تحققت أخيراً أهداف وأمنيات حزب SD في إغلاق وتفكيك اتحاد تعليم شعبي، يحمل اسم الفيلسوف وعالم الاجتماع العربي ابن رشد، بعد سلسلة اتهامات تعرض لها الاتحاد، الذي تأسس العام 2008 من نواة مؤسسة تعليمية صغيرة تأسست العام 2001. خلال هذه السنوات استطاع الاتحاد أن يكون واحداً من عشر اتحادات مماثلة في السويد، تحظى بدعم على ثلاث مستويات، المستوى الحكومي المركزي من خلال مجلس التعليم الشعبي (Folkbildningsrådet) وعلى مستوى المحافظات والأقاليم وأخيراً على مستوى البلديات.
الاتهامات التي وُجهت إلى اتحاد “ابن رشد” التعليمي، منذ تأسيسه تركزت على ربطه بالإسلاموية، أو العمل الإسلامي السياسي، وذلك لأن المؤسسين الأوائل كان لهم ارتباط فعلي مع الرابطة الإسلامية التي تصنف من قبل عدة جهات سويدية بأنها تتبع بشكل أو بآخر إلى الإخوان المسلمين، من هؤلاء المؤسسين، عبد الحفيظ مبروك والذي ربما يكون هو المؤسس الأول وصاحب الفكرة، لكن جرى استبعاده لاحقاً من المؤسسة ومن الرابطة.
والحقيقة أن الرابطة الإسلامية وبغض النظر عما إن كانت مرتبطة بالإخوان المسلمين أو أنها فكّت ارتباطها بهم، كانت ولوقت طويل هي الجهة الوحيدة التي تمثل العمل الإسلامي المجتمعي بالإضافة إلى الشق الديني، والجهة الوحيدة المنظمة التي كانت الدولة ومؤسساتها تلجأ إليها لمخاطبة المسلمين وتنظيم بعض أمورهم الدينية والاجتماعية، لذلك لا يمكننا أن نستغرب أن أغلب الناشطين، خصوصاً القدامى، والقائمين على العمل الإسلامي في السويد، إما ينتمون حالياً إلى الرابطة أو كانوا ينتمون لها ولأسباب مختلفة ابتعدوا عنها.
إذاً تهمة الارتباط بالإسلاموية كانت تلاحق اتحاد ابن رشد منذ تأسيسه، وكان المعارضون له يركزون على أن أفكار ومناهج الاتحاد تتعارض مع القيم السويدية. بينما المؤيدون له كانوا يعتبرون وجوده دعماً لمبادئ التعددية في المجتمع الديمقراطي، لأنه وحسب أدبياته المعلنة فإن الاتحاد يهدف إلى دعم الديمقراطية وتعزيز مشاركة المسلمين في المجتمع السويدي، وذلك من خلال تقديم برامج تعليمية وثقافية تستهدف أفراد المجتمع السويدي المتنوع.
ولا يخفي “ابن رشد” أنه يتبع قيماً مستمدة من التقاليد الإسلامية، والتي تسعى لتعزيز العدالة والمساواة بين جميع الناس.
في الفترة الأخيرة، ومع دخول حزب SD إلى دائرة التأثير على السلطة من بوابة اتفاق “تيدو”، أصبح الهجوم على الاتحاد يأخذ منحاً مغايراً، بعد أن وضع هذا الحزب تفكيك الاتحاد هدفاً معلناً له.
قرار وقف المساعدات الحكومية عن “ابن رشد” قبل أيام سبقه وقف الدعم عنه من قبل عدة بلديات ومحافظات، استندت، إلى تقارير إعلامية، وإلى تحقيقات غير مهنية، حسب ردود مدراء الاتحاد، منها تقرير يربط إحدى الجمعيات الشيعية التي تتعاون مع الاتحاد بموضوع التشجيع على زواج المتعة وزواج القاصرين، وذلك بعد ضغط على الاتحاد لضم جمعيات شيعية كي لا يبدو وكأنه اتحاد يخص السنة فقط. إضافة إلى تقرير كشف عن عشرات المواد التعليمية التي ترتبط بتعاليم قرآنية تم تفسيرها على أنها تخالف قيم ومبادئ المجتمع السويدي.
ومع أن اتحاد ابن رشد، اعتبر أن هذه التقارير تفتقد إلى المصداقية والمهنية، فإنه قام بقطع علاقته مع عدد من الجمعيات الشيعية والسنية وألغى العديد من المواد التعلمية والتثقيفية موضع الجدل، وأجرى عدة إصلاحات. ومع ذلك لم يستطع الاتحاد وقف كرة الثلج التي بدأت تتدحرج حتى وصلت إلى قطع المساعدات الحكومية عنها كلياً.
يقول د.محمود الدبعي الذي عاصر انطلاقة ابن رشد عندما كان عضواً في الرابطة، في إحدى منشوراته عندما رأى كرة الثلج المتدحرجة وهي تزيد من ضغطها على الاتحاد “إن ابن رشد مؤسسة تثقيفية وتعليمية وتدريبية وليس جمعية دينية متخصصة بالشبهات التي يطلقها العلمانيون حول الإسلام”. ويتابع “من المهم ملاحظة أن هذه القضية تبدو معقدة ومثيرة للجدل ومسيسة تخدم أجندات تهدف إلى إيقاف الدعم المالي للمؤسسات الإسلامية، مع وجود آراء متباينة حول دقة الاتهامات وطبيعتها. قد يكون من الضروري إجراء مزيد من البحث العلمي الأكاديمي للحصول على صورة أكثر شمولية ودقة للوضع”.
الاعتقاد بأن قرار “خنق” ابن رشد مالياً هو قرار يخدم أجندات سياسية تسعى إلى خنق مزيد من المؤسسات الإسلامية، هو اعتقاد سائد بين الأوساط الإسلامية في السويد. وبغض النظر عن صواب أو خطأ هذا القرار، الذي سيطيح بمؤسسة لها حضورها، وبغض النظر عن حقيقة الأسباب التي استند إليها هذا القرار، يبقى خطر وجود فراغ يمكن أن تملأه جهات غير مؤهلة أو غير مناسبة، خطر كبير على المجتمع السويدي وليس فقط على الجالية المسلمة، هذا إضافة إلى خطر شعور الناس بالإحباط والتهميش، وكأنهم هم المستهدفون من قرارات إغلاق وخنق المؤسسات التي قد يمثل وجودها مبدأ التعددية، في مواجهة خطر فرض الثقافة الأحادية التي يسعى لها اليمين المتطرف. لذا نرى كيف انتقدت مؤسسات دينية مسيحية ومدنية قرار وقف المساعدات عن الاتحاد.
ولعل رمزية “ابن رشد” الفيلسوف وعالم الاجتماع العربي ومدى تأثيره السابق على الغرب، تعني الكثير في رسم الواقع الحالي للغرب الذي يحتاج إلى التمسك بقيمه التي يهددها التطرف والشعبوية، وإذا تم خنق ابن رشد المؤسسة التي قد تكون مثيرة للجدل، فعلى السويد الحفاظ على ابن رشد الرمز.
محمود آغا