قبل أن نحكم بأن الموضوع مؤامرة ونحبط الآخرين

أسماء جديدة تنضم إلى سلسلة من شخصيات سياسية في السويد، من أصول عربية أو إسلامية تركوا العمل الحزبي والسياسي مجبرين بأوامر مباشرة من أحزابهم، أو تحت ضغط الإعلام. خلال يومين فقط غادر هذا الأسبوع حزب اليسار عضوين قديمين كانا يحتلان مناصب متقدمة جنوب السويد، الحديث عن د. علي هدروس المنتخب لمجلس مدينة لاندسكرونا والآخر عروة قدورة نائب رئيس الحزب في مدينة مالمو الذي طلب منه الحزب العودة عن الاستقالة.

يعتقد كثيرون بأن من المؤسف أن تصل شخصيات من أصول أجنبية إجمالاً إلى مراكز حزبية وسياسية مهمة ويجري إقصاؤها لأسباب قد تتعلق بمجملها بسوء تصرف أو عدم دراية بأهمية الحذر والوعي بمسؤولية الحفاظ على المستقبل السياسي لأنفسهم، ولكن هناك من يعتقد بأن هؤلاء هم ضحية ضغط موجه وإقصائهم جاء نتيجة لمواقفهم من قضايا تخص البلدان والمعتقدات التي يحملونها.

أمثلة كثيرة عن شخصيات من أصول عربية وإسلامية جرى استبعادها من السياسة السويدية بعد أن وصلت إلى مراكز حزبية مهمة، قد نذكر منهم جمال الحاج عضو البرلمان السويدي الحالي، الذي تخلى عنه الاشتراكي الديمقراطي، واستبعده بعد مسيرة امتدت حوالي 30 عاماً في الحزب والنقابات الحزبية، إثر ضغط قوي من الإعلام بسبب مشاركته بمؤتمر العودة أولاً وبعد اتهامه باستغلال منصبه البرلماني للتأثير على مصلحة الهجرة في منح أحد الأئمة الإقامة الدائمة في السويد. وقبله مصطفى عمر الذي وصل إلى اللجنة المركزية لنفس الحزب لكنه استبعد قبيل انتخابات 2014 بعد حملة إعلامية ضده بسبب حضوره مناسبات اعتبرت معادية للمثلية واليهود. فيما أجبر الوزير محمد قبلان من حزب البيئة على الاستقالة من حكومة ستيفان لوفين الأولى العام 2016 لأنه شوهد جالساً مع أعضاء في جمعية “الذئاب” التركية القومية المتشددة. ونذكر أيضاً القيادي في حزب البيئة يسري خان الذي ترك السياسة وسحب ترشحه لعضوية قيادة الحزب بعد أن تعرض لانتقادات شديدة لرفضه مصافحة صحفية سويدية خلال لقاء تلفزيوني، بسبب عقيدته الإسلامية. والقائمة تطول.

قد لا يكون فشل هؤلاء أو غيرهم في الحفاظ على مواقعهم وتطور مستقبلهم السياسي، مقياساً صالحاً للحكم على الجميع، والحكم بالفشل على تجارب موجودة أو مستقبلية لسياسيين من أصول أجنبية وشرق أوسطية تحديداً، ولكن من المهم تناول هذه التجارب والوقوف عندها.

في مقابلة أجرتها الكومبس مع د. علي هدروس بعد إجباره على ترك الحزب وتوقيفه مؤقتاً عن ممارسة عمله في التدريس، نفى نفياً قاطعاً أن يكون معادياً للسامية، لكنه لم يقر بأن ما فعله من نشر لأفلام وصور حول تشبيه هتلر بنتنياهو، وحول تضخيم لدور اليهود، هو فعل معاد للسامية، وقال إنه لو كان يعلم، بأن هذه المنشورات تعد “معادية للسامية” هنا في السويد لما كان قد نشرها على الإطلاق.

كلام يستحق المراجعة والتمحيص، لأننا نستنتج منه بأن الموضوع له علاقة بالمعرفة، بمعرفة أين تعيش وما هي القوانين والقواعد والأعراف السائدة حالياً، والتي تغيرت مع الوقت، بكلام آخر وكما يبدو، فإن القيادي في حزب اليسار غير مطلع بما يكفي على التطورات التي طرأت على تعريف “معادة السامية” خاصة بما يخص العلاقة مع إسرائيل.

في مقابلة أجرتها الكومبس مع بدء الحرب على غزة مع الصحفي السويد من جريدة إكسبو يوناتان ليمان والمختص بمكافحة العنصرية، أوضح أن معادة السامية، أخذت أشكالاً أخرى في العصر الراهن لها علاقة بنظريات المؤامرة التي تضخم دور اليهود وتعتبرهم مسؤولين عن كل أو معظم الكوارث والحروب والأوبئة في العالم.

بعد المقابلة مع د. علي قمنا بمراسلة نفس الصحفي المختص ليطلعنا مرة أخرى على الفرق بين معادة السامية والحق في انتقاد إسرائيل وأعمالها الوحشية في غزة. هنا نختار أن ننقل إجابات الصحفي يوناتان ليمان للفائدة:
“كان من الواضح أن منشورات هدروس تتضمن نظرية مؤامرة تدعي أن هناك قيادة يهودية للماسونية تتحكم في الولايات المتحدة، وهي نظرية مؤامرة نمطية معادية للسامية. انتشرت أسطورة المؤامرة اليهودية العالمية التي تستخدم الماسونية لتنفيذ أجندتها بشكل كبير في بداية القرن العشرين. من المشروع تماماً انتقاد رئيس الولايات المتحدة والسياسيين الآخرين في الولايات المتحدة والجماعات الضاغطة المختلفة بسبب وجهات نظرهم تجاه إسرائيل وفلسطين. لكن عندما يتم الحديث عن أن هناك مؤامرة يهودية تتحكم في سياسة الولايات المتحدة، فإن هذا يعتبر معاداة صريحة للسامية.

يزعم الفيلم أيضاً أن هذه المؤامرة اليهودية كانت وراء الحربين العالميتين الأولى والثانية، مرة أخرى، هذه الادعاءات متجذرة تماماً في التقاليد المعادية للسامية. استغل النازيون في ألمانيا هذه الأساطير حول الحرب العالمية الأولى للتحريض على كراهية اليهود، مما أدى في النهاية إلى المحرقة. وبعد الحرب العالمية الثانية، تم تصوير هذه الحرب أيضاً كعمل “من اليهود”.

يدعي هدروس أيضًا أن الصحفيين في صحيفة Sydsvenskan يتلقون رواتب وأن الصهيونية الدولية هي التي تمول هذا العمل. هنا يتصرف هدروس بناءً على رد فعل معادٍ للسامية. الفكرة الأساسية هي أن هناك سلطة وتلاعب يهودي يتحكم في وسائل الإعلام، لذلك عندما يكون هدروس غير راضٍ عن وسائل الإعلام (وهو بالطبع له الحق في ذلك)، فإنه يوجه هجومه نحو اليهود. يمكنك انتقاد وسائل الإعلام والصحفيين الأفراد. يمكنك انتقاد التغطية المتعلقة بإسرائيل وفلسطين، لكن هذه مجرد اتهامات لا أساس لها وتتماشى تماماً مع الفكر المعادي للسامية.

وأخيراً فإن إدعاء هدروس بأن العرب لا يمكن أن يكونوا معادين للسامية هو ادعاء خاطئ. معاداة السامية مصطلح يتعلق بكراهية اليهود، أرادوا منه إعطاء المصطلح طابعاً علمياً وجاداً. لكن دائماً كان يعني فقط كراهية اليهود. إنه لا يتعلق بالأشخاص الذين يتحدثون اللغات السامية”. انتهت إجابة الصحفي على سؤال الكومبس.

في العودة إلى موضوع ضحايا الاستبعاد السياسي “للمشاغبين” ممن لهم أصول شرق أوسطيين في السويد، علينا أن ننظر إلى الصورة كاملة، فالضحية هنا يمكن أن يكون ضحية تقصير بعدم المعرفة أو عدم انتباه، قبل أن نحكم على أن الموضوع مؤامرة ونحبط بالتالي الآخرين ممن يطمحون في الانتماء للأحزاب السويدية ويستطيعون ممارسة حقهم في قول الحقيقة دون الوقوع في فخ عدم المعرفة بالمحيط الذي نعيش فيه، وهناك أمثلة عديدة وخاصة من حزب اليسار وغيره عن سياسيين يجيدون لعبة التوازن والمعرفة بشكل ممتاز.

محمود آغا