فكرتُ أمس بعنوانٍ لهذه الافتتاحية، مثل: “متى يعتذر أوكيسون للمسلمين؟”، لكن الرابطة الإسلامية في السويد سبقتني إلى استخدام المعنى نفسه، ضمن مقابلة لرئيس الرابطة مع صحيفة سويدية. هذا ليس مجرد توارد أفكار بين مؤسسة صحفية وجمعية دينية؛ فمن حق الجمعيات الإسلامية أن تدافع عن معتقداتها وعما تمثّله داخل المجتمع. ومن المهم أن يكون للجمعيات الإسلامية، وغير الإسلامية أيضاً، وجود أوسع وصوتٌ أعلى في الصحافة ووسائل الإعلام السويدية.
غياب الوجود الكافي والمتناسب مع حجم وعدد وتنوع الثقافات الأخرى في الصحافة السويدية لا يمكن أن يُعزى فقط إلى تقصير من القائمين على الإعلام، بل هناك أيضاً قصور واضح من الجمعيات نفسها.
خلال أزمة حرق المصحف، وأثناء التصريحات المسيئة للمسلمين من قِبل قيادات من اليمين المتطرف، أو بعد فرض قوانين ووضع مشاريع قوانين متشددة من قبل الحكومة الحالية، لم نجد ردوداً قوية على شكل مقالات أو نشاطات ديمقراطية تتصدى للظاهرة. والآن، بعد مرور أكثر من سنة وثمانية أشهر على الحرب الإسرائيلية في غزة، بدأنا نلاحظ محاولات متواضعة لبعض الكُتّاب والناشطين للنشر بأسماء عربية في الصحافة السويدية.
عندما نكتب نحن أو غيرنا عن ضرورة اعتذار أوكيسون وحزبه للمسلمين، فنحن بالضرورة لا ندافع عن مجموعة بعينها في المجتمع، مع أن المسلمين في السويد يشكّلون ليس فقط عددًا كبيرًا، بل نسبة معتبرة من السكان. الفكرة، بالنسبة لنا، هي الدفاع أولًا عن السويد كبلد وعن نسيج المجتمع ككل، والدفاع أيضاً عن القيم والمبادئ الأساسية التي شكّلت السويد: بلداً إنسانياً، ومتسامحاً، وديمقراطياً.
لا يمكن لأي حزب أن يجمع بين مبادئ الديمقراطية والتوجهات العنصرية، حتى لو وصل هذا الحزب عبر الانتخابات إلى البرلمان أو الحكم يوماً ما، فذلك يُعد استغلالاً واضحاً للنظام الديمقراطي من قِبل قوى غير ديمقراطية. وهذا ما يحدث في السويد، وحدث سابقاً في عدة بلدان أخرى. فالديمقراطية، بطبيعتها، لا تستطيع منع دخول الذئاب إلى كرمها، طالما دخلوا من بوابة الانتخابات والأدوات القانونية الأخرى.
خطوة جيدة لكن غير كافية
في المقابل، لا يمكن لحزب عنصري أن يعتذر عن تاريخه في معاملة فئة من المجتمع، بينما لا يزال مصرّاً على الاستمرار بعنصريته تجاه فئات أخرى. كثير من اليهود الذين ذاقوا، أو ذاق آباؤهم، طعم النازية واللاسامية والممارسات الدموية وجحيم المحارق، لا يغريهم هذا الاعتذار كثيراً ربما، لأنهم يعرفون أنه اعتذار لمصلحة سياسية، أو وفق مبدأ “عدو عدوي صديقي” – هذا إن غاب عن أذهان من يطبق هذا المبدأ أن الأديان كلها متسامحة، ولا توجد عداوة حقيقية بين المواطنين في السويد على أساس ديني، إلا لدى القلة من المتطرفين المنبوذين حتى من أتباع الدين نفسه.
خطوة حزب ديمقراطيي السويد في الاعتذار من اليهود عن ماضيه النازي هي خطوة جيدة، لكنها غير كافية، خصوصاً ونحن على قناعة بأن ليس كل، ولا حتى غالبية، أعضاء هذا الحزب يحملون نزعات نازية أو عنصرية.
فمن غير المعقول أن يكون 20 بالمئة من الناخبين السويديين قد صوّتوا لحزب SD لأنهم معجبون بتاريخه النازي أو لأنهم عنصريون. الأغلبية ممن صوّتوا لهذا الحزب، تأثروا إما بإحجام الأحزاب التقليدية عن معالجة القضايا الكبرى، أو بخطاب الحزب الشعبوي القومي الذي يُدغدغ مشاعر الناخب العادي، الخائف من العولمة وسيطرة الاتحاد الأوروبي وجهات دولية وإقليمية على “سويديته”.
هناك من يقول أو يعتقد بأن هذا الحزب، المعروف بعدائه للهجرة واللجوء، يعيش ويتغذى على خطاب قومي يفرض عليه معاداة الثقافات الأخرى، وإذا تخلّى عن هذا التوجه، يفقد مبرر وجوده أصلًا في السياسة السويدية.
لعلّ ما قام به أولف كريسترشون، وبقية أحزاب الحكومة الحالية، من فتح الباب أمام أوكيسون للتأثير على قرارات الحكومة، بشكل يصل إلى حدّ السيطرة عليها من خلال اتفاق “تيدو”، بدأ يشكّل الآن لحظة ندمٍ لهم، خصوصاً أن شعبية هذه الأحزاب الثلاثة انخفضت بشكل كبير، مقابل صعود الحزب الذي دخل إلى كرم الديمقراطية.
هذا ما لمسناه في الحرب الكلامية التي نشبت مؤخراً بين حزب المحافظين (الموديرات) وحزب ديمقراطيي السويد، الذي يبدو أنه يستولي الآن على كل “العنب” المخصّص لليمين في كرم الديمقراطية.
محمود آغا