افتتاحية الكومبس

دفتر شروط دخول المهاجرين إلى السياسة السويدية.. جمال الحاج نموذجاً

: 2/23/24, 11:17 PM
Updated: 2/24/24, 10:16 AM
دفتر شروط دخول المهاجرين إلى السياسة السويدية.. جمال الحاج نموذجاً

هل ما زالت السويد غير مستعدة لوصول أسماء عربية إلى مناصب سياسية؟

قرار تخلي حزب الاشتراكيين الديمقراطيين عن النائب في البرلمان السويدي جمال الحاج قد يفتح باب النقاش حول تجارب سابقة انتهت بالفشل لسياسيين من أصول عربية وإسلامية، والفشل هنا يعني أن طريقة خروجهم من مضمار السياسة، كانت عن طريق الإقصاء بسبب مواقفهم أو تصرفاتهم التي بدت وكأنها تتعارض مع سياسات أحزابهم.

يمكن استخلاص العديد من الدروس والعبر مما حصل مؤخراً مع النائب جمال الحاج، خصوصاً أنها ليست الحالة الأولى في السويد، التي تحصل مع سياسيين من أصول عربية أو مسلمة، حالات لتجارب انتهت نهايات غير موفقة، ليست الأولى ولا اعتقد بأنها ستكون الأخيرة.

فهل المشكلة هي في أصحاب هذه التجارب أم أن السويد لا تزال غير مؤهلة أو مستعدة لهضم أسماء وشخصيات من أصول عربية وإسلامية قد تصل إلى مراكز قيادية؟

من المؤكد أن لكل حالة خصوصيتها، لكن من الواضح أيضاً أن هناك مشتركات عامة بين هذه الحالات، وقد يكون استخلاص هذه المشتركات مهم لاستخلاص دروس وربما ظواهر أو على الأقل مشاهدات عامة.
ولعل خطورة التداعيات السلبية على تكرار حالات إقصاء سياسيين من الشرق الأوسط تحديداً من مناصب سياسية لأسباب تتعلق بآرائهم المرتبطة بخلفياتهم العرقية والثقافية، هي التي تستوجب منا فتح هذا النقاش.

من أهم التداعيات التي قد تنشأ نتيجة قرار سحب الثقة من النائب جمال الحاج، الذي ظل ملتزماً وموالياً للحزب الاشتراكي ومبادئه لمد تزيد على 30 عاماً، هو احتمال أن تتأثر الأجيال الجديدة ممن لهم أصول أجنبية خصوصاً عربية أو إسلامية في مسألة انخراطها في السياسية ودخولها إلى مجالات العمل الحزبي والمجتمعي.

إضافة إلى أن هذا القرار يمكن أن يقوي تياراً من داخل المهاجرين والأجانب يعمل على تكريس وزيادة عزلتهم ويقدم له الحجة، على عدم جدوى اندماج من هم من أصول أجنبية وعدم جدوى مشاركتهم السياسية، وبأن السياسة حكراً فقط على نخبة معينة هي التي تسيطر على البلاد وتديرها، حسب هذا التيار، الذي يعتمد على نشر نظريات المؤامرة وعلى نشر الشائعات، لتحقيق هدفه في زيادة الاستقطاب وعزلة المهاجرين.

ولأن جمال الحاج من أصول فلسطينية وجاء عزله من الحزب أثناء احتدام الهجوم الإسرائيلي على غزة، فقد يستغل أصحاب نظريات المؤامرة نشر الإحباط وعدم الثقة بين المناصرين للحق الفلسطيني خصوصاً المهاجرين منهم.

ما حصل لجمال الحاج مؤخراً يجب أن يجعلنا نقف طويلاً أمام هذه التجربة لاستخلاص الدروس وليس فقط أن نحكم على الأمور بشكل عاطفي متسرع، لأننا كما نقول دائما نحن نعيش في السويد ضمن حلبات صراع بين قوى وتيارات وأفكار وآراء مختلفة، صراع أو صراعات تدّعي جميع أطرافها بأنها تحرص وتصارع من أجل السويد.

من أهم الدروس التي يمكن أن نستخلصها مما حدث مع جمال الحاج، هو عدم الاستهانة بتأثير الإعلام، وبنفس الوقت عدم الاستسلام والرضوخ لكل ما يكتب ويقال، خصوصاً في حال كانت الضحية تستطيع الدفاع عن نفسها بالوسائل المضادة نفسها مثل الصحافة، لذلك يجب أن يكون للضحية أنياب أيضاً.
فالصحافة هنا ساهمت بإسقاط العديد من الشخصيات السياسية والعامة، ليس من أجل هدف الإسقاط، بل لأنها تقوم بدورها بمراقبة ونقد للمجتمع.

من الممكن أن يقوم حزب كبير وعريق كالحزب الاشتراكي الديمقراطي بسحب ثقته من جمال الحاج النقابي والسياسي الذي عمل في صفوف الحزب لأكثر من 30 عاماً، بعد سلسلة ضغوطات من الصحافة التي حولت الموضوع إلى قضية رأي عام، سحب الثقة يعني بشكل أو بآخر الطرد أو الإقالة أو الإعفاء من المنصب الحزبي. لكن هذا الحزب لا يستطيع طرد أو إعفاء جمال من البرلمان، لأنه حصل على مقعده البرلماني عن طريق أصوات الناخبين، ولأن جمال رفض الانصياع للحزب بترك البرلمان، سيصبح بالتالي أول نائب من الحزب الاشتراكي يتحول إلى نائب مستقل، أو كما يطلق عليه بالسويدية politisk vilde.

الترجمة الحرفية لتعبير politisk vilde هي السياسي البري أو غير المدجن، في إشارة لعدم الانتماء لمجموعة من المجموعات الحزبية،(المدجنين) التي تشكل البرلمان، لأن البرلمان السويدي كما نعلم يتشكل حصرياً من أعضاء حزبيين، ولكن عندما يتخلى حزب عن أحد نوابه يصبح هذا النائب، بري أو شارد بدون انتماء لأي مجموعة، تماماً كما حدث مع النائبة أمينة كاكابافه في البرلمان السابق، بعد طردها من حزب اليسار، ومع النائبة Elsa Widding التي تركت حزب SD في البرلمان الحالي.

أسماء عربية وإسلامية عديدة ممكن استعراضها ممن أنهوا مسيراتهم السياسية بطريقة الإقصاء المباشر أو غير المباشر من مناصبهم في السنوات الأخيرة: مثل الشاب عمر مصطفى الذي وصل إلى منصب عضو لجنة مركزية في الحزب الاشتراكي وكان في مقدمة قائمة المرشحين لبرلمان الـ2018، ومهمت كابلان من حزب البيئة الذي وصل لمرتبة وزير، والسياسي من أصول ماليزية يَسري خان الذي اعتزل السياسة بعدما أجبره حزب البيئة على الاستقالة بسبب رفضه مصافحة إحدى السيدات، ونذكر أيضاً رئيس حزب نيانس الحالي ميكائيل يوكسيل المطرود من صفوف حزب الوسط، فيما وضعت الحرب المستمرة على غزة عدد من السياسيين العرب والمسلمين أمام خيارات صعبة، ما أدى إلى تركهم للعمل السياسي والحزبي مثل محمد محمد من حزب الموديرات، وعبد الله مرعي من حزب الوسط ولا شك أن هناك العديد غيرهم.

قد يقول قائل إن هناك بالمقابل تجارب ناجحة عن تقبل السويد لمهاجرين في مناصب رفيعة، حالياً يوجد اثنان من رؤساء الأحزاب البرلمانية الثمانية من أصول مهاجرة، هما اليسار والوسط. وقبل فترة كانت رئيسة حزب الليبراليين أيضا من أصول مهاجرة، هذا إضافة إلى وجود وزيرتين من أصول إيرانية في الحكومة الحالية.

نعم قد يكون وجود هؤلاء السياسيين من أصول مهاجرة واستمرارهم بمناصبهم، جانب مهم عما نتحدث عنه، لأن أغلب هؤلاء الموجودين حالياً، ينتمون وبشكل قوي إلى النظام الذي لأنتج النخبة السياسية في السويد، أي أن أصولهم المهاجرة لم تلعب الدور الرئيسي في عملية فرزهم نحو المناصب الكبيرة، إضافة إلى أن اهتماماتهم بالقضايا الخارجية أقل من اهتمامات أي سياسي من أصول سويدية إثنية، على عكس السياسيين أصحاب التجارب غير الموفقة ممن كان لديهم اهتمامات إضافية بقضايا ترتبط بالجماعات التي ينتمون إليها، هذا يذكرنا كيف أفرز المجتمع البريطاني رئيس وزراء من أصول هندية أو عندما أيضاً وصل سياسي من أصول باكستانية لرئاسة وزراء سكوتلندا، وبشكل أو بآخر عندما وصل بارك أوباما لرئاسة أمريكا، هؤلاء أمثلة واضحة على أن انتماء هؤلاء أولاً وأخيراً هو للنظام الاجتماعي والسياسي المسؤول عن فرزهم، وبالتالي لم يأت أوباما مثلا ليزيد من المساهمة في كفاح السود ضد العنصرية، والهم الهندي أو الباكستاني من آخر هموم ريشي سوناك في إنكلترا وحمزة يوسف في سكوتلندا.

هناك أمثلة أشد قبحاً عن عملية استخدام سياسيين من أصول مهاجرة من قبل حكومات غربية لتمرير سياسات أكثر معاداة للهجرة وأكثر تطرفاً في الاندماج، مثل وزراء داخلية بريطانيا المتعاقبين ساجيد جافيد، وهو من أصول باكستانية ووالداه مسلمان، وبريتي باتيل وسويلا برافرمان، وكلاهما من أصول مهاجرة، وتحديداً من الهند، ولم يسبق أن كانت وزارة الداخلية البريطانية أكثر تشدداً في التعامل مع المهاجرين واللاجئين كما هي عليه في عهد الوزراء الثلاثة، الذين أسسوا لإجراءات الترحيل وإغلاق الحدود.

لعلنا نذكر وزير الهجرة والاندماج الدنماركي السابق Mattias Tesfaye. والد هذ الوزير هاجر من أفريقيا قاصداً السويد، لأنه سمع عن أولوف بالمه الذي كان يهاجم دائماً نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لكن الصدفة جعلت والد الوزير الدنماركي الأسمر يلتقي بفتاة دنماركية شقراء ليغير وجهته ويقرر تقديم اللجوء في الدنمارك. ابن هذا المهاجر الهارب من القمع والعنصرية أصبح وزيراً دنماركياً ووقف إلى جانب أقسى قانون هجرة عرفته أوروباً، وليس فقط الدنمارك.

حتى هنا في السويد كانت نيامكو سابوني وزيرة الاندماج بعد فوز اليمين العام 2006 تقدم اقتراحات لا نعتقد بأن وزير سويدي إثني يجرأ على تقديمها مثل اقتراح إجراء فحص ختان على الفتيات قبل دخولهم المرحلة الإعدادية، لمحاسبة الأهالي المتورطين في ختان بناتهم، وعندما أصبحت سابوني وهي من أصول إفريقية وأحد والديها مسلم، رئيسة حزب الليبراليين، أظهرت أيضاً سياسة متشددة تجاه قوانين الهجرة، وأظهرت قبولاً مبكرا للتعامل مع حزب SD.

إذاً موضوع التوازن بالاهتمام الذي يختاره السياسي من أصول مهاجرة بين القضايا المتعلقة بأصوله والقضايا العامة، أحد أهم عوامل نجاحه وفشله ضمن مقاييس النسبية، طبعاً لأن ما يمكن أن يكون ناجحاً بالنسبة لجهة قد يكون فشلاً بالنسبة لجهة أخرى.

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.