طالبت الناطقة باسم شبيبة حزب ديمقراطيي السويد (SD) بسحب الجنسية السويدية من الأشخاص الذين يرفضون التكيف مع المجتمع السويدي، سواء عن طريق عدم تعلم اللغة، أو لأنهم يرفضون العمل، أو من خلال ممارسة أي وسيلة أخرى تعيق الاندماج. هذا الكلام، الذي يشكل من ناحية قانونية على الأقل خطراً كبيراً على الدستور السويدي، ويمكن أن يكون له تداعيات سيئة جداً على المجتمع، صادر عن سياسية شابة تمثل نموذجاً لجيل جديد من قادة حزب SD، ما يعطي الانطباع بأن هذه الشريحة من الأبناء تسير على خطى الآباء المؤسسين للحزب وربما بنهج أكثر تطرفاً. فهل سقطت السويد فعلاً في منحدر اليمين المتطرف جيلاً بعد جيل؟
لم يمر مقال السياسية الشابة دنيس فيستربيري (Denice Westerberg)، الذي نشرته صحيفة إكسبريسن (Expressen) الأربعاء الماضي، مرور الكرام دون رد. من هذه الردود ما نشره المحامي المعروف بيتر هيلمان (Peter Hellman)، الذي أوضح أن الجنسية السويدية محمية بموجب الدستور، وأن إلغاءها يتعارض في معظم الحالات مع القانون الدولي. وقد انتقد الأسباب “الواهية وغير المنطقية” التي استندت إليها الكاتبة في مطلبها بسحب الجنسية السويدية.
يستنتج المحامي أيضاً، من خلال تغريدة نشرها على موقع X، أن مقال المتحدثة باسم شبيبة حزب SD يُظهر أن جيل السياسيين الجدد القادم من هذا الحزب يسير على درب آبائه المؤسسين، باتباع سياسات معادية للهجرة ومتشددة تجاه الاندماج.
محامٍ سويدي آخر علق بسخرية على مطالب الكاتبة بسحب الجنسية ممن لا يتكيف مع المبادئ الديمقراطية للمجتمع، حيث كتب في تعليق: “سخطاً! وما الذي يعرفه حزب SD عن المبادئ الديمقراطية أصلاً؟”.
من المهم الاطلاع على مقال المتحدثة باسم شبيبة حزب ديمقراطيي السويد (SD) وكيف رددت أسطوانة حزبها المشروخة، في الربط بين سخاء سياسة الهجرة “الساذجة” سابقاً وتعثر الاندماج حالياً، من خلال تزايد الجريمة، وظهور المجتمعات الموازية، وانتشار الإسلاموية في كل أنحاء المجتمع السويدي كما تقول. ومن الضروري أيضاً متابعة ما قالته ضمن اللعب على وتر القومية السويدية، عندما كتبت: “الجنسية السويدية ليست مجرد ورقة، إنها امتياز يتطلب المسؤولية والفخر. من يرفض التكيف مع المجتمع السويدي، يجب ألا يحتفظ بجنسيته”. طبعاً، وكما هو واضح، هي تقدم حلاً ساذجاً وغير واقعي لمشكلة عدم اندماج البعض في المجتمع لأسباب تختلف من حالة لأخرى. الحل عندها هو سحب الجنسية.
الأدهى من ذلك أن الكاتبة دعت إلى ضرورة سحب الجنسية حتى ممن يذهبون في إجازات إلى بلدانهم الأصلية. يجب أن ننتبه، هي لا تتحدث عن سحب إقامات، بل تريد سحب جنسية من يذهب في إجازة إلى بلده الأم. لنقرأ ما كتبته بهذا الصدد: “أولئك الذين يعودون إلى بلدانهم الأصلية لقضاء الإجازات، رغم ادعائِهم بأنهم هربوا من بلدانهم بسبب الحرب أو الاضطهاد، يجب أن يفقدوا جنسيتهم فوراً. إذا كان بلدهم الأم آمناً بما يكفي لقضاء الإجازة فيه، فهو أيضاً آمن بما يكفي لعودتهم إليه وتركهم للسويد”.
ما نريد أن نستنتجه من خلال استعراض هذا المقال، الذي يمثل سياسة العداء الواضح للهجرة واللجوء، وتعليق كل مشاكل البلد على شماعة اللاجئين، هو أن هناك صراعاً على السويد، مع ذكر واستعراض ردود الفعل والانتقادات التي رافقت نشر هذا المقال. إنه صراع على شكل السويد كبلد وكمجتمع، بين جهات تريد غلق هذا البلد وعزله، واستبدال قيمه من التعددية إلى الأحادية، وتحويل السويد من بلد مدافع عن حقوق الإنسان في كل العالم إلى بلد يفرق بين إنسان وآخر على أرضه، وبين جهات تريد المحافظة على قيم السويد العريقة وعلى صورة هذا البلد أمام الأمم والشعوب الأخرى.
الصراع هو بين من يقول إن من حق السويد أن تتغير وتتجه أكثر نحو الاهتمام بشعبها وسكانها غير المهاجرين، وأن تحافظ على ثقافتها من الذوبان في محيط من ثقافات أخرى غريبة تنمو بشكل “مخيف”، وبين من يقول إن مصلحة السويد تكمن في انفتاحها على الآخر، وفي تقوية مجتمع متعدد الثقافات، وفي الحفاظ على قيمها الداخلية وصورتها الخارجية. لأن المجتمعات المغلقة مصيرها التلاشي والاضمحلال.
هو صراع ديمقراطي إذاً بين تيارين، كل طرف يحاول الاستفادة من الأدوات القانونية المتاحة له، لزيادة شعبيته وتحويل الأيديولوجيات الحزبية إلى سياسات وقوانين واقعية. لكن نريد أن نؤكد أن عدم المعرفة والإلمام بما يجري في المجتمع من تجاذبات بين هذين التيارين، يجعل الفئات الضعيفة وغير المحمية تقف في المكان الخطأ.
إذا كنا نرى أننا مع السويد متعددة الثقافات، ونريد أن نكافح ضد الأحادية القائمة على العنصرية، فعلينا أيضاً أن نتقبل الآخر ولا نظهر الكراهية والعداء لمن نختلف معهم في التوجه أو الرأي. ليس من المقبول أن نعادي المثليين مثلاً في المجتمع، وفي الوقت نفسه نطالب بحقوق متساوية للمسلمين أو المسيحيين. وإذا كنا حريصين على الديمقراطية وعلى أن يصل صوتنا ورأينا، يجب أن نحترم رأي وصوت الآخرين حتى لو اختلفنا معهم.
لا شك أن خيبات الأمل تزايدت بعد المواقف الضبابية والمنحازة أحياناً للحكومة السويدية الحالية حول ما يجري في غزة لمدة أكثر من عام، وحول ما يجري الآن في لبنان. خيبات الأمل انتشرت، ومن الممكن أن تفرض حالة من عدم الثقة وقلة المصداقية بين الناس ليس فقط بالسياسيين، بل بمؤسسات البلد والصحافة التي تغطي هذه الحرب.
لكن عدم مشاهدة الصورة كاملة يجعل خيبات الأمل التي نتحدث عنها وحالات عدم الثقة وقلة المصداقية تنقلب إلى نقمة وخراب على الجميع. ليس من صالح أحد أن يكون هناك جزء من المجتمع ناقماً وفاقداً للثقة بالمجتمع الذي يعيش فيه، بسبب اتخاذه موقفاً مما يشاهده ويسمعه من زاوية واحدة دون النظر إلى الصورة كاملة كما قلنا.
والصورة الكاملة هنا أن السويد ليست حزب SD وليست فقط سياسات الأحزاب الحكومية الحالية. بل هناك سياسات أخرى وأصوات مختلفة وأحزاب متعددة، وهناك صحف ووسائل إعلام مستعدة لسماع رأيك وانتقاداتك. فالصورة ليست قاتمة كما يشاهدها البعض أو كما يريد أن يشاهدها.
الأخبار ووسائل الإعلام دائماً تبحث هنا عن التوازن، والسؤال هو: مع أي جهة يجب أن تضع نفسك لتحقيق عدالة هذا التوازن؟ وكيف تؤثر، حتى لو بمشاركة بسيطة، بفعالية أو بمظاهرة أو بكلمة أو بتصحيح معلومة؟
استمعنا مؤخراً لحلقة خاصة من برنامج Medierna الشهير على الراديو السويدي، وهو برنامج يتناول عادة بالنقد والتحليل وسائل الإعلام السويدية. الحلقة تناولت تغطية وسائل الإعلام السويدية للحرب على غزة خلال عام كامل. هل كانت هذه الوسائل متوازنة وتتمتع بالنزاهة والحياد؟ كيف كانت اللغة الصحفية والخطاب الإعلامي المستخدم في التغطية؟ هل كان الإعلام السويدي يخفي أو يقلل من قيمة جوانب معينة على حساب إظهار جوانب أخرى خلال تغطية هذه الحرب؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت محور نقاش نقدي وتحليلي ضمن هذا البرنامج.
من المجدي ربما التطرق إلى هذا الموضوع بشكل أوسع، لكن نريد فقط أن نذكره كمثال على أن السويد في صراع، وأن هناك صراعاً ديمقراطياً على السويد، وعلى أن للجميع الحق في المساهمة في هذا الصراع الديمقراطي، شرط أن يعرف كل شخص أين يقف ومع من ومن أجل ماذا.
محمود آغا