افتتاحية الكومبس

تهنئة بالميلاد لكريسترشون من ذكرى حي اليهود

: 12/22/23, 12:22 PM
Updated: 12/22/23, 12:22 PM
تهنئة بالميلاد لكريسترشون من ذكرى حي اليهود

تتزين المدينة التي أعيش فيها استعداداً للأعياد. تخفف الأضواء والنجوم من قسوة العتمة. الشموع تبدو محاولة يائسة لتدفئة القلب. الصقيع أشد هذا العام من كل عام، أو هكذا أشعر. تصاب البشرية بصقيع في روحها. كلما ظننا أن الإنسان تحضر وتجاوز وحشيته، تعيدنا مشاهد مرعبة إلى سيرتنا الأولى، إلى روح القبيلة والثأر قبل نشوء المدن. ما يحصل في غزة ثأر لا علاقة له بحسابات السياسة أو المنطق أو حتى المصلحة. ستنفض الحرب مهما طالت. وسيرفع المتقاتلون إصبعي النصر، كل حسب تفسيره للنصر، وسيغني الجمهور لقائد أو زعيم أو رئيس حقق ثأره، وسيصفق طويلاً قبل إسدال الستار. في الكواليس مئات الآلاف ممن فقدوا كل تفاصيل حياتهم، وفي التفاصيل يكمن وجع الذاكرة. حينها سيبدو الموت أهون الشرور.

لا أدري لماذا أتذكر كثيراً ميشيل فوكو وهو يفكك “تاريخ الجنون”. يتحول الجنون هنا إلى مرض جماعي، تذهب البشرية إلى أقصى حدودها في اكتشاف السادية، لكنها ليست السادية الجنسية التي اختبرها فوكو، بل سادية القطيع وهو يتلذذ بتقطيع فريسته إرباً. تبدو “ما بعد الحداثة” نكتة سمجة. غزة ليست المثال الوحيد المناقض على كل حال. حال السوريين مثال آخر، والأمثلة كثيرة.

أن تستطيع مجموعةٌ الانقضاض بوحشية على مجموعة أخرى تحت مظلة القوة وبقليل من الذرائع وبعض “البروبغندا” تلك عصور لم تستطع البشرية تجاوزها. غير أن التراجع الجديد أن يجري ذلك بـ”تأييد عالمي”.

أضع هدايا تحت شجرة الميلاد لبناتي وأنا أتساءل إن كانت الشجرة تنتمي للناصرة حيث ولد المسيح. كانت الناصرة لتكون بجوارنا في حيفا على مرمى حجر، ولكنّا هناك الآن نختار من الأشجار ما نريد، لولا أن جدّي البنات أُخرجا طفلين صغيرين من بيتهما تحت رعب المجازر.

أنظر إلى الشاشة فأرى بياناً من الحكومة السويدية يخفض المساعدات للأنروا. تريد الحكومة أن تتأكد من أن المنظمة لا تتسامح إطلاقاً مع التعبيرات الداعمة للإرهاب أو المعادية للسامية. أتذكّر مدرسة الأنروا في حارة اليهود حيث نشأت. وأتذكر فرج جارنا اليهودي وأمه حياة وكيف كنا نشعل لجيراننا اليهود نار المواقد كل سبت مقابل ابتسامة وأحياناً قطعة حلوى. كان فرج يذهب إلى مدرسة اليهود في حينا. وكنت أذهب إلى مدرسة الأنروا. كان التعليم في الأنروا جيداً لأنها ممولة من الدول المانحة ومعلموها يقبضون رواتب جيدة بالدولار، هكذا كان يقول الكبار. كانت السويد واحدة من الدول المانحة، لم نكن نعرف عن السويد حينها سوى أنها تلك الدولة الغنية المسالمة التي تقف في صف الضعفاء دائماً، وأن جارنا الفلسطيني ابن أبو عباس هاجر إليها في السبعينات ولم يعد منذ ذلك الحين.

تغص الذاكرة بالذكريات. لحارة اليهود في دمشق روح خاصة. زرت الحي قبل عشرين عاماً بعد أن هاجره اليهود. كان المكان قد فقد روحه، وكانت مسنات فلسطينيات تجلسن على عتبة، تتذكرن أولغا اليهودية وبيت حمرة وأبناء ماركو.. وتتحسرن على زمن كان جميلاً.

تقول حكومة السويد الآن إن “الحالة الإنسانية في غزة صعبة جداً. وتقع المسؤولية بشكل كبير على عاتق حماس، التي أشعلت الحرب بالهجمات الإرهابية التي وقعت في 7 أكتوبر”.

لا تذكر الحكومة شيئاً عن إسرائيل. فأمام هول ما فعلته حماس يبدو الرد الإسرائيلي “مناسباً”. وإن كانت حماس تأخذ سكان غزة رهائن ودروعاً بشرية، فلنصفق لإسرائيل إذاً وهي تقصف الرهائن وتدمر الدروع البشرية، أو فلنعتبرهم في أحسن الأحوال “حالة إنسانية صعبة”، ولنبرّئ من يقتلهم بدعوى أنه يرد على حماس.

لم أتعلم في مدارس الأنروا التعبيرات الداعمة للإرهاب أو المعادية للسامية. فهل ستتهمني بهما حكومة كريسترشون وأنا أقول أوقفوا هذا الجنون، وأدينوا القاتل ولو مرة؟

أطل من النافذة أرى جاري يزيح الثلج الكثيف المتراكم على أضواء الميلاد. وفي التلفزيون يهود أمريكيون يصرخون “لا تقتلوا باسمنا”. الشباب الذين خرجوا في الغرب ضد القتل والمجازر وضد مواقف حكوماتهم قد يكونون ضوءاً في آخر النفق. إنه الإثبات الأوضح على أن “القيم الإنسانية” ما زالت تعمل، وأن ما يسمونه الآن في الشرق الأوسط “القيم الغربية” ليست “مجرد هراء” كما يريد كثيرون أن يروجوا فيوقظون التطرف على الجانبين من حيث دروا أم لم يدروا.

يلوح لي جارنا وأنا شارد الذهن “God Jul” أرد بانتباه “God Jul”.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.