تصحو سوريا اليوم وهي تطوي حقبة من تاريخها دامت 54 عاماً. كانت الأعوام الـ13 الماضية من أثقل أيام التاريخ على السوريين. دفع السوريون ثمناً مكلفاً جداً لحريتهم. تمزقت البلاد وقُتل مئات آلاف الضحايا واضطر ملايين لوداع بلادهم في مأساة دفع الشعب فاتورتها ويتحمل النظام الديكتاتوري الجزء الأكبر من مسؤوليتها.
لدى السوريين قصص كثيرة يروونها عن حصتهم من المأساة والقهر والوجع. الذكريات أكثر من أليمة. وسيعيد السوريون منذ اليوم كتابة ذاك التاريخ، ما له وما عليه، غير أن ذلك ماض أصبح وراءهم أكثر ما يعنيهم منه الآن العدالة. أما أمامهم فمستقبل بتحديات كبيرة ينبغي ألا تقلل من أهميتها فرحة الخلاص. سيكون على السوريين، كل السوريين، خوض معركة جديدة وجدية عنوانها بناء الدولة حتى لا تتحول إلى ليبيا أو صومال جديدة.
سيكون على السوريين أن يدخلوا مخاضات جديدة وطويلة تتعلق بالقيم الجديدة للدولة وبناء مؤسساتها وجيشها وتأمين مواردها وقد أُفقرت بشدة، وكذلك التعامل مع الواقع الممزق لجغرافيا الدولة وطوائفها وعلاقتها بدول الإقليم، خصوصاً أن الأسد أُسقط على يد مجموعة من الفصائل المدعومة تركياً، وبعضها مصنف دولياً على قوائم الإرهاب.
لا وقت أمام السوريين ليغرقوا في ملفات الماضي، وإلا أغرقوا بلادهم في ملفات الحاضر واستمروا في إخراجها من التاريخ.
أن تتجاوز سوريا واقع “الدولة الفاشلة” تحد سيكون على السوريين خوضه منذ اليوم وهم يتلمسون أولى خطاهم نحو الديمقراطية وقد طلبوا الحرية لا استبدال ديكتاتور بغيره أو شمولي بآخر، وقد طلبوا الخلاص من الفساد لا استبدال الطبقة المستفيدة منه.
قد يكون من المبكر الحديث عن المستقبل والناس لم يلملموا جراحهم ولم يجدوا مفقوديهم ولم يتجاوزوا صعوبة واقعهم المعيشي الذي قد يزداد تعقيداً، غير أن تحديد البوصلة منذ الأيام الأولى أمر يبدو ضرورياً لشعب محكوم بالمخاوف.
دفع السوريون كثيراً ثمن سكوتهم الطويل، وقد يكون عليهم دفع ثمن أكبر إن لم يقرروا مصيرهم بوضوح وقد لاحت فرصة قد لا تتكرر.
لسوريا كل سوريا فجر جديد يكتبه أبناؤها بحياتهم لا بدمائهم.
مهند أبو زيتون