حجم التعاطف الذي حصل عليه الطفل مرهف حميد في السويد له دلالته. المبلغ الذي جمعه بملايين الكرونات خلال فترة قصيرة كان بمثابة استفتاء شعبي على الإنسانية في بلد يريد اليمين المتطرف أخذه إلى مجاهل العنصرية.
صورة الطفل وهو يحمل “زهرة مايو” صفعت كل المحاولات التي يبذلها ناشطو اليمين المتطرف على السوشال ميديا لتطبيع العنصرية. واضطرت حتى جيمي أوكيسون إلى إبداء التعاطف. بدت الأصوات المتطرفة أقلية رغم صوتها العالي.
المتطرفون من جميع الجهات يملؤون التواصل الاجتماعي ضجيجاً، لكنه ضجيج أشبه بصوت العربات الفارغة. ينحاز البشر إلى إنسانيتهم حين يوضعون على المحك بعيداً عن حسابات الأصوات والسياسة.
تعاطف من نوع آخر، عبّر عنه السودانيون هذه المرة. قصة أب يرقد في المستشفى وحيداً في ستوكهولم بعيداً عن كل أفراد عائلته الذين تمنعهم الحرب في بلادهم من الوصول إليه. التعليقات والاتصالات انهالت على الكومبس بعد نشرها القصة. أشخاص يسألون عن طريقة تقديم المساعدة للأب ويعتبرون أنفسهم أبناءه في السويد. فيما كانت التعليقات العنصرية تملأ الدنيا ضجيجاً حول السويديين السودانيين الذين علقوا وسط حرب طاحنة في بلدهم الام. تعليقات أراد كاتبوها أن يأخذوا الرأي العام إلى مساحات من البغض والكراهية بالقول “اتركوهم في البلد الذي عادوا إليه”.
لم تكن تعليقات كهذه تلقى انتشاراً كبيراً في السويد قبل أعوام. ولم يكن مقال رئيس لجنة العدل ريكارد يومسهوف (SD) عن الإسلام ليمر مرور الكرام. المد المتطرف يتسع، غير أن ضجيجه الافتراضي يفوق حجمه الحقيقي بتقديرنا. نقول ذلك ونحن نعرف أن حزب اليمين المتطرف حلّ ثاني أكبر الأحزاب بنتيحة الانتخابات الأخيرة، ونعرف أن محاولات تطبيع العنصرية تجري على قدم وساق، لكن الرهان ما زال قائماً على قوى واسعة من المجتمع السويدي. والسؤال الجوهري الآن هو عن دورنا كمهاجرين في تغليب هذه القوى، والتعاون معها لوقف المد العنصري، إن من خلال محاولة النجاح كأفراد، أو عبر تنظيم أنفسنا في جمعيات يكون لها وزن ودور يوماً ما. فهل سيكون لنا دور أم سنكتفي كالعادة بالفرجة والتذمر؟
لم يحصل مرهف وغيره من الاطفال على الإقامة السويدية رغم التعاطف الكبير معه. ولن تحل مشكلة السودان المزمنة بتعاطف السودانيين مع أحدهم، غير أن هذه المحطات تمثل بصيص ضوء وسط العتمة، وقدر البشر الدائم أن يبحثوا عن توسيع دائرة الضوء عبر توسيع مساحة تلاقيهم.