يحق لجيمي أوكيسون أن يفخر بما أنجزه طيلة 20 عاماً من قيادته SD. من حزب صغير منبوذ يحمل فكراً متطرفاً بعيداً عن طبيعة السويديين، إلى ثاني أكبر الأحزاب وربما أشدها تأثيراً حالياً رغم أنه غير مشارك في الحكومة. أجبر أوكيسون الجميع على التعامل معه بشكل مباشر أو غير مباشر، لأنه عرف من أين تؤكل الكتف. ومن يدري؟ فقد يكون رئيساً لحكومة السويد بعد عام. وكأن القول الشهير ينطبق عليه: “في البداية يتجاهلونك ثم يسخرون منك ثم يحاربونك ثم تنتصر” .

ليس هذا قصيدة مديح بحق أوكيسون وحزبه بل توصيف لما أصبح عليه الرجل وقد تغير الحال بعد أن أُجبرت أحزاب اليمين بحكم الواقع والشهوة إلى السلطة على التحالف معه بعد انتخابات 2022.

بنى SD سرديته كلها على مناهضة الهجرة. وسد بذلك فراغاً في السياسة السويدية مستحوذاً على منطقة تركتها له الأحزاب خوفاً من التلوث بوحلها، فخاض هو الوحل بجرأة ووقاحة أحياناً وخرج منه منتصراً. حتى لحقت به بقية الأحزاب يساراً ويميناً، باستثناء قليل منها، في تبني سياسة هجرة صارمة. ومدته موجة الهجرة في العام 2015 بخزان لا ينتهي من “المشكلات” المرتبطة بالهجرة وتداعياتها.

قبل انتخابات 2022 نجح أوكيسون دعائياً بالربط بين الهجرة والجريمة، كان ذلك السبب الأهم ربما في نجاحه بالانتخابات واستحواذه على جمهور بات يخشى على مستقبل أطفاله مع تصاعد العنف المنظم في الضواحي. بدا أوكيسون للبعض الوجه السياسي الأشد الذي يستطيع أن يوقف “أولئك الذين جاؤوا إلى السويد وتحولوا أو أبناؤهم إلى مجرمين”.

لم تتراجع الجريمة رغم كل “القوانين المشددة” التي ساهم أوكيسون في فرضها عبر اتفاق تيدو. بإمكان الحكومة أن تحتج بأرقام من هنا وهناك عن تراجع عمليات إطلاق النار أو التفجيرات بين عام وآخر، غير أن الصورة الواضحة أن الجريمة المنظمة تتفاقم، وبات يذهب ضحيتها مزيد من الأشخاص الأبرياء الذين لا علاقة لهم ببيئة العصابات، كما حصل في أوبسالا مؤخراً. بل إن المجتمع بات أمام خطر جريمة جديدة متمثلة بالتطرف. وبحسب “سابو” فإن مثلث الخطر الذي يواجه السويد تتألف رؤوسه من الجريمة المنظمة واليمين المتطرف العنيف والتطرف الإسلاموي.

تراجعت الهجرة إلى حدود دنيا في السنوات الأخيرة، غير أن SD حوّل تصويبه إلى “فشل سياسات التنوع والاندماج” بدل التركيز على الهجرة. في ذلك ما يمده بموضوعات انتخابية لا تنتهي ويجذب إليه جمهوراً من الغاضبين من الوضع العام. ولولا أن قياديي حزبه واضحين في عدائهم المطلق للمهاجرين، وخصوصاً المسلمين منهم، لانحاز إلى أوكيسون عدد أكبر من المهاجرين أيضاً ربما.

من يحتاج أوكيسون اليوم؟

يتساءل المعلق السياسي في SVT ماتس كنوتسون من كان سيحتاج أوكيسون اليوم لو أن الأحزاب اتفقت مبكراً على سياسة صارمة للهجرة؟

وبرأينا أن SD يجد له دوراً حتى مع تبني سياسة صارمة وانخفاض الهجرة إلى مستوياتها الدنيا. ما دام هناك مهاجرون حتى لو كانوا مولودين في السويد، وما دامت هناك مشكلات في البلد من أي نوع، فإن دعاية SD ستجد غاضبين يسمعونها، خصوصاً مع تصاعد التيارات الشعبوية في العالم. وليس صدفة ربما أن SD هو الحزب السويدي الوحيد الذي يرى أن أمريكا لا تتجه إلى الديكتاتورية. “مشكلات التنوع” و”الاستبدال الثقافي” مصطلحات أعيد إحياؤها مؤخراً مع تغير مركز الثقل في اهتمامات SD من “الهجرة” إلى “فشل الاندماج”.

كثيرون كانوا وما زالوا يحتاجون أوكيسون وحزبه، ومنهم أيضاً المتطرفون من المهاجرين الذين يُغذّون دعايتهم ضد السويد من دعاية الحزب، إنهم والحزب مثل الأعدقاء الذين لا غنى لأحدهم عن الآخر.

لا شيء يدل على أن النجاح السياسي الكبير الذي حققه أوكيسون سيهتز قبل انتخابات 2026 إلا إن حدثت مفاجأة أو أصبح لأصوات المهاجرين وزن قادر على تغيير المعادلات.

مهند أبو زيتون