افتتاحية الكومبس

ضحايا غزة يعيدون تعريف معنى “الإرهاب”

: 1/5/24, 5:09 PM
Updated: 2/6/24, 12:54 PM
ضحايا غزة يعيدون تعريف معنى “الإرهاب”

لنتحدث بصراحة ووضوح – الإسرائيليون أيضاً يمارسون الإرهاب، بهذا العنوان استهل الباحث والأستاذ الجامعي ماركو نيلسون مقالاً نشرته الجمعة مسائية أفتونبلادت السويدية. عنوان لمقال آخر تضمن نفس كلمات الوضوح والصراحة لرئيس تحرير القسم الثقافي في صحيفة إكسبريسن فيكتور مالم، وكما نعرف الصحيفة محسوبة على اليمين في السويد.

إذاً بدأت الصحافة السويدية تتحدث عن “الصراحة” و”الوضوح” بعد 90 يوماً من تدمير منهجي غير مسبوق لقطاع غزة الذي يعد واحدة من أكثر مناطق الأرض كثافة سكانية، وما خلفه ذلك من أعداد غير مسبوقة بعدد الضحايا المدنيين خصوصاً الأطفال. بدأت الآن أقلام سويدية تكتشف أن الانحياز الظالم أو الصمت المريب هو مشاركة عملية بالجريمة، أو على الأقل خيانة معلنة لمبادئ وقيم المجتمعات الغربية، التي طال التغني والافتخار بها، هذه المبادئ والقيم أصبحت الآن على المحك.

عناوين لعشرات المقالات المماثلة باتت تزدحم بها الصحافة السويدية التي بدأت شيئاً فشيئاً تحرر نفسها من الخوف غير المبرر، ومن الحذر غير المجدي في الكتابة عن الحقائق بشكل أكثر وضوحاً وصراحة، ولكن يمكن أن يعد التطرق لمعنى “الإرهاب” في مقال الباحث والأستاذ الجامعي ماركو نيلسون، من أكثر هذه المقالات جرأة، لأنه ينتقد السياسيين ووسائل الإعلام لعدم واقعيتهم في استخدام مصطلح “الإرهاب” ويطالبهم بأن يكون لهم منطق متماسك ومتناسق أكثر. ويعطي مثالاً عما يجري في الضفة الغربية من هجمات وانتهاكات من قبل المستوطنين ضد سكان الأرض الأصليين، ومع أن الإعلام السويدي أو الغربي إجمالاً، يحاول تغطية ما يجري لكنه يفشل في تسمية الأمور بمسمياتها الصحيحة.

يقول الكاتب بهذا الصدد “لا توجد مشكلة في تعريف هجمات حماس ضد الإسرائيليين بأنها “أعمال إرهابية”، لكن هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين غالباً ما تكون مجرد “عنف من جانب المستوطنين”. ويستخدم السياسيون والوزراء السويديون نفس هذه التعابير أيضاً”.

ويضيف “بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر، تزايدت التقارير الإعلامية حول قيام المستوطنين الإسرائيليين، الذين يعيشون على الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل غير قانوني في الضفة الغربية، بمهاجمة الفلسطينيين. ومثل هذه الهجمات مستمرة منذ سنوات، لكن حدتها زادت في الآونة الأخيرة، ربما لأن الحرب في غزة خلقت في البداية تعتيماً إعلامياً على ما يجري في الضفة الغربية”.

ويتساءل الكاتب هل يستطيع صحفي غربي، لكي يكون تقريره متوازناً، أن يقول مثلاً عن هجمات حماس من غزة أنها مجرد “عنف لاجئين” مقابل “عنف مستوطنين” في الضفة؟ حتماً سيكون ذلك بمثابة انتحار صحفي، يجيب الكاتب عن تساؤله بنفسه.

ويعود مرة أخرى ليطرح موضوع تعريف الإرهاب من زاوية أخرى، فنرى أن المسار الأفضل في اختيار التعريف أن الإرهاب هو العنف الذي يُمارس بدوافع سياسية ضد المدنيين. موضحاً أن العديد من وسائل الإعلام تستخدم مصطلح “إرهابي” وفقاً لتصنيفات الاتحاد الأوروبي، حتى لا تضطر بنفسها إلى الحكم على جهة بلصق تهمة الإرهاب. ولكن هل كل الإرهابيين في العالم أعضاء في منظمات مدرجة ضمن قوائم الإرهاب الأوروبية؟

يعتقد الكاتب أن هذا بحد ذاته لا ينبغي أن يردع وسائل الإعلام السويدية، ويجعلها في الواقع تتبع بشكل أساسي إسرائيل وكيف تنظر هذه الدولة إلى الأمور، قائلاً “ربما يخشى الناس في السويد من التعرض لانتقادات من الحكومة الإسرائيلية، التي غالباً ما تستخدم ورقة معاداة السامية لحماية مصالحها السياسية. لكن مثل هذه الانتقادات لا بد أن تقابل بالحجج العلمية وأن تواجه باستخدام قواعد القيم السويدية، التي تنطلق من كون كل البشر لديهم قيمة متساوية”.

ويحذّر الكاتب من أن استمرار وسائل الإعلام ووزراء الحكومة في وصف أعمال المستوطنين المتطرفين بـ”العنف” وليس بـ”الإرهاب”، سيؤدي إلى تقليص الأهداف السياسية البعيدة المدى للعنف وإلى إضفاء الشرعية بشكل غير مباشر على الاحتلال غير القانوني والممتد.

ويختم الكاتب بتساؤل آخر: أليس الاستيلاء على ممتلكات شخص آخر عن طريق التهديد والإرهاب وأحياناً باستخدام القتل هو من أجل تحقيق أهداف سياسية أو دينية؟ إذا لم يكن هذا إرهاباً، في حين نسمي هجمات حماس بالإرهابية، فإننا نعيش مع “أليس في بلاد العجائب”.

نعم يمكن أن نرصد تحولاً كبيراً في تناول مصطلحات اعتاد عليها السياسيون ووسائل الإعلام في السويد، ومنها مصطلح الإرهاب، هل ضحايا غزة هم الذين يعيدون الآن تعريف معنى “الإرهاب”؟ وهل احتاجت السويد والعالم إلى كل هذا العدد من الضحايا المدنيين الأبرياء حتى تبدأ التحول نحو مشاهدة الحقيقة؟ وحتى نستطيع أن نرى مقالات تتحدث عن “الصراحة” والوضوح؟.

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.