مثل الهجرة والهوية الوطنية. فما يمارسه جيمي أوكيسون في السويد، يمارسه الآن دونالد ترامب في أمريكا.
العديد من الناس، بمن فيهم سياسيون ومحللون استراتيجيون، يتساءلون: هل يدرك فعلاً هذا الشخص، الذي يرأس أقوى دولة في العالم، ما يقوم به من تصرفات وما يتفوه به من كلمات؟ وهل الغباء الظاهري يخفي خلفه دهاءً سياسياً بإشراف مستشارين أقوياء؟
حتى الآن، وبحسب ما هو متاح من معطيات ومشاهدات، التفسير الأقرب لسلوكه السياسي هو أنه يمثل التيار الشعبوي في الحكم، وهذا التيار قد يجلب الكوارث للدول والشعوب، لأن الشعب الذي يُخدع هو من سيدفع الثمن.
ما معنى، إذاً، أن يهاجم الأوساط التعليمية والأكاديمية في بلده؟ وأن يُلغي الدعم عن مشاريع ومؤسسات تُعنى بالبيئة والمجتمع؟ ويُقيد تأشيرات الطلاب الأجانب، ويزيد الرقابة على وسائل التواصل الخاصة بهم، ويجمّد التمويل الفيدرالي للجامعات بدعوى عدم التصدي الكافي لمعاداة السامية، ويقيّد حرية التعبير داخل الحرم الجامعي؟
وما معنى استخدامه لتعبيرات عنصرية متطرفة، مثل وصفه للمهاجرين غير النظاميين بأنهم “يسمّمون دماء الولايات المتحدة”، واعتباره أنهم “أعداء من الداخل” ويمتلكون “جينات سيئة”؟ تصريحات جعلت كثيرين يقارنون خطابه بخطابات المتطرفين البيض، بل حتى بخطاب أدولف هتلر.
وما معنى فرضه لرسوم جمركية عالية على الواردات الصينية، ما أدى إلى تقلبات في سوق الأسهم، وأثار قلقاً بين المتقاعدين في أريزونا حول استقرار مدخراتهم التقاعدية؟
وما معنى مواصلته الهجوم على وسائل الإعلام، واصفًا الصحفيين بأنهم “أعداء الشعب” و”حثالة بشرية”؟
3 خطايا واضحة
هذا إلى جانب ثلاث خطايا واضحة في ما يخص الحرب على غزة: رغبة ترامب في السيطرة على القطاع، وتطهيره عرقياً، إضافة إلى دعمه الكامل لما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من قتل وتدمير ومحاولات ضمّ للضفة الغربية.
وأخيرًا، انحيازه غير المفهوم – أو ربما غير المدروس – إلى روسيا، العدو التقليدي لأوروبا، والذي شعرت معه القارة بخيانة “الأخ الأكبر”.
لعل ما يقترفه ترامب من خطايا بحق شعبه الآن، يمثل لحظة صحوة للشعب السويدي، تجعله يُعيد التفكير قبل منح المزيد من الشعبية والأصوات للشعبويين في السويد.
محمود آغا