افتتاحية الكومبس

في “جمعة النصر”.. 6 مقولات ينبغي الانتباه لها

: 12/13/24, 3:19 PM
Updated: 12/13/24, 8:14 PM
في “جمعة النصر”.. 6 مقولات ينبغي الانتباه لها

أسبوع مر تقريباً على سقوط الأسد. يحتفل السوريون اليوم بـ”جمعة النصر” أو “جمعة الدولة المدنية”. 720 جمعة مرت منذ “جمعة الكرامة” حين كان السوريون يُقتلون في الشوارع فقط لأنهم لم يعودوا قادرين على السكوت أكثر. وسط الفرح العظيم تطل المخاوف والتحليلات والانتقادات، بينما يفصل خيط رفيع بين “انتقادات” تتصيد على الحالة الجديدة أخطاءها في محاولة لإعادة تجميل صورة النظام السابق، وبين مخاوف حقيقية تتطلع إلى مستقبل سوريا.

مرّ الأسبوع الأول دون أنهار دماء وانتقام كما كان النظام السابق وبعض مناصريه من القوميين العرب يخوفون الناس. السقوط السريع للنظام منذ أن بدأ الزحف عليه من إدلب جنّب السوريين مآسي كثيرة كانت يمكن أن تدخلهم أنفاقاً مظلمة تكمل مأساتهم التي شهدت أكثر فصولها قتامة في الـ14 سنة الماضية.

من حق الناس أن يتفاءلوا وأن يحلموا من جديد وقد خرجوا من نفق معتم طويل، غير أن الخروج من النفق قد يصيب المرء أحياناً بما يسمى الانبهار الضوئي، إن لم يفتح أعينه بالتدريج، وهذا قد ينطبق على الشعوب أيضاً.

يستعجل كثير من السوريين الديمقراطية والحرية، خصوصاً ممن أجبرتهم الحرب على الخروج من بلادهم إلى أنحاء العالم، يريدونها اليوم وليس غداً دولة ديمقراطية ومدنية ومتحضرة تساوي بين مواطنيها وتحفظ للإنسان حقوقه، بينما بلادهم في الواقع تتلمس أولى خطواتها نحو الاستقرار وتأمين الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لحياة الناس، وتجاوز عقد الماضي.

ليس في “الاستعجال” ما يدين أصحابه وقد انتظرت سوريا طويلاً ودفعت غالياً في سبيل ذلك. ورغم أن الواقع في مكان آخر حالياً، فإن الإصرار على الأساسيات منذ اليوم الأول يبدو ضرورياً لئلا تنزلق ثورة السوريين مزالق شهدتها دول أخرى وجعلت أهلها يحنون بأشكال مختلفة إلى الأنظمة الديكتاتورية.

في الأسبوع الماضي راجت بعض المقولات الدعائية من هنا وهناك، يخشى أن تؤصل لحالة جديدة فتغدو مسلمات في وعي السوريين تجعلهم يحجمون عن الاستمرار بالمطالبة بحقوقهم والاختباء وراء مقولات ليس كلها صحيحاً. ومنها:

هيئة تحرير الشام أسقطت الأسد وخلصت السوريين من عذابات طويلة: صحيح أن هيئة تحرير الشام قادت الفصائل في المعركة الأخيرة وأن عملية “ردع العدوان” أدت بشكل مباشر إلى إسقاط الأسد، غير أن الصحيح أيضاً أن إسقاط النظام بدأ فعلياً منذ أن كتب أول طفل في درعا على الجدران، وتتالت تضحيات السوريين في مظاهرات حاشدة دفع كثير منهم ثمناً غالياً خلالها في سبيل فقط أن يقولوا رأيهم وتعرضوا في ذلك لاعتقالات وحشية ومجازر وحينها لم يكن للهيئة أو غيرها من الفصائل الموجودة حالياً وجود يذكر. والصحيح أيضاً أن ما سهل سقوط الأسد الضربات التي تلقاها حلفاؤه على يد إسرائيل. والصحيح أيضاً أن تخلي جنود الجيش عن أسلحتهم وترك الدفاع عن النظام رغم تهديدات أجهزة الاستخبارات كان عاملاً مساعداً. أمام كل هذا لا يحق لطرف أن يدعي النصر وحده. إنه نصر السوريين في معركتهم الطويلة من أجل الحرية والتي بدأت حتى قبل 2011.

السوريون في الخارج لا يحق لهم الحديث عن مستقبل سوريا باعتبارهم لم يشاركوا بشكل مباشر في إسقاط النظام: خرجت بعض المقولات في هذا الاتجاه خلال الأسبوع الأول وتوجّت ربما بمنشور كتبه الإعلامي هادي العبد الله قبل أن يعود لتوضيحه لاحقاً. إن محاولة الفصل بين سوريي الداخل والخارج قد تجر نتائج وخيمة على مستقبل سوريا وتحرمها من طاقات وإمكانات وخبرات توافرت للسوريين بفعل هجرتهم القسرية ويمكن أن تسهم في بناء سوريا مستقرة ومتحضرة.

لا يحق لمن لم يشترك في الثورة بشكل مباشر التعبير عن رأيه: حق التعبير عن الرأي يجب أن يكن مكفولاً في سوريا الجديدة لكل مواطنيها وإلا فإن حالة الإقصاء التي قام عليها نظام الأسد وأنظمة ما عرف باسم الثورات التقدمية يُعاد الآن بشكل آخر. خصوصاً أن معيار “الاشتراك في الثورة” فضفاض ويمكن بسهولة تجييره لمصلحة هذا الطرف أو ذاك. أما الواضح، فإن معظم السوريين، دفعوا أثماناً متفاوتة من حياتهم أو أموالهم أو حرياتهم ثمناً للحقبة الماضية، ومنهم غالبية أسكتها القمع عن التعبير عن نفسها.

يجب حماية الأقليات: تعامل الحالة الجديدة حتى الآن مع ما يسمى “الأقليات” الدينية والطائفية والعرقية جنّب البلاد الغرق في دوامة من الانتقام المتبادل، لكن مفهوم الأقليات الدينية والطائفية والعرقية يجب أن ينتهي، ليحل محله لاحقاً مفهوم “الأقلية السياسية”, في الدولة الديمقراطية كل المواطنين متساوون أمام القانون بغض النظر عن خلفياتهم. أما الأكثرية والأقلية فتحددها صناديق الاقتراع على البرامج السياسية. وعلى السوريين ألا ينسوا أن النظام السابق قدّم نفسه دائماً باعتباره حامي الأقليات وهو ما أكسبه تأييد بعض السوريين بناء على انتماءات طائفية تحت دعوى “حماية الوجود”.

منحبك: تطل جماعة من يسميهم السوريون “المنحبكجية” من جديد لكن هذه المرة لزعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع أو أبي محمد الجولاني كما كان يسمى سابقاً. والجيد في الأمر أن عبارات “الحب” و”التبجيل” تلقى نفوراً من قبل كثير من السوريين الذين باتوا يعتبرون ذلك من أساليب صنع طغاة جدد. ليس بناء الدول قائماً على الكره والحب بل على الحقوق والواجبات والالتزام بالقانون والدستور.

حكومة إدلب: بحكم الأمر الواقع اتخذ الشرع منفرداً قراراً بتعميم حكومة الإنقاذ في إدلب على سوريا لتسيير أمور البلاد مؤقتاً لمدة ثلاثة أشهر. انتُقد الخيار كثيراً، لكن لذلك أسبابه الموضوعية أيضاً وسط حاجة البلاد إلى المقومات الأساسية من خدمات وغذاء بشكل عاجل. وبالنظر إلى خبرة “حكومة الإنقاذ” المتواضعة في إدلب فقد يكون تعميمها خياراً سريعاً لإخراج البلاد من حالة الفوضى. وعلى هذه الحكومة الآن أن تسعى بشكل عاجل لتأمين حياة الناس. غير أن المهم أن يجد السوريون طريقهم لإيجاد مرجعية قانونية ودستورية في مرحلة لاحقة لشكل الحكومة.

هذه المقولات وغيرها تعكر على السوريين احتفالهم بإسقاط الحكم الديكتاتوري، وعليهم أن يخافوا دائماً من صناعة حكم ديكتاتوري جديد، دينياً كان أم لا. ولذلك كلمة سر واضحة: لا حاكم للأبد، ولا سلطة مطلقة لأحد، ولا حاكم دون أن يكون الشعب قادراً على سحب الثقة منه بالآليات الديمقراطية، مهما أظهر من العدل والتسامح، فكثير من الأنظمة الديكتاتورية في منطقتنا بدأت بحاكم عادل.

لن تتحول سوريا إلى دولة مدنية ديمقراطية بمجرد سقوط الأسد وسيتعين على السوريين ربما أن يعيشوا تحولات يأملون ألا تكون مكلفة، لكن قد يكون جيداً تأصيل المفاهيم منذ البداية وبدء النقاش من الصفر حول ما هي الدولة، على أن لا يبدأ إنشاؤها من الصفر ففي ذلك أثمان دفعها آخرون في طريق وصولهم لدولة المساواة ولا داعي لدفعها مجدداً.

يستحق السوريون المنهكون الآن فرصة للتنفس وأن ينعموا كباقي البشر بأبسط مقومات الحياة، وأعينهم على مستقبل أفضل. يحق لهم أن يتفاءلوا دون إحباط رغم كل المخاوف.

مهند أبو زيتون

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2025.
cookies icon