افتتاحية الكومبس

عندما تجتمع التعاسة مع الخوف

: 10/4/24, 4:15 PM
Updated: 10/7/24, 2:36 PM
عندما تجتمع التعاسة مع الخوف

يتصل سعيد بالكومبس، ليشتكي على السويد، وعلى أحواله التعيسة وعلى سوء معاملته من قبل السلطات والمؤسسات وحتى من قبل المجتمع، نعم تفضل ما هي مشكلتك؟ تحاول الزميلة المناوبة معرفة كيف يمكن أن نساعد سعيد كوننا وسيلة إعلامية يهمنا عرض مشاكل الناس التي تتعرض للظلم، إما عن طريق الإرشاد إلى المعلومة المجتمعية الصحيحة، أو من خلال تحويل هذه المشاكل إلى قضايا رأي عام، بعد الاتصال مع الأطراف المعنية، والحصول على الحقائق التي نبني عليها القصة الصحفية.

سعيد، وهو اسم رمزي لشخصية غير محددة، قد يعرض قصة بالفعل تستحق المتابعة والنشر، وبعد أن نقطع شوطاً طويلاً في انجاز التحقيق أو التقرير الصحفي، يشترط سعيد فجأة عدم نشر اسمه الحقيقي، وعدم نشر صورته أو أي معلومات عنه. وعندما نسأله عن السبب، يقول إن أحداً ما من معارفه حذره من أن المخابرات السويدية يمكن أن تنتقم منه لأنه ظهر على الإعلام، وهذا يمكن أن يؤثر على إقامته أو على جنسيته أو على حياته إجمالاً.

نحن نتفهم أن هناك بعض القضايا تحتاج إلى إخفاء هوية شخصية صاحبها، خصوصاً إذا كان الموضوع له حساسية اجتماعية، ومن واجب الصحافة في هذه الحالة أن تحمي مصادرها. لكن الذي لا يمكننا تفهمه هو حالة الخوف غير المبرر من المؤسسات السويدية بحجة أنها قد تنتقم من الشخص الذي ينتقدها أو لأنه يلجأ للصحافة لعرض مشكلته عليها.

على الأغلب أن سبب هذا الخوف، هو قلة المعرفة بالمجتمع الذي نعيش فيه، إضافة إلى العقد الأمنية التي نحملها معنا من بلدننا الأصلية، خصوصاً أن هؤلاء الخائفين ليسوا على اطلاع بمفهوم عمل الصحافة في دولة مثل السويد، ولا بدورها الذي يختلف بشكل كبير عما هو في عدد من البلدان التي أتينا منها.

هناك أيضا نوع آخر من الخوافين، الذين يرفضون المشاركة في أي مسيرة أو مظاهرة أو فعالية لها طابع مطلبي إن كان سياسياً أو مجتمعياً، والحجة أن الأمن السويدي يراقب المشاركين ومن الممكن أن يؤثر ذلك على حياتهم وعلى وظائفهم. نعم من الممكن أن يكون هناك مراقبة أثناء أي فعالية في الشارع، ولكن هذه المراقبة تهدف للحفاظ على الأمن فقط وعدم استخدام العنف، الأمن يحفظ حقك بالتظاهر ولا يهتم لميولك السياسية أو الأيديولوجية، لكن ومن جهة أخرى هناك متابعة أو نوع ما من الرقابة الإعلامية على الهتافات التحريضية أو على الشعارات التي تحمل الكراهية، وهذا شيء يجب أن يتعلمه من يملك قضية ولديه مطالب، ويريد أن يستخدم التظاهرات كحق له ضمن حرية التعبير، لكي يصل صوته للرأي العام.

حقوق عدة يمكن أن تضيع على الناس الجبناء، حتى لو كانوا مظلومين، خصوصاً في دولة مثل السويد، لا تؤمن بالدموع أو العواطف أو المشاعر، بقدر إيمانها بقوة القانون وبقوة المعرفة باستخدام هذا القانون الذي يضمن الحقوق المدينة.

في كثير من الحالات لعبت الصحافة أدوراً مفصلية في تحويل مشاكل الناس إلى قضايا رأي عام، لكن كان شرط توفر الشجاعة والمصداقية هو الشرط الحاسم، في إحداث الفرق.

شجاعة الظهور على الإعلام بقضايا عادلة وصادقة، ساهمت حتى في تعديل بعض القوانين في السويد،
مثل قضية “القلب الصغير” لفتاة صغيرة تدعى إسميرالدا غوستافسون، ولدت في 25 أبريل 2016، عُثر عليها ميتة ومخفية في 30 يناير 2020 في منزلها في نورشوبينغ. في أغسطس 2020، حُكم على والدتها بالسجن لمدة عام وتسعة أشهر بتهمة التسبب في وفاتها. تم استئناف الحكم في محكمة الاستئناف التي حكمت في يونيو 2021 على الأم بالسجن لمدة ثماني سنوات بتهمة القتل. لقيت القضية اهتماماً كبيراً في السويد وأثارت ردود فعل قوية، بل ساهمت بإدخال تعديلات قانونية لحماية الأطفال ضمن قانون الرعاية القسرية (LVU). يُطلق على هذه التعديلات “قانون القلب الصغير” (Lex Lilla hjärtat)
وصول هذه القضية إلى الرأي العام وإلى البرلمان السويدي، وتأثيرها على تعديلات القانون، هو بسبب مصداقية قصة تناولها الإعلام، قصة تتسم بالمصداقية وبشجاعة من وقف وراءها.

في المقابل وعلى مدار أكثر من سنتين تصدرت مجموعة غوغائية تفتقر إلى المعرفة والحكمة قضية الدفاع عن أطفال مشمولين بقانون الرعاية القسرية، ابتعدت عن المصداقية واستخدمت أسلوباً هجومياً وتحريضياً ولم تركز على قضية بعينها، ما زاد من معاناة الأهالي ولم يسهم بإرجاع الأطفال.

نعود إلى سعيد، ونطلب منه أن يتحلى بشجاعة أكثر وأن يكون واثقاً في أن الصحافة والمجتمع ستقف معه، في حال كانت قضيته عادلة ولها مصداقية، ونقول أيضاً له ولغيره لا لثقافة الصمت والخوف من المطالبة بحقك.

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon