افتتاحية الكومبس

خطاب أوكيسون بالعربية ولكن فقط للناخب السويدي

: 11/4/23, 10:10 AM
Updated: 11/4/23, 12:46 PM
خطاب أوكيسون بالعربية ولكن فقط للناخب السويدي

من المعروف أن حزب الـ SD كان ولا يزال بارعاً جداً باستخدام تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال خطاب شعبوي غالباً ما يدغدغ به عواطف الناس ويغيب عقولهم، والناس هنا هم الشعب السويدي العادي، الذي يمكن أن يتأثر بعضهم بكلام هذا الحزب وخاصة بكلام رئيسه جيمي أوكيسون.

آخر صرعات التفنن باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتسخير التقنيات الجديدة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، هو ظهور أوكيسون وهو يلقي خطاباً للأمة باللغة العربية، جذب انتباه السويديين خاصة أنصاره في معسكر اليمين أكثر مما لفتت أنظار الناطقين بالعربية في السويد.

اليوم وبعد ساعات من نشر خطاب أوكيسون، زارنا التلفزيون السويدي SVT في الكومبس لطرح بعض الأسئلة علنيا كوننا مؤسسة سويدية ناطقة بالعربية حول تأثير هذا الخطاب على المتابعين الناطقين بالعربية، وهل هذه طريقة ناجحة للوصول إلى مجموعات لغوية أخرى في المجتمع، خاصة أن أوكيسون وحزبه كان ولا يزال من أشد المعارضين لنشر معلومات مجتمعية باللغات الأخرى وهو يعمل من أجل إغلاق محطات الخدمة العامة الإعلامية الناطقة بالعربية وغيرها من اللغات المستخدمة في السويد؟

نحن طبعا وقبل إعطاء الإجابات كنا قد استمعنا بإمعان إلى أوكيسون وهو يتكلم العربية، وكانت لدينا عدة استنتاجات منها:

ليس هناك جديد جاء به أوكيسون باللسان العربي الذكي اصطناعياً وغير الفصيح طبيعياً، فهو جاء بخطاب شعبوي معتادين عليه، وكان يكرره بلغته السويدية الأم أكثر من مرة، لذلك وكما هو واضح هو خطاب صحيح باللغة العربية لكنه موجه للناخب السويدي، خاصة أنك تكاد لا تجد أي تعليقات باللغة العربية أو حتى من ناطقين باللغة العربية بين التعليقات تحت خطابه بالعربية، والتي أغلبها تُثني على أوكيسون “الشاطر” و”المحنك” و”الوطني”.
لسان حال أوكيسون وهو يتحدث بالعربية غير الفصيحة كأنه يقول: أنظروا يا معشر الناخبين كيف أوجه خطابي لمجموعة من المهاجرين بلغتهم وألقنهم درساً بالثقافة السويدية وبالقيم الأوروبية، وكيف استطيع أن أوزع شهادات الثناء على المندمجين منهم، وكيف أوجه أصبعي نحو المخالفين والخاملين لكي أدلهم على بوابات الخروج من بلدنا ومن مجتمعنا.
عندما يقول أوكيسون مخاطباً مستمعيه باللغة العربية قائلاً لهم أنتم ضيوف، فهو ينسف قيم التعددية الثقافية التي تأسست السويد الحديثة على أساسها، فهو لا يريد أن يعترف باللاجئين والمهاجرين القدامى منهم والجدد بأنهم جزء من هذه التعددية، لأنهم مجرد ضيوف، وهذا شيء خطير طبعاً.

في خطابه هذا وفي خطاباته السابقة سعى أوكيسون للربط بين الجريمة في السويد وبين فشل الاندماج من جهة وسياسة الهجرة السخية من جهة أخرى، خاصة في أعوام ما بين 2014 و 2018. وهو يرسخ هذا الربط على شكل رسائل تحريض ضد كل من هو غير سويدي اثنياً.

يقول مارتن نوردين، وهو أستاذ مشارك في الاقتصاد في جامعة لوند، في مقال له نُشر قبل أيام في مسائية أفتونبلادت إن قصة الربط السيء الذي يستخدمه أوكيسون بين سياسة الهجرة وفشل الاندماج، تشبه حكاية لوم المطر عندما يكون سقف بيتك مليء بالثقوب، المطر هو سبب العفن والرطوبة التي ستنتشر في بيتك، وليست الثقوب الموجودة في سقف بيتك، حسب منطق أوكيسون.

نفس الشيء هنا، يحاول رئيس حزب ديمقراطيي السويد، تحميل المهاجرين أسباب عفن المجتمع وأمراضه، بدل البحث في السبب الذي يجعل الناس تعيش في مناطق ضعيفة ومنعزلة، حيث المدارس تعاني والبطالة تضرب مستقبل الشبان وتحرفهم نحو الجريمة، وحيث تقل الخدمات ويزاد معدل الفقر.

بدل أن يوجه أوكيسون خطابه التحريضي والذي يوزع به الثناء واللوم بطريقة وكأنه زعيم في بلد ديكتاتوري، وبدل وضع اللوم على الحكومات السابقة. وبدل حالة الاستقطاب التي يمارسها، عليه وهو يدير كفة الحكومة من وراء مجلس وزرائها أن يساهم بوضع الخطط والبرامج التي تساهم في نجاح الاندماج.

وعلى فكرة هو وقع بتناقض، عندما اعتبر أن مشاكل السويد الحالية وصورتها ما هي إلا نتيجة لعمل الحكومات السابقة، بينما يقول إنه تربى ونشأ في سويد مزدهرة وآمنة، فيما يجد صعوبة في تربية ابنه البالغ الآن 10 سنوات.
السويد التي نعرفها والتي نشأ وترعرع فيها أوكيسون الطفل والشاب، كانت خالية من العنصرية وقائمة على قيم قوية من التسامح والمساواة، وقائمة على العدل الاجتماعي والتعددية الثقافية، وذلك بفضل الأحزاب الليبرالية والاشتراكية، تماما على عكس ما يسعى له أوكيسون البالغ اليوم، لقلب المفاهيم التي تربى عليها.

على الشخص المبدع والفصيح الذي نصح أوكيسون بأن يسجل خطاباً بالعربية، أن يرى بنفسه مدى تأثير هذا الخطاب أولاً على الناخب السويدي، وليس على المهاجر أو اللاجئ الناطق بالعربية، الناخب السويدي الذي أطربته الترجمة السويدية أكثر مما سمعه من كلمات أوكيسون بالعربية.

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.