افتتاحية الكومبس

تصريحات إيبا بوش تجربة جديدة في التمادي

: 5/31/24, 4:50 PM
Updated: 5/31/24, 5:20 PM
تصريحات إيبا بوش تجربة جديدة في التمادي

تطبيع العنصرية والتأقلم على كراهية الأجانب

لو كانت إيبا بوش قد أطلقت تصريحها الأخير ودعوتها إلى عودة المسلمين الذين لا يستطيعون التكيف مع القيم الأوروبية إلى بلدانهم الأصلية، قبل سنتين أو أكثر من ذلك، لكان هذا التصريح أحدث ضجة كبيرة، وبدا كأنه تصريح يتجاوز في صراحته العنصرية الخطوط الحمراء المعتاد عليها في ذاك الوقت، لكن هذا التصريح مر مرور الكرام الآن، وكأن المجتمع السويدي أصبح معتاداً على تمدد خطوط التجاوزات شيئاً فشئياً، واعتاد على تجربة التمادي المنتظم لبعض السياسيين على الأجانب عموماً، وعلى المسلمين والشرق أوسطيين خصوصاً.

نتذكر كيف صعد حزب SD من مجرد حزب منبوذ إلى أن دخل في صلب صناعة قرارات الحكومة الجديدة، دون أن يكون جزءاً منها، واستطاع هذا الحزب فرض جزء كبير من سياساته المعادية للهجرة وغير المتسامحة تجاه صعوبات الاندماج لتتحول من مجدر أقاويل في تصريحات عنصرية وقحة إلى سياسة حكومية خجولة أحياناً.

خطورة تصريحات إيبا بوش الأخيرة ليست أنها فقط تصدر من رئيسة حزب المسيحيين الديمقراطيين العريق، غير محسوب على الشعبوية، بل أنها تصدر أيضاً من نائبة رئيس الوزراء، الخطورة الأخرى أنها تخاطب مجموعة دينية بالاسم، قائلة: على المسلمين إما التكيف مع القيم الأوروبية، أو يجب ترحيل من لا يتمكن من التكيف منهم إلى بلدانهم الأصلية. بل أرادت بوش أيضاً أن ينظر الاتحاد الأوروبي في إمكانية استخدام الأموال لتشجيع المسلمين ذوي القيم غير الأوروبية على العودة إلى بلدانهم الأصلية.

السؤال هنا من يحدد ما هي القيم الأوروبية التي تريد فرضها على المسلمين؟ ومن هو الحكم في تنفيذ إجراءات هذا الفرض؟ إذا كانت تعتقد بأن المقصود هو إقامة محاكم تفتيش جديدة على ممارسات الناس وأفكارهم، فهذه مصيبة، إما إذا كانت تعتقد بأن المسلمين يخالفون القيم الأوروبية في التسامح وفي حرية التعبير، فهذه مصيبة أخرى أيضاً لا تقل خطورة عن المصيبة الأولى. ولكي نوضح أكثر دعونا نراجع بقية التصريح. تقول إيبا بوش موجهة كلامها للمسلمين “إذا كنت تعتقد بأنه من الصواب رجم النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب أو رمي المثليين جنسياً من المباني الشاهقة، فأنت لا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي”.

من قال لك يا سيادة الوزيرة إن المسلمين يرجمون النساء ويرمون المثليين من المباني الشاهقة؟ وإذا كان لديك مشكلة تمييز بين “داعش” والإسلام، اعط لنفسك وقتاً قليلاً فقط لتعرفي ما فعله “داعش” بالمسلمين وبلادهم.

استخدام تعابير الرجم والقتل المقززة هذه، قد يتم تعميمها على جميع المسلمين بسهولة لأنها صادرة عن سياسية توجه كلامها للسويديين.

اعتاد السياسيون من النوع الشعبوي تخويف المجتمع من خطر التطرف الإسلاموي باستخدام تعبير “الإسلامويين”، الآن بوش وقبلها قيادات في الـSD أصبحوا يستخدموا تعبير المسلمين في تصريحاتهم المعادية للأجانب بكل صراحة ووضوح.

لا أحد ينكر وجود خطر من المتطرفين الإسلامويين في السويد كما يوجد خطر من متطرفين آخرين مثل التطرف اليميني والتطرف اليساري، وهذا الخطر بأنواعه مرفوض ويجب مكافحته، بكل الوسائل، لكن لا نعتقد بأن تصريح إيبا بوش ومن قبلها تصريحات وربما تصرفات مماثلة ضد المسلمين يمكن أن تسهم في مكافحة التطرف، بل إن هذه التصريحات من ِشأنها زيادة الاستقطاب في المجتمع ورفع مستويات الكراهية وبالتالي شرخ المجتمع، هل تدرك بوش ومن معها حجم هذه المخاطر عندما تفكر ربما فقط بزيادة شعبيتها وشعبية حزبها المتدنية أصلاً؟

وهل تعتقد بوش بأن تصريحاتها يمكن أن تجذب لها مؤيدين من صديقها اللدود جيمي أوكيسون، الجواب طبعاً لا.

يبقى أن هناك مسؤوليات كبيرة على الأحزاب الأخرى وعلى منظمات المجتمع المدني وعلى الجمعيات وأفراد الجاليات المسلمة وغير المسلمة، في زيادة تأثيرهم وحضورهم الفاعل في المجتمع، حتى يحسب لهم حساب أكثر، ضمن العملية الديمقراطية والقوانين السائدة. وللحديث بقية، ولكن إلى اللقاء.

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon