افتتاحية الكومبس

سحب الجنسية.. مواطنون درجة ثانية؟

: 1/24/25, 8:00 PM
Updated: 1/25/25, 5:18 PM
سحب الجنسية.. مواطنون درجة ثانية؟

لم يعد تشديد شروط الحصول على الجنسية أو إمكانية سحبها يثير جدلاً حاداً في السويد. الشروط التي كانت تعتبر “عنصرية” قبل نحو عشرين عاماً، أصبحت الآن “منطقية” ومطلباً سياسياً عاماً يطلب الاقتداء بالدول الأخرى.

نتائج التحقيق الحكومي التي أُعلنت الأسبوع الماضي حول تشديد الشروط لم تحظ باعتراض كبير. ثماني سنوات من الإقامة والقدرة على الإعالة ومعرفة اللغة والمجتمع و”السلوك الشريف”، أهم الشروط التي تعتزم الحكومة تطبيقها اعتباراً من منتصف العام المقبل بعد أن يوافق البرلمان عليها، وهي تملك الأغلبية البرلمانية اللازمة لذلك.

الأسبوع الماضي أيضاً، اقترحت اللجنة الدستورية في البرلمان السماح بسحب الجنسية في حالات محددة بعد أن كان ذلك مستحيلاً حسب القوانين الأساسية. الأحزاب البرلمانية وافقت جميعها على الاقتراحات باستثناء حزبي اليسار والبيئة.

بقية الأحزاب الستة اتفقت على سحب الجنسية من ذوي الجنسية المزدوجة إذا قدموا معلومات غير صحيحة أو استخدموا الرشوة أو التهديد للحصول على الجنسية، أو ارتكبوا جرائم تُهدد أمن الدولة بشكل خطير مثل التجسس أو الخيانة العظمى، أو تورطوا في جرائم تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية. وفي حين تريد أحزاب تيدو توسيع إمكانية سحب الجنسية لتشمل مجرمي لعصابات، ترفض أحزاب المعارضة ذلك معتبرة أنه يوسع النطاق كثيراً لدرجة أنه قد يشمل من يدعو مجرم عصابات إلى حفل زفافه، كما قالت مجدلينا أندرشون متهكمة على جيمي أوكيسون في مشادة كلامية خلال مناظرة البرلمان.

منذ العام 2020 حصل على الجنسية السويدية حوالي 392 ألف شخص. بينما تصدرت قضية الهجرة في هذه السنوات أولوية النقاش السياسي السويدي. نجاح حزب SD خلال حملته الانتخابية في 2022 في الربط بين الهجرة والجريمة، والشعبية التي حصل عليها، دفعت الأحزاب الأخرى إلى تبني مطالب مشابهة في قضية الهجرة. ويبدو الآن أن هناك رغبة واسعة النطاق في وضع أكثر تحديداً وتشدداً للمواطنة السويدية. واللافت أن كثيراً من مكتسبي الجنسية يتفقون مع ضرورة تشديد شروطها. كما يُلاحظ من التعليقات والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.

إمكانية سحب الجنسية أيضاً باتت تحظى بإجماع سياسي واسع يشذّ عنه اليسار والبيئة. في حين يكمن الخلاف في الحدود المسموحة لإلغاء المواطنة. يتطلب ذلك تعديلاً دستورياً يوافق عليه البرلمان في دورتين انتخابيتين متتاليتين. ومع الأغلبية البرلمانية التي وافقت على اقتراحات اللجنة الدستورية فإن التعديل الدستوري أصبح ممكناً جداً.

قضية المواطنة مهمة جداً لأي فرد وأي مجتمع. الإحساس المنقوص بها يهدد شعور الأفراد بالانتماء وشعور المجتمع بالاستقرار. أي تغيير في المواطنة يحتاج إلى نقاش عام وإجماع شعبي واسع لا يعوضه اتفاق الأحزاب السياسية، خصوصاً أن المعنيين بإلغاء المواطنة، مزدوجي الجنسية، غير ممثلين تمثيلاً كافياً في الأحزاب، أو في الحياة السياسية ككل.

مجدداً يجري الحديث عن المهاجرين أو مزدوجي الجنسية أو المولودين في الخارج أو غيرها من التسميات، دون الحديث معهم، ودون التوجه بالخطاب إليهم. يجري الحديث عن قضايا المواطنة بمنطق الفرض الذي تمليه الأغلبية السياسية القادرة على تعديل الدستور.

قد تكون إتاحة إمكانية سحب الجنسية ضرورة في السويد من وجهة نظر الأغلبية، ويتفق مع ذلك أيضاً كثير من مزدوجي الجنسية الذين يطالبون في التعليقات على اخبار الكومبس بسحب جنسية المجرمين، لكن ماذا عن مخاوف آلاف المهاجرين الذين باتوا يتحدثون عن شعور بـ”مواطنة من الدرجة الثانية”، ويحذّرون من أن باب إلغاء المواطنة إن فتح وأصبح دستورياً فلن يمكن حصره عند حدود معينة وقد يشمل مزيداً ومزيداً من المواطنين مع الوقت في حال تحكم حزب مثل SD بالأغلبية مثلاً، او في حال صعود قوى يمينية متطرفة.

هؤلاء بحاجة إلى من يخاطبهم ويشجعهم على المساهمة في النقاش العام حتى تحظى تعديلات المواطنة بإجماع واسع وتصبح جزءاً من الدستور. الدساتير ليست ديباجات وقوانين عمياء، بل هي في جوهرها خلاصة ما ينتجه المجتمع ويتوافق عليه.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2025.
cookies icon