افتتاحية الكومبس

طبول الحرب تخلق دوامة صمت في السويد

: 1/12/24, 5:29 PM
Updated: 1/14/24, 7:57 PM
طبول الحرب تخلق دوامة صمت في السويد

تتحول السويد إلى دولة تولي العسكرة أهمية كبيرة. ميزانية ضخمة للدفاع ودعم عسكري مباشر لأوكرانيا بالتزامن مع طلب الانضمام إلى الناتو. وأخيراً قرع طبول الحرب بدعوة جميع السويديين للاستعداد نفسياً لاحتمالاتها.

الخوف السويدي التاريخي من روسيا، إضافة إلى سوابق موسكو بالتحرش بالبلد الاسكندنافي المسالم، وأهمية منطقة البلطيق استراتيجياً، كل ذلك دفع السويديين إلى الخشية من أن تكون بلادهم الهدف التالي بعد أوكرانيا، لذلك رأى معظم سياسييهم ضرورة الاحتماء بالناتو، والمساعدة على إغراق روسيا في الوحل الأوكراني حتى النهاية. وباستثناء أصوات قليلة، أجمع السياسيون السويديون تقريباً على الذهاب لاستراتيجية مواجهة.

رغم المخاطر التي سببتها الحرب الأوكرانية واعتبرها السويديون “الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية”، فإنه ليس لـ”خطاب الحرب” ما يبرره على الصعيد المباشر. لم تُطلع الحكومة السويدية الشعب على أي معلومات جديدة تبرر تصعيد نبرة التحذير من الحرب. واكتفت بالإشارة إلى المخاطر العامة المستمرة منذ حوالي سنتين.

من مصلحة أي بلد أن يعزز قدرته على الدفاع خصوصاً في ظل الاضطراب الذي يشهده العالم، ومن الجيد أن يكون الناس مستعدين لأي أزمة، لكن قرع طبول الحرب له مخاطره أيضاً إن كان دون مبرر.

أصبح واضحاً أن السويد تتغير. البلد الذي يعطي الأولوية للحلول السلمية والديمقراطية وحقوق الإنسان يتغير باتجاه تقديم الحلول العسكرية، في أكثر من ملف. ولعل موقف الحكومة من حرب غزة مثال واضح.

التحول إلى العسكرة يفرض معه نوعاً من دوامة الصمت في البلاد، بحيث يبدو أي صوت مختلف في أي من الملفات، خارجاً عن الجماعة. أي مقاربة مختلفة لتطور الوضع المعقد في أوكرانيا، ينظر إليها على أنها تأييد للديكتاتور الروسي. وأي تضامن مع المدنيين في غزة، يواجه في بعض وسائل الإعلام بالتشكيك والاتهام.

أصوات قليلة حتى الآن نبّهت لخطورة الترويج الأعمى للحلول العسكرية، منها على سبيل المثال مقال فريدا سترانه في القسم الثقافي في أفتونبلادت التي كتبت أن “الإيمان الأعمى بالحلول العسكرية يخاطر بخلق مخاوف جدية بشأن أمن أوروبا ورفاهيتها في المستقبل. ونحن نعلم من التجربة أن قدرة الحرب على تحقيق الاستقرار والديمقراطية غير موجودة. في كل مرة تذهب فيها الولايات المتحدة إلى الحرب وتدعي أنها تريد إنقاذ الحرية للجميع، تنتهي بانسحابها بعد خسائر فادحة وتدهور الوضع الأمني”، مستشهدة بفيتنام والعراق وأفغانستان.

الكاتبة رأت أن السياسيين “يفضّلون إعداد السويديين لإرسال شبابنا إلى حروب مستقبلية بدلاً من الاستماع إلى المعارف التي تقدم شيئاً عن كيفية منع الحرب من الوصول إلى البلاد”.

الحلول العسكرية تفرض تغيراً في المجتمع ويخشى معه أن يتجه أكثر فأكثر إلى النظرة الأحادية التي تقتل التعدد وتهدد الحرية. وأياً يكن الخيار الاستراتيجي للسويد، فإن مقاومة الأحادية عمل ضروري على الأصعدة الشعبية والإعلامية. اختراق داومة الصمت قد يبدأ بمقال في صحيفة وينتهي بعمل ديمقراطي منظم تشترك فيه جمعيات وأحزاب.

أفضل شيء في الحرب انتهاؤها، لكن الأفضل دائماً ألا تندلع أصلاً.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.