يجب أولاً أن نقر ونعترف بوجود صراع على تغيير وجه السويد وتوجهاتها داخل المجتمع السويدي، صراع يطفو على السطح ويشتد وضوحاً في هذه الفترة التي أعقبت فوز اليمين واليمين المتطرف بالانتخابات الأخيرة، قبل حوالي 6 أشهر. انتخابات سمحت بسيطرة غير مسبوقة لليمين المتطرف على القرارات الحكومية، وعلى معظم قرارات البرلمان الريكسداغ، والسيطرة بالتالي حتى على المزاج العام للمجتمع السويدي، حين انتقلت النزعات العنصرية وكراهية الأجانب من صوت هافت ومنبوذ إلى خطاب علني ووقح، أزال القناع عن أقنعة كانت تخفي الوجه القبيح للعنصرية.
لكن هذا لا يعني أن السويد كلها أو معظمها راضية عن هذا التحول، هناك توجهات وقوى عديدة بل وأحزاب عريقة لا تزال تقف وتتصدى لتيارات التطرف اليميني بكل أنواعه، مع أن بعض هذه الأحزاب ولاعتبارات انتخابية خففت من حدة مواجهتها لهذه التيارات.
المفارقة أن المتضرر الأول من تنامي النزعات العنصرية هم سكان السويد من أصول أجنبية، بغض النظر عن خلفياتهم الإثنية والثقافية والدينية، ومع ذلك لا نجد أي حضور فاعل لهؤلاء الأجانب في هذا الصراع على السويد، بين من يريدون الإبقاء عليها كما يعرفها العالم، دولة الإنسانية ومجتمع الرفاهية المتعدد الثقافات، وبين من يريد أن يحولها إلى دولة معزولة ومتقوقعة لا تؤمن بالتعددية أو بالمساواة بين البشر، فكما كانت النازية القديمة تفرز الناس وتقسمهم على أساس العرق، تريد النازية الجديدة أن تفرق الآن بين السكان على أساس الفروقات الثقافية، ولكي يهربوا من وصمة العنصرية الواضحة يلجؤون إلى عنصرية مبطنة، باستبدال العرق بالثقافة. فهم يروجون علناً إلى أن الثقافة السويدية والأوروبية الشمالية أرقى من الثقافات الأخرى المتدنية، حسب تعبيرهم.
خلال فترة قصيرة نشرت الكومبس مادتين فيهما إشارات واضحة عما يمكن للضحية أن تسهم به في الدفاع عن نفسها، وعدم ترك السويدي يدافع عنها وحده، مع أن السويدي المؤمن بالدفاع عن مجتمعه ضد العنصرية والتطرف اليميني هو يفعل ذلك ليس فقط من أجل سواد عيون الأجانب بل أيضاً من أجل نفسه، لأن آفة العنصرية يمكن أن تلحق الضرر بكل السويد، وكذلك نحن حين نسهم بالتصدي للعنصرية لا نحمي فقط أنفسنا وأبناءنا بل أيضاً نحمي المجتمع الذي يحتضننا جميعاً.
المادة الأولى مقابلة أجرتها الكومبس مع الكاتب الصحفي والأستاذ الجامعي نيلس فونكه (Nils Funcke) الذي عمل في عدة لجان وأبحاث تتعلق بحرية التعبير وساهم في تأسيس Allmänhetens Medieombudsman أو أمين مظالم وسائل الإعلام، في حوار يستهدف توضيح معنى حرية التعبير ومتى وكيف وإلى أي حد يمكن استخدامه ومتى يتحول إلى أداة وحجة للتحريض وإيذاء الآخرين؟
من أهم ما جاء في المقابلة التي نشرناها في 21 فبراير وإضافة إلى أنها تشرح لنا معنى “حرية التعبير” بمفهوم القانون والقضاء السويدي، فإن الباحث فونكه أعطى نصائح قيمة عما يجب على المسلمين المتضررين من تصرفات بالودان القيام به والتركيز عليه، خصوصاً في الأعمال والنشاطات المدروسة التي تعطي نتائج تنعكس على الرأي العام وتغيير توجهاته، إلى الوصول للبرلمان وصياغة تعديلات واقعية مدعومة من الأحزاب والصحافة وغيرها من الجهات المؤثرة.
هناك شيء آخر لافت جاء بالمقابلة، كنا نتمنى ألا يمر مرور الكرام على المهتمين بالدفاع عن أنفسهم من المسلمين ضد العنصرية. يقول الباحث “من الواضح أن هناك استغلال لقانون حرية التعبير من أجل نزع صفة الإنسانية عن المسلمين. استخدام كلمة avhumanisering أي نزع صفة الإنسانية عن مجموعة ما، هو تماماً ما فعله هتلر والنازيون عندما ارتكبوا مجازر الإبادة بحق اليهود والرومار وغيرهم من المجموعات التي اعتبروها أقل شأناً منهم، وهذا ما حصل عند الإبادات الجماعية في كمبوديا ورواندا وضد الهنود الحمر في أمريكا. إذاً من المهم جداً الأخذ بهذه الناحية عند التصدي لأمثال بالودان الكثر في هذه الأيام.
المادة الثانية هي أيضاً مقابلة أجرتها الكومبس ونشرتها في 9 مارس، مع مسؤول شرطة الاندماج في يوتيبوري، أولف بوستروم، مقابلة غنية وشيقة وفيها كثير من المعلومات والنصائح. واللافت هو أن هذا الشرطي الذي عمل مع المهاجرين في منطقهم المهمشة 20 عاماً وجّه رسالة مفتوحة إلى السلطات القضائية ورئاسة الشرطة لمنع حرق المصحف، لكن هذه الرسالة وكما قال الشرطي هي رسالة للمجتمع السويدي ورسالة للمتضررين لكي يستخدموا ما هو قانوني ومتاح لتغيير أو تعديل القوانين التي باتت تتعارض في بعض بنودها مع ثقافات المهاجرين، والمهاجر له الحق باقتراح تعديلات كما للآخرين، لأن المهاجر ليس فقط ماكينة عمل لصنع البيتزا أو سياقة باص وليس ديكوراً في حزب أو في مؤسسة تعليمية أو بحثية، فهل وصلت الرسالة؟ وهل سندع السويديين يدافعون وحدهم عن قضايانا؟ أم سنجد قريباً العنصر المهاجر في المنظمات المدنية والحقوقية وفي جمعيات فاعلة ومؤثرة وفي الإعلام وفي السياسة والأحزاب؟